تصاعدت حدة التوترات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جانب، وروسيا من جانب آخر، بسبب تفاقم الوضع الإنساني المأساوي في حلب، واستمرار قصف المقاتلات الروسية للمستشفيات، والطواقم الطبية، والمدارس، واستخدام البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية، والأسلحة الكيميائية، ووقوع عشرات الضحايا يوميا معظمهم من النساء والأطفال، ما يشكل تصعيدا كارثيا للنزاع، وفشل اجتماعات “لوزان” في العودة إلى المفاوضات ووقف إطلاق النار، في الوقت الذي تصعد فيه روسيا وقوات نظام بشار وحلفاؤهم من الإيرانيين وحزب الله من العمليات الانتقامية، ويدق الإعلام الروسي “طبول الحرب” ضد الغرب، وتنذر باحتمال “حرب نووية”.
عقوبات جديدة
وتعصد الولايات المتحدة وبريطانيا ضد روسيا، وأعلنتا عن عقوبات جديدة ضد موسكو، وقال وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، ونظيره البريطاني بوريس جونسون، إن بلادهما تدرسان فرض عقوبات اقتصادية على روسيا ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، بسبب الأزمة في حلب.
ووصف “كيري”، ما يحدث في حلب بأنه “أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية”، وأكد أن روسيا تزعم أنها تحارب الإرهاب في سوريا، ولكن 80 إلى 85% من عمليات القصف التي تنفذها تستهدف المعارضة المعتدلة، مضيفا: “لا يمكن خداع أي شخص بذلك”.
الإجراءات الدبلوماسية
وأقر وزير الخارجية الأمريكي بالإحباط من بطء عمليات التفاوض بينما يتعرض الكثير من الناس للقتل، ولكنه قال: “نتبع المسار الدبلوماسي لأنه هو الوسيلة التي نملكها”، أما وزير الخارجية البريطاني فقال: “نتحدى الروس بأن يفعلوا الشيء الصحيح من أجل الإنسانية”، مضيفا أن العقوبات والإجراءات الدبلوماسية الأخرى ستستهدف “المعتدين”.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية بريطانيا وأمريكا، بعد اجتماع موسع في لندن شمل أيضا فرنسا وألمانيا والمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر وتركيا والأردن والاتحاد الأوروبي، وفقا لما أعلنته وزارة الخارجية البريطانية.
كما صعّد الاتحاد الأوروبي لهجته ضد روسيا، ووصف ما يحدث في حلب بأنه مأساوي، وأدان بشدة روسيا لتسببها في “معاناة لا توصف”، من خلال حملة القصف التي تشنها على مدينة حلب السورية، مؤكدا أن الغارات الجوية التي تشنها موسكو ودمشق قد تصل إلى مستوى “جرائم الحرب”.
الاستهداف المتعمد للمستشفيات
وأضاف وزراء خارجية الاتحاد، في بيان عقب محادثات في لوكسمبورغ، “منذ أن بدأ النظام وحلفاؤه وخاصة روسيا الهجوم أصبح من الواضح أن حجم وكثافة القصف الجوي على شرق حلب مفرط”.
وأوضح وزراء الخارجية، أن الاستهداف المتعمد للمستشفيات والطواقم الطبية والمدارس والبنى التحتية الأساسية إضافة إلى استخدام البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية والأسلحة الكيميائية يشكل تصعيدا كارثيا للنزاع وقد يصل إلى جرائم حرب”، وقال البيان إنهم سيمضون قدما في توسيع العقوبات ضد النظام السوري، إلا أنهم لم يهددوا بفرض إجراءات ضد روسيا على خلفية النزاع السوري.
جرائم الحرب
وتعد هذه المرة الأولى يتهم الاتحاد الأوروبي روسيا بارتكاب “جرائم حرب”، وفي حال متابعة هذه الاتهامات فقد يتم رفع القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وأشار البيان إلى أن الاتحاد الأوروبي “مقتنع بأن الوضع في سوريا يجب إحالته للمحكمة الجنائية الدولية ويجدد دعوته إلى مجلس الأمن الدولي إلى التحرك بهذا الشأن”.
الجنائية الدولية
والمحكمة الجنائية الدولية، هي أول محكمة مستقلة ودائمة قادرة على التحقيق ومحاكمة أولئك الأشخاص الذين ارتكبوا أشد الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي، وتضم هذه الانتهاكات جرائم الحرب، وجرائم ضد البشرية والإبادة الجماعية، ولقد تم تبني نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية في 17 يوليو/ تموز 2008، والتي تم بموجبها تأسيس المحكمة.
وأصبح النظام ساري المفعول بعد إقرار التصديق رقم 60 في 11 أبريل/ نيسان 2002، والذي مهد لدخول النظام حيز التنفيذ في 1 يوليو 2002، ومنذ ذلك الحين انتخب قضاة المحكمة الـ18 والنائب العام، وغيرهم من كبار المسؤولين وباشرت المحكمة عملها منذ ذلك الوقت.
الإبادة الجماعية
وتملك المحكمة الجنائية الدولية، التي تتخذ من هولندا مقرًا لها، اختصاصًا قضائيًا لملاحقة الأشخاص لارتكابهم أفظع الجرائم، كالإبادة الجماعية، وجرائم الحرب وجرائم ضد البشرية، وصلاحية المحكمة واختصاصها القضائي ويقتصر على تلك الجرائم التي تم ارتكابها بعد 1 يوليو 2002 في مناطق الدول الأعضاء في نظام روما أو مواطني تلك الدول في أي مكان آخر.
ويعتبر الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية بمثابة اختصاص تكميلي للمحاكم المحلية، ما يعني أن المحكمة الجنائية الدولية لن تتخذ أي إجراء إلا إذا كانت الدول الأعضاء غير قادرة أو لا ترغب في اتخاذ ذلك الإجراء أو مباشرة التحقيق أو مقاضاة مرتكبي الجرائم.
الإعلان الروسي المفاجئ
بعد قليل من إعلان بيان الاتحاد الأوروبي، أضافت وزارة الدفاع الروسية، أن القوات المسلحة الروسية والسورية ستوقفان هجماتها على مدينة حلب السورية لمدة 8 ساعات الخميس، ليتمكن المدنيون والمعارضون المسلحون من مغادرة المدينة، وقال سيرجي رودسكوي المسؤول بالوزارة “يوم 20 أكتوبر من الساعة 0800 (0500 بتوقيت جرينتش) وحتى الساعة 1600 ستُنفذ هدنة إنسانية في منطقة حلب، خلال هذه الفترة ستوقف القوات الجوية الروسية والقوات الحكومية السورية الغارات الجوية وإطلاق النار من أسلحة أخرى”.
وقف إطلاق النار
وكالات الإغاثة الانسانية، أكدت أن الحاجة ماسة إلى وقف إطلاق النار 72 ساعة للسماح بدخول المساعدات، وخروج المدنيون من المناطق المدمرة، شرق المدينة، الذي يعيش فيه 275 ألف شخص خاضعون لسيطرة المعارضة، وحصار القوات الحكومية، هذا في الوقت الذي حققت فيه المعارضة المسلحة شمال حلب، مدعومة بالغارات التركية، انتصارات على مسلحي تنظيم الدولة، وقالت تركيا إن بلدة دابق، التي تبعد نحو 10 كيلومترات عن الحدود التركية، أصبحت تحت “سيطرة تامة” للمعارضة المسلحة، التي تدعمها أنقرة.
حرب عالمية
وصعدت روسيا من دورها العسكري في سوريا، وتجري مناورات عسكرية مع مصر، وزادت من عدد قواتها في سوريا لحماية آخر موطئ قدم لها في الشرق الأوسط بعد تدني علاقاتها مع الدول الغربية إلى الحضيض، وصعد الإعلام الروسي هجومه على الولايات المتحدة والدول الغربية، ففي برنامجه الرئيسي “أخبار اليوم”، أطلق المذيع الرئيسي للأنباء الحكومية الشهير “دميتري كيسيليوف”، تحذيرًا بشأن حرب عالمية.
رؤية كارثية
وقال دميتري كيسيليوف، طبقا لحواره مع”سي إن إن”، إن التصرف الفظ تجاه روسيا قد تكون له أبعاد نووية، وهذه رؤية كارثية، ويرى الجنرال يفغيني بوجينسكي، أن تحارب روسيا سيطرة الولايات المتحدة على العالم، هذا هو السبب، ولا يتعلق الأمر فقط بسوريا أو أوكرانيا، ففي أوكرانيا كان هناك انقلاب مدعوم من الولايات المتحدة، ولدينا رؤية مختلفة لما يجري في العالم، مضيفا “إنها مجرد لمحات من معركة أكثر شمولية”، وتابع “أنها معركة ضد سيطرة الولايات المتحدة.”
معركة لضمان المصالح
وأوضح الجنرال يفغيني بوجينسكي، “إنها معركة لضمان المصالح الروسية في سوريا، لحماية موطئ القدم الأخير للتأثير في الشرق الأوسط، وأن الوضع في أوكرانيا كانت لتجنب شكل آخر من الدولة السوفيتية، إنها استراتيجية كما يقولون، تضع روسيا والغرب في مسار تصادمي”.
إعادة تشكيل العالم
أكد فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير Russia in Global Affairs، “أنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبح الغرب قادرا على إعادة تشكيل العالم بحسب الأفكار التي يراها الغرب صحيحة وصائبة. ونرى الآن أن هناك محاولة للاعتقاد بإمكانية استعادة أو تمديد هذه التدابير، تدابير ما بعد الحرب الباردة. وهذا لن يحصل للأسف”، مضيفا “أما ما سيحل محلها، قد لا يعجب كل الأطراف”.
تصعيد العقوبات
واتخذت بريطانيا خطوات في تجاه تصعيد العقوبات ضد روسيا، حيث قامت بتجمد الحسابات البنكية لقناة “روسيا اليوم”، وقالت القناة، إن البنك البريطاني “نات وست” جمد الحسابات البنكية الخاصة بها.
وقناة “روسيا اليوم” تابعة للحكومة الروسية، وقالت رئيسة تحريرها، مارغريتا سيمونيان، “لقد أغلقوا حساباتنا في بريطانيا. جميع حساباتنا”، وأضافت رئيسة تحرير القناة “القرار غير قابل للمراجعة، فلتحيا حرية التعبير!”.
هيئة تنظيم البث
ونوّهت “روسيا اليوم” بأن البنك لم يقدم تفسيرا لقراره، مضيفة أن مجموعة البنك الملكي لاسكتلندا التي ينضوي تحتها بنك “نات وست”، ترفض تقديم خدمات بنكية للقناة، وتعرضت قناة روسيا اليوم التي تتبع الكرملين في السابق لعقوبات من طرف هيئة تنظيم البث الإذاعي والتليفزيوني “أوف كوم” في بريطانيا بعدما خلصت إلى أن القناة لا تلتزم بالحياد في تغطيتها الإخبارية.
الانحياز الإعلامي
ورأت هيئة “أوف كوم”، أنه من ضمن مظاهر الانحياز الإعلامي لقناة “روسيا اليوم” زعمها أن “بي بي سي” في تغطيتها الإخبارية للشأن السوري هي التي “فبركت” هجوما بالأسلحة الكيميائية، وكسبت “بي بي سي” القضية القانونية ضد قناة “روسيا اليوم” بعدما قدمت شكوى لـ”أوف كوم”، قائلة إن هذه المزاعم التي وردت في إحدى برامج القناة بعنوان “طلب الحقيقة” خاطئة وتنتهك التزاماتها بمراعاة الدقة والحياد في تغطيتها، وقضت هيئة “أوف كوم” بأن عناصر في البرنامج تتصف بأنها “مضللة إلى حد بعيد”.
وتأتي خطوة بنك “نات وست” بعد يوم من تحذير بريطانيا والولايات المتحدة الحكومتين السورية والروسية بأن عقوبات اقتصادية جديدة يمكن أن تفرض عليهما إذا استمر قصف حلب.
عبداللطيف التريكي
التقرير