فوضى الاستجوابات وتصفية الحسابات تهدّد حكومة العبادي

فوضى الاستجوابات وتصفية الحسابات تهدّد حكومة العبادي

349
للمرة الثانية على التوالي يُخفق التحالف الوطني الحاكم في العراق، الذي يضم مجموعة من الأحزاب الدينية وعدداً من الكتل السياسية، في لمّ شمله والتوصل إلى حلول تنهي حالة الانقسام التي تعصف به منذ نحو عام كامل، بالتزامن مع اتهامات بوجود مساعٍ خطيرة من قِبل رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي،للإطاحة بحكومة حيدر العبادي، من خلال سلسلة الاستجوابات داخل البرلمان لوزراء الحكومة وضغوط مقابلة يمارسها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، تحت شعار الإصلاح أو إقالة الحكومة.
وعُقد ليل الأحد الماضي اجتماع في بغداد لقيادات التحالف الوطني، هو الثاني من نوعه منذ تسمية زعيم المجلس الأعلى، عمار الحكيم، قائداً للتحالف في جلسة اختيار جرت في الخامس من الشهر الحالي، بغياب عدد من ممثلي كتل التحالف الرئيسية حينها.
ووفقاً لمصادر مقربة من قيادات التحالف، فإن الاجتماع الذي عُقد الأحد في مكتب عمار الحكيم (منزل وزير الخارجية الراحل طارق عزيز في منطقة الجادرية على نهر دجلة في بغداد) استمر نحو ثلاث ساعات، بحضور العبادي وقيادات أخرى في التحالف، أبرزها هادي العامري وحسين الشهرستاني وفالح الفياض وعمار الطعمة وخالد الأسدي ونوري المالكي، فضلاً عن عمار الحكيم رئيساً للجلسة، التي جرت خلالها مناقشة حل الخلافات العالقة بين الكتل وعودة التيار الصدري إلى صفوف التحالف.

وبحسب المصادر ذاتها، فإن العبادي لم ينجح في الحصول على دعم كل الكتل لحكومته، إذ كان موقف المالكي سلبياً في عدة ملفات تم طرحها، أهمها دعم حكومة العبادي وفقاً لطلب الأخير خلال مشاركته في الاجتماع، وهو ما دفعه إلى تذكير المالكي بأنه قاد حكومة ناقصة 13 وزيراً عام 2010 عندما انسحبت الكتل السنّية والكردية من حكومته، احتجاجاً على تصرفاته، وذلك رداً على كلام للمالكي بأن حكومة العبادي يجب ألا تبقى ناقصة بهذا الشكل أكثر مما ينبغي، وأن أداءه الحكومي ينعكس على التحالف وحظوظه في الانتخابات المقبلة.
ولفتت المصادر إلى أن العبادي اتهم من وصفهم بـ “الإخوة” بالتآمر على حكومته ومحاولة إسقاطها، ولو كان على حساب أرواح العراقيين ومصدر رزقهم، من دون أن يسمي هؤلاء خلال الاجتماع الذي شهد غياب ممثل التيار الصدري، أمير الكناني.
ويضم التحالف الوطني الحاكم للعراق كتلاً رئيسية عدة أبرزها دولة القانون بزعامة نوري المالكي، والمجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم، ومنظمة بدر بزعامة هادي العامري، وكتلة “مستقلون” بزعامة حسين الشهرستاني، وتيار الإصلاح بزعامة إبراهيم الجعفري، والتيار الصدري ممثلاً عنه أمير الكناني، وكتلة “الفضيلة” بزعامة عمار الطعمة، وحزب الدعوة تنظيم الداخل ممثلاً عنه خالد الأسدي.
ويواجه رئيس الوزراء في هذه المرحلة مخاطر الإطاحة به من داخل كتلته، إضافة إلى أزمات سياسية سابقة شهدتها البلاد، تمثّلت بمحاولات الإطاحة بالعبادي من قِبل كتل كردية أو سنّية كما حدث مع المالكي ومن قبله الجعفري.
وبحسب قيادي بارز في التحالف الوطني، فإن “جهود الإطاحة برئيس الوزراء تحوّلت من أروقة التحالف الوطني إلى داخل البرلمان، إذ يواجه العبادي تحدي إسقاط وزراء حكومته الواحد تلو الآخر بطريقة الاستجوابات الدستورية، التي لا يمكن لأحد معارضتها، والتي أطاحت حتى الآن بوزير الدفاع، خالد العبيدي، ووزير المالية، هوشيار زيباري، ويجري التحضير لاستجواب وزراء الخارجية والصحة والتربية والزراعة خلال الأسابيع القليلة المقبلة”.
ويتولى العبادي حالياً مهام وزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير المالية، وكالة بالتعاون مع وكلاء الوزراء الموجودين حالياً، في الوقت الذي تشهد فيه عملية تسمية وزراء جدد إعاقة من كتل داخل التحالف، أبرزها كتلة دولة القانون بزعامة المالكي وكتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري.

اتهامات مباشرة للمالكي
وتتهم أطراف مختلفة في العراق المالكي بقيادة مشروع الإطاحة بحكومة العبادي. واتهم ائتلاف “متحدون” بزعامة نائب رئيس الجمهورية السابق، أسامة النجيفي، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، بشكل صريح ائتلاف المالكي باستخدام ورقة الاستجواب وسحب الثقة من وزراء حكومة العبادي كوسيلة لتهيئة الإطاحة بالحكومة.
وقال بيان للحزب الديمقراطي الكردستاني إن المالكي يسعى لإسقاط حكومة العبادي، وإن هناك نية مبيّتة وراء تصويت البرلمان على سحب الثقة عن زيباري، بهدف انهيار الحكومة الحالية، فيما اعتبر ائتلاف “متحدون” عمليات سحب الثقة عن وزراء حكومة العبادي بأنها “ترتيب للإطاحة بالحكومة في وقت غير مناسب ويعرقل المعركة القائمة مع الإرهاب”.
وتمت عملية استجواب وزير الدفاع ومن ثم المالية من قِبل نواب في كتلة المالكي، إذ قدّمت عالية نصيف طلب استجواب وزير الدفاع، ثم طلب هيثم الجبوري استجواب وزير المالية. ورد التحالف الكردستاني على إقالة زيباري بالإعلان عن جمع تواقيع لاستجواب وزير الخارجية، إبراهيم الجعفري. ووفقاً للنائب عن التحالف الكردستاني، عادل نوري، فإن عشرات التواقيع تم جمعها وتحضير 16 ملفاً تتعلق بالفساد والتسيب في الوزارة ومخالفة الدستور، وملفات أخرى كثيرة. وأضاف: “لا يمكن أن نقبل بوزير خارجية لا يعرف مواقع الدول المجاورة للعراق”، في إشارة إلى تصريحات سابقة للجعفري قال فيها إن نهر دجلة ينبع من إيران، ووصف السعودية بالجارة الجنوبية للعراق.
وفي ما يتعلق بمساعي الصدر لإسقاط حكومة العبادي، أوضح القيادي في التيار الصدري، حسين البصري، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الجهود هي لإصلاح الحكومة لا للانتقام من العبادي أو حكومته، كما يفعل نوري المالكي”، مؤكداً أن زعيم التيار “متمسك بموضوع إصلاح حكومة العبادي، ولم يطرح حتى الآن بإقالتها، كما لم يكن شريكاً في سلسلة الاستجوابات غير البريئة”، على حد وصفه.

حراك لفتح ملفات فساد
مقابل ذلك، أكدت مصادر حكومية عراقية أن حراكاً آخر يقوده رئيس الوزراء، حيدر العبادي، والأكراد وكتل سنّية لفتح ملفات الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان خلال حقبة تولي نوري المالكي رئاسة الوزراء بين 2006 و2014، من بينها ملف سقوط الموصل ومجازر طائفية واعتقالات تعسفية وضياع نحو 450 مليار دولار من موازنة الدولة لا يُعرف مصيرها.
وبحسب المصادر، فإن العبادي أبلغ كتلاً سياسية أنه لن يوقف أي طلب بشأن فتح ملفات فساد حكومة المالكي، أو الجرائم التي ارتُكبت في عهده، إلا أنه أكد لها خلال اجتماعات جانبية نفوذ وسيطرة المالكي على مجلس القضاء الأعلى من خلال رئيسه، مدحت المحمود، وقضاة محكمة النزاهة.
ووصف الخبير في الشأن السياسي العراقي، محمد العبيدي، سلسلة الاستجوابات بـ”المؤامرة الجديدة في ظل عرقلة كتل سياسية بعينها جهود العبادي في تعيين وزراء بدلاء عنهم”. وأضاف العبيدي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الوزارات السياسية في البلاد أربع، هي الدفاع والداخلية والمالية والخارجية، وحالياً هناك ثلاث منها بلا وزير وقد نفقد الخارجية خلال أيام أو أسابيع قليلة، وهذا يجعل حكومة العبادي في مأزق دستوري حقيقي إذ بسقوط أي وزير آخر من الحكومة، لن يتمكن رئيس الوزراء من عقد جلسة مجلس الوزراء بنصاب كامل”. ورأى أن “مساعي العبادي لتحريك ملفات فساد المالكي تأتي لإيقافه، فيما المالكي لا يريد التوقف عن مساعي الإطاحة بحكومة العبادي مقابل ضغوط يمارسها مقتدى الصدر قد تزيد أو حتى تتفجر في أي وقت”، واصفاً ما يحدث بـ”الفوضى السياسية”.

مقابل ذلك، قال قيادي في حزب الفضيلة لـ”العربي الجديد”، إن الإدارة الأميركية متمسكة بالعبادي في الوقت الحالي لعدة أسباب، أبرزها أن أي بديل عن العبادي في هذا الوقت لن يكون قادراً على التعامل مع التحديات الحالية مع اقتراب معركة الموصل والخوف من انتقال الصراع السياسي إلى داخل المؤسسة العسكرية والأمنية في البلاد، التي تمزقها الولاءات الطائفية والحزبية، فضلاً عن أن المالكي يطرح نفسه بديلاً حالياً وهذا ما ترفضه واشنطن بشكل كامل. وأضاف القيادي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن “مؤسسة الحرس الثوري تؤيد الإطاحة بالعبادي على عكس وزارة الخارجية الإيرانية وشخصيات أخرى في طهران، وهذا ما لمسناه من لقاءات عُقدت أخيراً”.

عثمان المختار

صحيفة العربي الجديد