ذهبت إلى سامراء، وتجولت فيها، بدافع الفضول ومعاينة التحولات التي شهدتها المدينة، بعد سنوات من تفجير مرقد الإمامين العسكريين، وأشهر على استعادة أغلب مناطقها وضواحيها من تنظيم «داعش». بدت المدينة شاحبة، أقرب إلى مخيم لاجئين، أقيم وسط العراء، كارثة بصرية في العمران، توتر محسوس في الوجوه.
ما رصدته خلال نهار وليلة قضيتهما في سامراء، أمر فظيع، مليشيات، ضخمتها الكراهية والانتقام، تدوس على مئات السنين من التعايش «السلمي» وتمارس إذلالا «حقيرا» ضد مواطنيها. إذلال، يأخذ تمظهرات عديدة، يبدأ من محاصرتهم بشعارات طائفية، مرورا بالتضييق على مصادر معيشتهم، وانتهاء إلى إشعارهم بأنهم غير مرحب بهم أو أنهم مجتمع مشبوه، تتحتم مراقبته باستمرار. لافتات، صور، شعارات، أعلام طائفية، نشرتها وزرعتها في مداخل المدن وشوارعها، «مليشيات»، بعضها يعمل بغطاء حكومي.
التحرش والاستفزاز الطائفيان، اللذان يطالان مواطني سامراء وضواحيها، لم يقتصرا على مظاهر بصرية، الأمر تجاوز، إلى قيام عناصر من الفصائل المسلحة، بالتعرض إلى عقائدهم. المدينة القديمة، خضعت لسلطة «الميليشيات». المحلات التجارية الملاصقة والقريبة من محيط الحرم العسكري، مغلقة، وخطت على أغلب أبوابها، أسماء لمواكب حسينية.
سوق المدينة «القديمة»، وبعض مساجدها، لم تعد لإصحابها سلطة عليها. بالعنوة والترهيب، لاذوا بالصمت أو هجروا المدينة إلى أخرى. ليس، للحكومة ولا لقواتها سلطة «فعلية»، السلطة الوحيدة، لمليشيات متناحرة، اشتبكت أكثر من مرة فيما بينها، من أجل إبقاء نفوذها وسيطرتها على المناطق التي احتلها «داعش» سابقا، والتعامل مع أهلها «بدونية» ، بزعم ولاءات سابقة لتنظيم «داعش» وقبله حزب البعث. التغيير العميق الذي شهدته سامراء خلال السنوات الماضية، يطيح بمزاعم حكومة العبادي، وقبلها الحكومات السابقة، من مساعيها لإنهاء التوتر الطائفي، وتكريس التعايش السلمي وإعادة الثقة للمجتمع السني، بالعملية السياسية. ما حصل للسنة العراقيين، من إذلال وتخوين واعتقال وظلم وتضييق، بعد 2003 هو أضعاف ما تعرض له الشيعة، من «مظلومية» منذ تأسيس الدولة الوطنية.
كشخص أنتمي إلى عائلة شيعية، أشعر بالخجل و»العار» مما تفعله تلك الميليشيات في سامراء، وصمت الحكومة أو مشاركتها، في تعميق القبح الطائفي ومأسسته والدفاع عنه تحت أغطية بالية ومقولات صدئة عن انتماءات بعثية أو داعشية. ما تفعله بعض الميليشيات في مناطق سنية مستعادة من داعش، «اختلاف في الوجوه واتفاق على القبح». هذا القبح الطائفي، إن استمر سينتقل من فصائل مسلحة وجماعات دينية إلى الشارع، ولن يتوقف، هذه المرة، حتى نعيش في دوامة من الطوفانات الطائفية تقضي على ما تبقى من عراق «المس بيل». شرط إعادة التعايش السلمي، بين المكونات والجماعات في أي دولة متعددة الهويات، إنهاء سوء التفاهم والقبول بفكرة التعدد في الأفكار أو المعتقدات والثقافات وغيرها. في المقابل، يستطيع أي أحمق جعل الأشياء تبدو أكبر وأعقد، بتعبير أينشتاين، وهو بالضبط ما يعمل عليه الطاقم السياسي، وأذرعه المسلحة منذ 2003.
علي الحسيني
صحيفة القدس العربي