هل يكون قيام دولة بتشكيل ميليشيا مســلحة في دولة أخرى (أو ميليشيات عدة في دول عدة، كما هي حال ايران) سوى ارهاب بامتياز؟، وليس ضد الدولة الأخرى فقط، بغض النظر عن الرأي فيها، وما اذا كانت ناجحة أو فاشلة، انما ضد الشعب فيها أيضاً؟.
بل هل يمكن أن يكون الإرهاب مجرد تهمة لفظية، تلصق بها كلمة «تكفير» أو «ذبح» أو «قتل» أو ما شابه، ويكون ملصق الاتهام بنتيجتها جزءاً من حرب دولية ضد هذه الظاهرة الغريبة، أو يساهم كما يدعي في تخليص العالم منها؟.
وهل، في هذا السياق بالذات، تكفي شهادة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله واعترافه بأن موازنة حزبه ومرتبات أعضائه وطعامهم وشرابهم وأسلحتهم وذخيرتهم تأتي من ايران، للقول ان هذه الدولة ترتكب عامدة فعل الإرهاب ضد دول وشعوب أخرى في المنطقة وحتى على مساحة العالم كله أيضاً؟.
هذه الأسئلة وغيرها تطرح نفسها بقوة الآن، وعلى العالم كله الذي تشترك دوله في ما تسميه «الحرب على الإرهاب»، وهي تستدعي اجابة مقنعة بعدما بلغ هذا الوحش ما بلغه من قوة وانتشار في غير بقعة من بقع الكرة الأرضية.
فأخيراً، بدا أن «الولي الفقيه» الإيراني وأتباعه في العراق لم يكتفوا بتشريع ميليشيا ما يسمى «الحشد الشعبي» من جانب حكومة حيدر العبادي، بل بدأوا جمع تواقيع (مئة نائب في البرلمان للآن) لتحصين هذه الميليشيا ضد المساءلة، بخاصة القضائية وحتى الأخلاقية، عن أية جرائم ترتكبها في «الحروب» التي يشهدها العراق تحت عنوان مكافحة الإرهاب أو تحرير الأرض من «داعش». ولا حاجة للقول ان الهدف واضح، كما هي الأدوات بدورها، وإن كانت تحمل أسمــاء مختلفة: «الحرس الثوري» في ايران، «حزب الله» في لبنان، «الحشد الشعبي» في العراق، «أنصار الله» في اليمن، «سرايا الأشتر» في البحرين (وبعد ذلك كله، «الحسينيات» في موريتانيا).
أما عن الهدف، وهو استراتيجية ايران الساعية لاستعادة ما تسميه «الإمبراطورية الفارسية»، فليس سراً أنه على امتداد سبعة وثلاثين عاماً، أي منذ قيام «الجمهورية الإسلامية» فيها، لم يخف «الولي الفقيه» أنه ينتهج ســـياسة انـــشاء مليشيات مسلحة، فكرياً وتنظيـــمياً ومذهبياً ومالياً وعسكرياً، في أية دولة عربية (أو اسلامية غير عربية) يمكنه التسلل اليها.
وليس سراً، أنه لم يدع دولة واحدة فيها فئة، ولو أقلية صغيرة، تنتمي الى المذهب الشيعي، الا ومدّ شباكه الأخطــبوطية اليها… إما بذريعة «الدعوة الدينية»، أو بحجة انهاء ما يصــفه بـ «المظــلومية» التاريخية، أو تحت العنوان الســياسي الذي يرفع تارة شعار محاربة الاستـــكبار العالمي والصهيونية، وتارة أخرى لواء «تصدير الثورة» الى الشعوب المغلوبة في العالم، ودائماً بحجة الدفاع عن مقولات «المقاومة والممانعة» وعن الأنظمة (كما في سورية تحديداً) التي تدعي زوراً انها تنتهجها.
أما عن الأدوات المستخدمة من أجل هذه الغاية، فهي انشاء ميليشيات عسكرية في هذه الدول، وفتح خزائن ايران المالية ومصانع أسلحتها بهدف تمويلها وتدريبها وتسليحها، ثم العمل على تغطيتها عقدياً وسياسياً بشن حروب اعلامية على أنظمة الحكم في هذه البلدان، بدعوى أنها تتحمل من دون غيرها المسؤولية عن الأوضاع التي تعانيها الشعوب والمجموعات الأثنية والطائفية والمذهبية فيها.
ليس ذلك فقط، اذ لم تكتف ايران بتشغيل هذه الميليشيات ضد بلدانها، ولمصلحتها الإمبراطورية قبل أي شيء آخر، انما استغلتها في مخططاتها للبلدان الأخرى («حزب الله» و»الحشد الشعبي» في لبنان والعراق، والميليشيات الأفغانية والباكستانية في سورية، فضلاً عن «الحرس الثوري الإيراني» في العراق وسورية واليمن)، وتأكد على الدوام أنها لا تعير أي اهتمام لأي انعكاس على هذه الميليشيات في بلدانها، ولا على هذه البلدان ذاتها… بما فيها على سبيل المثال أفغانستان وباكستان، بعد انتهاء دور ميليشياهما في سورية وعودتهما الى بلديهما.
بل أكثر، اذ غني عن البيان أن استراتيجية ايران هذه لم تفعل في السنوات الـ 37 الماضية الا أنها أدخلت الدول المذكورة في حروب أهلية، عرقية وطائفية ومذهبية فيها كلها، فضلاً عن مئات الألوف من الضحايا المدنيين، من دون أن يبدو في الأفق ما يشير الى متى وكيف وبأية طريقة ستنتهي. وفي موازاتها، بدا أن أحلام «الولي الفقيه» وطموحاته في حيازة سلاح نووي، ورطت بلدان المنطقة في سباق تسلح تقليدي، وربما غير تقليدي، لن يكون الا على حساب شعوب المنطقة ونموها وازدهارها، بما فيها الشعب الإيراني نفسه.
ماذا يبقى بعد ذلك؟!.
في الستينات والسبعينات، كانت كلمة «الإرهاب الدولي» هي السائدة لكن بمدلول واحد لا غير يتعلق باتهام الاتحاد السوفياتي ودول حلف وارسو بأنها دعمت أو موّلت (ولم تشكل هي بنفسها) تنظيمات مسلحة مثل «الجيش الأحمر الياباني» أو حركة «بادر/ماينهوف» الألمانية أو «الألوية الحمراء» الإيطالية. وكان الغرب يشن عليها حرباً شاملة ولا هوادة فيها، لا سيما بعدما أقام بعضها علاقات مع «منظمة التحرير الفلسطينية». وبالنسبة إلى هذه الأخيرة، والتي كانت موصومة بالإرهاب، لم ترفع هذه التهمة عنها الا بعد أن اعترفت دول العالم بها وبحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وإلا بخاصة بعد أن عجزت هذه الدول عن وضع حد فاصل بين الإرهاب من جهة والمقاومة دفاعاً عن الحقوق من جهة أخرى.
هل تختلف حال ايران وميليشياتها المسلحة والمتعددة الآن، عما كانت عليه حال الاتحاد السوفياتي ودول حلف وارسو واتهامها بـ «الإرهاب الدولي» يومها؟.
وأكثر، ألا يستحق ذلك من دولة عربية ما (لنقل جيبوتي مثلاً، تفادياً للإحراج) أن تقدم طلباً الى الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية، يدعو الى تعريف الإرهاب في الفترة الحالية من ناحية، وإلى إعلان إيران دولة ارهابية، أو أقله راعية للإرهاب، في المنطقة وفي العالم من ناحية ثانية؟.
يــجدر القــول ان على جامعة الدول الــعربية، ان لم يكن على دولة بــذاتها، أن تفعل ذلك وبسرعة لا بد منها، أقله لمــسؤوليتها عن مــحاولة وقف الحــروب الأهلية التي يسبــبها الإرهاب الإيراني الموصوف في غير دولة عضو فيها.
محمد مشموشي
صحيفة الحياة اللندنية