كثيرة هي القضايا التي يثيرها إقرار الكونجرس القانون المسمى «العدالة ضد رعاة الإرهاب» JASTA الذي يجيز لضحايا عمليات إرهابية تحدث في الولايات المتحدة أو لعائلاتهم مقاضاة دول أجنبية للحصول على تعويضات مالية عن الأضرار المترتبة على تلك العمليات.
لم يحدد القانون، الذي أصر الكونجرس عليه وأعاد إصداره بعد أن نقضه الرئيس الأميركي أوباما وأعاده إليه، عمليات إرهابية محددة، ولم يشر إلى دولة أو دول معينة. ولكن الجميع يعرفون أن المقصود بالعمليات الإرهابية هجمات سبتمبر 2001، وأن المملكة العربية السعودية بالتالي هي المستهدفة لمجرد أن معظم من نفذوا تلك الهجمات يحملون جنسيتها.
ويثير هذا القانون المدهش انتقادات واسعة لتعارضه الواضح مع قواعد أساسية في القانون الدولي، وفي مقدمتها الحصانات السيادية للدول، وشخصية المسؤولية القانونية.
فالقانون يخرق هذه القواعد التي تمثل أعمدة أساسية للقانون الدولي، إذ يُهدر مبدأ السيادة وما يقترن به من حصانات يؤدي تجاوزها إلى فوضى في العلاقات الدولية. كما ينتهك قاعدة جوهرية في صلب مفهوم القانون بوجه عام، وهي أن المسؤولية القانونية شخصية، ولا تجوز معاقبة شخص بدلاً من آخر حتى إذا كان أقرب الناس إليه، فما بالنا بالدولة.
وفضلاً عن هذه القضايا القانونية، ثمة مسائل سياسية متعددة يثيرها JASTA.
ومن أهم هذه القضايا كيفية تفسير التحول الجوهري الذي حدث في اتجاه الكونجرس خلال أشهر قليلة من الغضب الشديد ضد الاتفاق مع إيران إلى إصدار قانون يستهدف العرب.
كانت القضية الأكثر سخونة في الكونجرس خلال العام الماضي هي الاتفاق مع إيران، والتنازلات التي قدمتها إدارة أوباما والدول الخمس الأخرى، والمزايا التي حصلت عليها طهران، والآفاق التي باتت مفتوحة أمامها اقتصادياً ونووياً على حد سواء.
وفي عصر صارت فيه كل كلمة مسجلة صوتاً وصورة على موقع «يوتيوب» وغيره، لا بد أن يُدهش من يعود إلى ما قيل في الكونجرس وعلى ألسن غير قليل من أعضائه في منتديات مختلفة عن ضرورة استخدام كل ما يتيسر للمُشرِّع الأميركي من صلاحيات لمنع تنفيذ ما يتضمنه الاتفاق. وبلغ الغضب ببعض هؤلاء الأعضاء أعلى مبلغ، فأسرفوا في التهديد والوعيد. ولكن هذا كله كان كلاماً. أما الفعل فكان في اتجاه آخر تماماً حين تبنى الكونجرس مشروع القانون الذي يستهدف العرب.
ولا يكفي هنا موقف إدارة أوباما، التي أدارت ظهرها للعرب وراهنت على إيران، لتفسير هذا التحول الكبير في اتجاه الكونجرس لسببين. الأول أن عدداً كبيراً من أعضاء الكونجرس رفضوا في البداية توجه الإدارة ناحية إيران، وأدانوا الاتفاق معها. والثاني أن الإدارة رفضت القانون الذي أصدره الكونجرس منذ أن كان مشروعاً لأن التحول في سياستها الشرق أوسطية محكوم بمعادلة مختلفة تماماً عما يمكن أن يؤدي إليه هذا القانون في حالة تنفيذه، فضلاً عن إدراكها أنه قد يفتح الباب أمام مقاضاة الولايات المتحدة على جرائم ارتكبها جنودها في دول أخرى.
صحيح أنه من الصعب إغفال الأثر الذي أحدثه التحول في سياسة إدارة أوباما الشرق أوسطية في المناخ العام الذي يعمل الكونجرس في ظله، ويتأثر به أعضاؤه مثل غيرهم. غير أن تفسير التحول الجوهري في اتجاه الكونجرس قد لا يكتمل بدون البحث في نوع جماعات المصالح التي وقفت وراء مشروع القانون حتى إقراره، لمعرفة هل قامت إيران، أو شركات دعاية استأجرتها، أو مؤسسات اقتصادية موعودة من طهران بمزايا استثمارية أو تجارية، بدور في دعم هذا المشروع، وكيف تسنى لها ذلك -إذا ثبت- في وقت قصير.
والمقصود هنا أنه من الصعب تصور أن يُمرَّر الكونجرس بمجلسيه قانوناً خطيراً على هذا النحو بدون دور لبعض جماعات المصالح الكبرى. فهذه الجماعات تلعب دوراً محورياً في عمل مجلسي النواب والشيوخ. وقد أضفى النظام السياسي الأميركي مشروعية على دورها في التأثير على أعضاء الكونجرس من خلال تكوين تكتلات أو «لوبيات» Lobbies، الأمر الذي جعل عملية التشريع خاضعة في كثير من الأحيان لأصحاب المصالح الأقوى.
ولذلك يلزم أن يعنى المتخصصون بالدراسات الأميركية ببحث التفاصيل المتعلقة بمراحل مناقشة مشروع JASTA حتى إقراره ثم الإصرار عليه، لكي نعرف هل وجدت إيران طريقاً إلى التأثير في الكونجرس، وكيف. أما القانون نفسه ومدى قابليته للتطبيق في ضوء بنوده والظروف المحيطة به، فله حديث آخر بمنهج موضوعي بعيداً عن المبالغات الإعلامية.
وحيد عبدالمجيد
صحيفة الاتحاد