إن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفاءهم ينفقون مليارات الدولارات على عمليات عسكرية ضد تنظيم الدولة (داعش)، ومئات الملايين من المساعدات الإنسانية لمساعدة الفارين من تلك الجماعة المتشددة والصراع.
ونتيجة لذلك، تحرز القوات العراقية المدعومة من قبل قوات التحالف تقدمًا أسرع من المتوقع في الأعمال التحضيرية لاستعادة معقل تنظيم الدولة في العراق والموصل، ولكن هل التمويل المخصص للجهود الملائمة قد يؤكد على أن تلك المناطق المستعادة يمكنها البقاء على هذا النحو على المدى الطويل؟ حيث أنه اعتبارًا من يوليو، كان يقدر فقط بـ1,5 مليون دولار.
والآن، يعد الوقت المناسب لتكريس المزيد من الاهتمام والموارد لجعل المساعدات العسكرية والإنسانية الناجحة للعراق لا يمكن تبديدها، مما يتطلب من القوات الدولية الأمريكية والبريطانية العودة مرة أخرى في غضون سنوات قليلة، وفي حين تمت مساعدة العراقيين في الفوز بالحرب، فقد تم الفشل في مساعدتهم على تأمين السلام، وشهد البريطانيون والأوروبيون العواقب التي تمثلت في تدفق اللاجئين من العراق، بجانب غيرها من البلدان التي مزقتها الحروب، والتي تمارس ضغوطًا هائلة على أوروبا ويبدو أنها ساهمت في قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي.
إن اليوم – وحيث تستعد القوات العراقية والتحالف لاستعادة السيطرة على الموصل – فلابد من القيام بعمل مضني للتحضير للسلام، وذلك قبل إطلاق العمل العسكري الرئيسي، فقد كانت الموصل فيما مضى موطنًا لفسيفساء معقدة من القبائل والمجموعات العرقية، ومنذ الاستيلاء على المدينة، وتنظيم الدولة في العراق والشام حل بالخراب على المجتمعات المحلية وخلق جروح عميقة داخل العائلات ومختلف شرائح المجتمع، إذ أن أي شعور بالحماس تجاه الموصل المحررة ينحدر سريعًا إلى تبادل الاتهامات والثأر وشبح العنف الطائفي.
وتضع الحكومة العراقية والتحالف تقديرات تشير إلى أنه تم استعادة نصف الأراضي العراقية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، منذ أكثر من عام، وعلى الرغم من تلك المكاسب، فقد عام أقل من ربع الأربعة ملايين شخص الذين نزحوا من تلك المناطق.
يذكر أن المشاركة الاستراتيجية طويلة الأمد، وزيادة التركيز على المصالحة واكتساب الحقوق السياسية قد تمكنهم في النهاية من تعزيز السلام، وهذه ليست أضغاث أحلام، حيث تمتلك الولايات المتحدة وأوروبا مصالح في العراق، وما زال لديهم نفوذ هناك.
اقتصاد تنظيم الدولة
على الرغم من الضربات الجوية للتحالف والأسعار المنخفضة تدريجيًا للنفط العالمي، فقد حافظ تنظيم الدولة على مستوى عالٍ من الإيرادات في عام 2015 بسبب اقتصادهم المتنوع، ويقدر الباحثون في مركز تحليل الإرهاب أن عائدات التنظيم وصلت إلى حوالي 1,9 مليار دولار خلال العام الماضي، ويمكن تقسيمها على النحو التالي:
الابتزاز: في عام 2015 أصبح الابتزاز أكبر مصدر لدخل تنظيم الدولة، وهو ما يمثل 616 مليون دولار، أو حوالي ثلث إجمالي الإيرادات.
الخطف والفدية: يمثل حوالي 77 مليون دولار أو 4% من معدل دخل تنظيم الدولة في عام 2015.
الآثار: قام تنظيم الدولة بالسيطرة على حوالي 7 آلاف موقعًا أثريًا بالعراق وسوريا في عام 2015، وكان الإتجار بالآثار مصدرًا لـ23 مليون دولار من مقدار دخل المجموعة لهذا العام.
النفط: بلغ إنتاج تنظيم الدولة من النفط في عام 2015 حوالي 40 ألف برميل يوميًا، وهو ما يمثل 460 مليون دولار من الإيرادات، أو نحو ربع إجمالي الدخل.
الغاز الطبيعي: سيطرت المجموعة على 12 على الأقل من حقول الغاز الطبيعي، لتدر دخل يقدر بحوالي 270 مليون دولار، أو 14% من معدل الدخل السنوي.
الفوسفات: تمثل عملية الاستخراج من مناجم الفوسفات التابعة للتنظيم في العراق وسوريا 193 مليون دولار، أو 10% من إجمالي دخلهم في عام 2015.
الزراعة: إن الأراضي الخصبة في سوريا والعراق تعني أن تجارة تنظيم الدولة في محاصيل الحبوب والقطن تمثل 118 مليون دولار، أو 6% من الإيرادات لعام 2015.
الأسمنت: يسيطر تنظيم الدولة على العديد من مصانع الأسمنت الهامة، وفي عام 2015 جلب مثل الأسمنت حوالي 77 مليون دولار، أو حوالي 4% من عائداتهم.
التبرعات: يتلقى تنظيم الدولة تبرعات من رجال الأعمال الأثرياء وبعض المؤسسات الدينية، ويمثل بعضها حوالي 38 مليون دولار، أو 2% من معدل الدخل لعام 2015.
يذكر أن الجهود الرامية إلى معالجة الجذور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للصراع العنيف قد أثمرت في أجزاء أخرى من العراق، وعلى سبيل المثال، في منطقة تكريت في عام 2014، قام تنظيم الدولة بذبح 1700 طالبًا وجنديًا بالجيش العراقي والذين كان أغلبهم من الطائفة الشيعية، وذلك في قاعدة عسكرية قريبة معروفة باسم كامب سبايكر، وفي أوائل عام 2015، عندما تم استعادة المنطقة من تنظيم الدولة، فر السكان السُّنة من وسط القتال وخافوا من أن يتم إلقاء اللوم عليهم بشكل ظالم في المجزرة ويصبحوا هدفًا لهجمات انتقامية.
ومنذ توليهم السيطرة على الموصل، خلف تنظيم الدولة جروحًا عميقة في المجتمع، إذ أن أي حماسة تجاه تحرير المدينة تتحول سريعًا إلى شبح العنف الطائفي.
ومن خلال التحليل الدقيق والوساطة الشاملة، قامت مجموعة من الميسرين العراقيين بتجميع زعماء العشائر السنية والشيعية معًا من أجل الحوار المكثف على مدى عدة أشهر، في وقت سابق للعملية العسكرية التي تم من خلالها استعادة مدينة تكريت، وأدت المحادثات إلى اتفاق ساعد على معالجة المطالب التي تنادي بالعدالة وتحديد العناصر الحاسمة لتحقيق سلام دائم، وفي نهاية المطاف، عاد حوالي 300 ألف شخص إلى المدينة والمقاطعة المحيطة بها، وهم يمثلون ثلث إجمالي العائدين إلى المناطق المحررة بالعراق.
وكان هناك أيضًا مفاوضات مماثلة بقيادة الزعماء المحليين بجانب دور مساند من المجتمع الدولي، وكان بعض القادة المحليين على اتصال مع الحكومة الوطنية في بغداد من خلال طرق بناءة يمكن أن تسهم في حكم أكثر شمولية، والذي لا غنى عنه لتفادي السخط العميق الذي فتح الطريق لانقضاض تنظيم الدولة في المقام الأول.
جدير بالذكر أنه عندما نتجاهل أننا نحارب فقط المعركة العسكرية ونقدم مسكن إنساني، ففي ذلك الحين نترك الأسباب العميقة للصراع العنيف؛ لكي تنبت من جديد وتقوم بسحبنا مرة أخرى.
التقرير