لم تخل معركة استعادة مدينة الموصل العراقية من مظاهر طائفية، جاءت صدى للأجواء السائدة بالعراق ككل حيث يسجل المعطى الطائفي والعرقي حضوره البارز في مختلف المجالات لا سيما المجال السياسي في بلد يقوم نظام الحكم فيه على المحاصصة وتتولى الأحزاب الدينية الشيعية مراكز القيادة في أبرز مؤسساته.
ويزيد التدخل الإقليمي، وتحديدا الإيراني والتركي، من إضفاء طابع طائفي على المعركة الجارية بالموصل، بشكل يؤثر سلبا على وحدة المجتمع العراقي في مرحلة ما بعد هذه المعركة.
وفيما تلقي إيران بثقلها وراء الحكومة العراقية الموالية لها، وخلف ميليشيات الحشد الشعبي التي يصفها البعض بالجيش الإيراني الرديف على الأرض العراقية، تضع تركيا، في المقابل، تدخّلها بمعركة الموصل تحت عنوان حماية “أشقائنا العرب السنة والتركمان” مثلما ورد الأربعاء على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وواجهت مشاركة تركيا في معركة الموصل معارضة شديدة من قبل الحكومة العراقية وبشكل أساسي من قبل الشخصيات والأحزاب الشيعية، بينما جوبهت مساعي قادة الحشد الشعبي المكون من ميليشيات شيعية من أجل الزج بميليشياتهم في المعركة ذاتها باعتراض شديد من قبل السكان السنة لمحافظة نينوى وقوى وشخصيات سياسية سنية التقت مواقفها مع مواقف دول إقليمية أبدت مخاوفها من الدور السلبي للحشد في مزيد تطييف المعركة ومن ممارسة مقاتليه أعمالا انتقامية ضدّ سكان الموصل على غرار ما فعلوه بسكان مناطق أخرى.
وباعتبار الحشد قوّة عسكرية كبيرة تحظى بدعم سياسي وحتى ديني كبيرين، فقد تمّ اللجوء إلى إجراء توافقات وعقد صفقات مع قادته بهدف إسناد مشاركة له في معركة الموصل، دون إثارة المزيد من مخاوف السكان المحليين ومن غضب أطراف رئيسية أخرى مشاركة في المعركة.
واقتضت التوافقات أنّ يظل الحشد في الخطوط الخلفية وأن يقوم بدور الإسناد للقوات النظامية دون أن يدخل المدينة ويشارك في السيطرة الميدانية عليها، لكنّ شكوكا كبيرة حامت حول الالتفاف على تلك التوافقات عبر إقحام فصائل من الحشد الشعبي في قلب المعركة مموهة بأزياء الجيش والشرطة.
أهازيج وهتافات بأسماء شخصيات ورموز شيعية عند إطلاق القذائف والصواريخ على مواقع تنظيم داعش ومقاتليه
وضاعف من تلك الشكوك الظهور الكثيف للرايات الشيعية على آليات الجيش الزاحف نحو الموصل المفترض نظريا أن له انتماء وطنيا للعراق بمختلف أعراقه وطوائفه، فضلا عن الأهازيج والهتافات وحتى الصراخ بأسماء ورموز شيعية عند إطلاق القذائف والصواريخ على مواقع تنظيم داعش ومقاتليه.
وتسببت قضية الرايات في أول إشكال يستجد على جبهات الموصل بين القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية المشاركة بفعالية في المعركة والتي أوقفت قواة تابعة للحكومة المركزية ببغداد ومنعتها من العبور إلى جبهة بعشيقة شمال شرقي الموصل بسبب رفعها تلك الرايات.
وقال مراسل وكالة الأناضول إن قوات البيشمركة اشترطت على القوة العراقية إزالة الأعلام والرايات الشيعية التي ترفعها على مدرعاتها للسماح لها بالعبور إلى بعشيقة، وأضاف أن القوة الحكومية لم تتمكن من العبور إلاّ بعد إزالة جميع الأعلام.
وفي مقابل إسناد المهمة الرئيسية في معركة الموصل للقوات النظامية العراقية، تم “التعويض” لميليشيات الحشد الشعبي بالسماح لها بالقيام بدور قيادي في معركة قضاء الحويجة من محافظة كركوك على بعد حوالي مئة كيلومتر من الموصل.
وهدف قرار توجيه قوات الحشد إلى الحويجة بعيدا عن الموصل إلى تخفيف العداء الطائفي خلال القتال من أجل إنجاز المرحلة النهائية من الحرب ضدّ داعش في العراق.
ووحدات الحشد الشعبي المؤلفة من مجموعات من المقاتلين الشيعة رغم منحها حكومة بغداد وضعا رسميا بإعلانها خاضعة لإمرة القائد الأعلى للقوات المسلّحة، إلاّ أنّها تظل موضع اتهام من قبل الأمم المتحدة وآخرين بتنفيذ جرائم قتل وخطف في بعض المناطق التي شاركت في استعادتها من تنظيم داعش.
وكثيرا ما يثير وجود الحشد على خط الجبهة استياء المدنيين في المناطق ذات الأغلبية السنية وهو السبب الرئيسي وراء إبعاده عن معركة الموصل.
وتستند مثل تلك المخاوف لتجارب سابقة وانتهاكات كثيرة مارستها الميليشيات الشيعية ضدّ سكان مناطق سنية عراقية. وقالت منظمة الأمم المتحدة في يوليو الماضي إن لديها قائمة بأسماء أكثر من 640 من الرجال والصبية السنّة اعتقلهم مقاتلون شيعة أثناء معركة الفلوجة في محافظة الأنبار، إضافة إلى قوائم بالعشرات من الأشخاص الذين أعدموا أو عذّبوا حتى الموت.
وتثير مثل هذه السلوكات للحشد الشعبي فزع شرائح واسعة من العراقيين، ولكن المشكلة تبدو أعمق في نظر قادة رأي ونشطاء سياسيين عراقيين لا ينفكّون يحذّرون من إمكانية دمج الحشد ضمن القوات النظامية العراقية كأحد الحلول للالتفاف على الدعوات إلى حل هذا الهيكل بعد انتفاء مبرّر وجوده مع انتهاء الحرب ضد داعش التي تبدو وقد بلغت مرحلتها النهائية مع انطلاق معركة الموصل.
وبحسب هؤلاء فإن محاذير تحوّل الجيش العراقي إلى جيش طائفي بدأت تتجسّد بالفعل مع رفع القوات العراقية الزاحفة باتجاه الموصل لرايات الشيعة وشعاراتهم.
صحيفة العرب اللندنية