يأتي تحرير الموصل الذي تقوم به القوات العراقية والقوات المتجحفلة معها، بقيادة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، بناء على ضرورة تاريخية، فرضتها الظروف الصعبة التي تمرّ بها هذه المدينة والمحافظة، علماً بأنّها تعيش في قبضة داعش مع سكانها منذ قرابة عامين ونصف العام.. وأن الظروف الآن نضجت لتتم عملية تحريرها من “داعش” وإنهاء وجوده. ولكن، ما يهمنا أساساً:
أولاً، الحفاظ على مصير الناس في الداخل، وهم يعيشون في قبضة الأعداء، ويتجاوز عددهم مليوناً ونصف المليون من البشر، في حين بلغ عدد المهاجرين والنازحين أكثر من مليون.
ثانياً، ما الذي ستتمخّض عنه هذه الحرب في المراحل الأولى؟ ومن ثمّ البدء بالطور الانتقالي لها، وذلك لضبط أوضاعها الأمنية والعسكرية والإدارية.
ثالثاً، ما الخطوات التي يمكن اتخاذها في مرحلة ما بعد “داعش”؟ خصوصاً من الناحيتين، الأمنية والسياسية، وترتيب وضعها الإداري بالحفاظ على وجودها في الداخل.
رابعاً، تسهيلات عودة النازحين وإعادة فتح المؤسسات والمدارس والجامعات والدوائر إلى الحياة، ناهيكم عن الإصلاح وإرجاع الممتلكات إلى أصحابها، ومسألة التعويضات للمتضرّرين، والطلب من المجتمع الدولي المساهمة بإعمار ما خرّبته الحرب، وما تدمّر في المدينة، والمحافظة منذ العام 2014 وحتى التحرير.
خامساً، لعل أهم عنصر من عناصر استقرار البلد ورجوعه إلى طبيعته يتمثل باستعادة روح التعايش، ليس بين الناس وحسب، بل مزاولة نزعة الاحترام بين مركزية بغداد والمحافظة، بعيدا عن إيجاد الحساسيات والمشكلات والتهميش والإقصاء. الموصل ومحافظة نينوى تطالب بأن تمنح خياراتها في الحياة، وأن تكون عراقية، واعتبارها جزءاً غالياً من الوطن. وعلى أهلها في الداخل والخارج البدء بصفحةٍ جديدةٍ من التعاون والعمل على ما دمره “داعش”، وإيجاد روح الألفة والمحبة بين الناس، فضلا عن إعادة التفكير في كلّ ما أنتجه الإسلام المتشدّد.
وعليه، ينبغي وضع أسس وخطوات رئيسية وجوهرية، في أن تكون الموصل عراقية إلى الأبد، لكنها منفتحة على كل العراقيين والعالم، وقد تخلّصت من الإرهاب، بعد أن مرّت بأقسى تجربة في تاريخها، وستترتب على ذلك جملة من الحقوق التي لا يريد أحد أن تضيع، إذ يكفي ما أصاب الناس من إحباط وقهر وسبي وآلام وقطيعة واستلابات ورعب وفقدان لعناصر الحياة الكريمة والأساسية، ومن أبرزها غلق المدارس والجامعات والدوائر والمؤسسات.. تريد الموصل التعايش والسلام، لكي تبدأ حياتها في العمل من جديد، وبناء ما دمره “داعش” ببطشها، وما نتج من خرابٍ في هذه الحرب. سوف لا تستعيد الموصل وتوابعها في عموم نينوى حياتها الطبيعية، إن لم تتخلص من “داعش” وآثاره خلاصاً نهائياً، ناهيكم عن تمتع أهلها بالاحترام، وتأدية دورهم الوطني وشعورهم بالمساواة مع بني شعبهم العراقي، فإن لم يحصل ذلك، لسبب أو آخر، فللموصل خياراتٌ من نوع آخر.
كم هي ضرورة مناقشة المجالات التي من شأنها مساعدة الموصل ونينوى، في محنتها وحالة الخروج من هذه المحنة. بجعل الموصل/ نينوى في حيّز المعاش، وإرسال رسالة تحمل الأفكار والرؤى الجديدة في الحفاظ على وحدتها، وإيجاد الفرص الهادئة بين مختلف ألوان
الطيف مع إقرار مرحلة نقاهة، بعد إزالة هذا الكابوس عن صدور الناس الذين عانوا طويلاً، وإطلاق طاقات التواصل الحديثة، بعد رجوع الآلاف المؤلفة من النازحين والمهجرين، وتطوّير الأوضاع الخدمية، وإعمار ما هدمه داعش، أو ما تخرّب بتأثير الحرب، فضلا عن عدم المسّ بالمعطيات الديموغرافيّة من جهة أخرى، فلا يمكن أبداً إنجاح أية حملة لتغيير التركيبة السكانية الديمغرافية في أي شبر من أرض المحافظة.. وأن يشعر المجتمع بمضامين الوحدة الوطنية في حياته اليوميّة، وأن يشارك الناس في كل مكان بصياغتها وبمشاركة حقيقيّة وفاعلة.
لا يمكن أن تدوم أية عمليات عسكرية إن لم تكن واضحة الغايات، وسيكون “التحرير” خطوة أولى لبعض الحكماء الذين يسعون إلى بلورة أفكار تأسيسّية وجامعة، ربما ستأخذ شكل سياسات، ومشروعات يمكن تطبيقها بعد انتهاء عمليات التحرير. تتطلب عودة الموصل إلى حضنها العراقي الوطني وجود خريطة طريقٍ طويلة الأمد، لتجسيد معالم فكريّة جليّة، تعاش على كلّ مستويات حياة الموصل الداخليّة.
وأخيراً، لا بدّ من إرسال رسالة، تحمل الأفكار والرؤى الجديدة في الحفاظ على وحدة الموصل، وأن ينشد الجميع وحدة الكلمة، بعيداً عن الانقسامات والاختلافات والصراعات، خصوصا من السياسيين في الموصل ومن يمثّل المحافظة في مجلس النواب، وفسح المجال لكي يقول أبناء الموصل كلمتهم الحرّة، وإيجاد الفرص الهادئة بين مختلف ألوان الطيف، مع إقرار مرحلة نقاهة بعد إزالة هذا الكابوس عن صدور الناس الذين عانوا طويلاً ، وإطلاق طاقات التواصل الحديثة، بعد رجوع الآلاف المؤلفة من النازحين والمهجّرين، وتطوير الأوضاع الخدمية، وإعمار ما هدمه “داعش”، أو ما تخرّب بتأثير الحرب، فضلا عن عدم المسّ بالمعطيات الديموغرافيّة، فلا يمكن أبداً إنجاح أية حملة لتغيير التركيبة السكانية الديمغرافية في أيّ شبرٍ من أرض المحافظة .. وحاجة الشعب إلى مضامين الوحدة الوطنية في حياته اليوميّة، وأن يشارك الناس في كلّ مكان بصياغتها وبمشاركة حقيقيّة وفاعلة. ستكون هذه الرؤية، في حال نجاح تجربة الموصل بعد المحنة، مثلاً حقيقياً أو نموذجاً يحتذي به كلّ أبناء العراق مستقبلاً. وأرى أن جملة تحوّلات تاريخية ستعقب تحرير الموصل، لا تقتصر على العراق وحسب، بل على غيره في المنطقة.