مع دخول حرب اليمن شهرها العشرين، تصاعد القتال إلى أبعد من حدود البلاد، من خلال قيام المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران بإطلاق ما يبدو أنها صواريخ موجهة إيرانية مضادة للسفن، وذلك على الأساطيل الأجنبية العاملة في مضيق باب المندب. فسفينة التموين المدعوة “سويفت” التي تحمل راية أمريكية وتعمل بقيادة إماراتية تعرضت للقصف في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، بينما تعرضت سفن البحرية الأمريكية في الأيام اللاحقة لهجمات باءت بالفشل. وردّت القوات الأمريكية بضرب معاقل الحوثيين على الساحل اليمني ودمرّت ثلاثة رادارات مراقبة من نوع غير مُعلن استُخدمت خلال الهجمات الصاروخية وفقاً لبعض التقارير.
وفي حين أن مصادر الجيش الأمريكي لم تؤكّد بعد نوع الأسلحة التي أطلقت على سفنه، إلا أن “المشتبه به” الرئيسي هو “نور سي-802″، الذي هو عبارة عن نظام صواريخ جوالة قيل إنّ إيران زوّدته إلى عملائها الحوثيين المعادين لأمريكا عادة. ولكن ثمة احتمالان آخران لا يمكن استبعادهما بعد. الأول هو “سي-801” الذي هو صاروخ موجه ذو طراز أقدم موجود في ترسانة البحرية اليمنية والذي يمكن أن يكون قد وقع في أيدي المتمردين نظراً لتحالف الحوثيين مع عناصر سابقة من القوات المسلحة في البلاد واستيلائهم على مساحة كبيرة من الأراضي. أما الاحتمال الثاني فهو نسخة معدّلة من صاروخ أرض-جو من نوع “أس-75” (“أس أي-2”). ومنذ عام 2015، تعرضت معظم منظومات الرادار والدفاع الجوي اليمنية لضربات التحالف الذي تقوده السعودية وأصبحت عديمة النفع، بسبب مخاوف من أن يتم استخدامها من قبل الحوثيين أو حلفائهم. ولكن [المجموعة الاستشارية لإدارة الأعمال] “أي إتش أس جاينز” أفادت في شهر كانون الثاني/يناير أن القوات المناهضة للحكومة اليمنية قامت بتعديل على الأقل بضعة صواريخ من نوع “أس-75” لضرب أهداف أرضية من نطاقات بعيدة. ولذلك من المحتمل من الناحية النظرية أن تكون هذه الصواريخ قد استُخدمت في الهجمات الأخيرة على السفن.
وعلى أي حال، لا يُخفى أن الصواريخ الحوثية المضادة للسفن تشكل خطراً حقيقياً على النقل البحري الدولي. وبينما يُحتمل أن تكون إيران قد أرسلت صواريخ “سي-802” إلى المتمردين قبل بدء الحرب الراهنة في عام 2015، إلا أن ذلك لا يمنعها من الاستمرار في مساعدة الحوثيين على تحسين تكتيكاتهم وتجهيزاتهم وفعالية الاستهداف [في محاربتهم للتحالف] من خلال تزويدهم بالنظم والخبرات الأخرى. ويقيناً أن هذه العمليات لنقل الأسلحة قد تكون مهمة صعبة في ظل الظروف الراهنة – فخلافاً لما يجري مع الميليشيات الأخرى في المنطقة مثل «حزب الله»، لا تملك إيران حالياً خطوط إمداد معروفة ومباشرة للحوثيين، بينما أفادت بعض التقارير أن التحالف صادر عدة سفن شراعية تحمل شحنات متفرقة من صواريخ “كورنيت” المضادة للدبابات وغيرها من الأسلحة التي كانت متوجهة إلى المتمردين. ولعل قناة السويس وشمال شرق أفريقيا يوفّران ممراً عملياً للإمدادات وإن كان لا يزال حافلاً بالمشاكل. لكن خلافاً للوضع في سوريا، لم تعد إيران قادرة أيضاً على تموين الحوثيين جواً. ففي نيسان/أبريل 2015، منعت المقاتلات السعودية طائرة إيرانية محمّلة بالركاب والشحنات من الهبوط في مطار صنعاء، ومنذ ذلك الحين لم يعد يُسمح لأي طائرة إيرانية بالهبوط في المواقع التي يسيطر عليها الحوثيون.
بالإضافة إلى ذلك، إنّ نقل أنظمة صواريخ فعالة مضادة للسفن يستلزم عادةً سفينة شحن ذو حجمٍ ملائم، وإن كان ذلك فقط من أجل إخفاء الأسلحة غير المشروعة بشكل أفضل. ففي آذار/مارس 2011، على سبيل المثال، استولت القوات الإسرائيلية في البحر المتوسط على سفينة “فيكتوريا” التي تزن 17 ألف طن وشملت حمولتها ستة صواريخ مضادة للسفن من نوع “نصر سي-704” بالإضافة إلى قاذفتين واثنين من الرادارات البحرية البريطانية الصنع المزودة كاملة بحوامل هيدروليكية. وكان من المزمع إنزال الصواريخ الإيرانية في مدينة الإسكندرية في مصر ليتم نقلها براً عبر شبه جزيرة سيناء، وتسليمها في النهاية إلى حركة «حماس» في قطاع غزة. ويشار إلى أن صاروخ “نصر” مزود برأس حربي زنة 130 كلغ، وهو أصغر من صاروخ “سي-802” ولكن من السهل نقله وتشغيله وربما أيضاً أكثر فعالية كما يُقال. فمداه الذي يصل إلى حوالي 35 كلم يتيح إغراق سفينة زنتها 1000 طن وفقاً لبعض التقارير، علماً إن هذا المدى الطويل يمكّن الصاروخ من بلوغ كافة أنحاء مضيق باب المندب تقريباً. ويذكر أن صاروخ “ظفر” الإيراني المضاد للسفن يملك مواصفات مماثلة، في حين أن مجموعة “نصر” تشمل أيضاً نسخة موجهة كهربائياً بالألياف البصرية ومسماة “نصر بصير”.
وبالاضافة إلى صواريخ “نصر” والصواريخ المتفرعة عن طراز “سي-802” (على سبيل المثال، نور، غادر، والغدر، التي يتراوح مداها كما يُدّعى 120، 200، و 300 كيلومتراً، على التوالي)، تملك إيران صواريخ من فئة “كوسار” موجهة رادارياً وكهربائياً بالألياف البصرية، وهي أخف وذات مدى أقصر من الأولى حيث يتراوح مداها بين 15 و25 كلم. ومن الممكن أن يكون التصدي للأسلحة الموجهة كهربائياً بالألياف البصرية أكثر صعوبة من سواها، وإذا ما تم استعمالها في الحرب اليمنية يمكن إطلاقها ضد السفن الأمريكية بإنذار بسيط إن كان هناك أي إنذار لذلك أصلاً.
احتدام لغة الخطاب
حتى مع تعرّض السفن الأمريكية للاستهداف في باب المندب، لم تتوقف إيران عن تصعيد لهجتها الخطابية المناهضة للدور الأمريكي في اليمن. ففي العاشر من تشرين الأول/أكتوبر، اتهم أحد كبار القادة في «الحرس الثوري الإسلامي» العميد أمير علي حاجي زادة، الولايات المتحدة بإدارة دفة الحرب واصفاً إياها بالمؤامرة العبرية-العربية-الغربية لتدمير الشعب اليمني. وقد ردد هذا الموقف بعد ثلاثة أيام المتشدد الذي يتمتع بنفوذ قوي أحمد خاتمي خلال صلاة الجمعة في طهران، والتي لطالما كانت منفذاً بحكم الأمر الواقع للتعبير عن موقف السياسة الخارجية الإيرانية.
وفي الوقت نفسه، وفي الخامس من تشرين الأول/أكتوبر أرسلت البحرية الإيرانية القوة 44 لمكافحة القرصنة التابعة لها إلى خليج عدن حيث ستعمل أيضاً على مراقبة الأنشطة البحرية التي يمارسها الغرب والتحالف. وتملك هذه القوة سفينة “الوند” (71) الحربية من فئة “فوسبر” المزودة بصواريخ “نور” المضادة للسفن.
ومن جهتها، أرسلت البحرية الأمريكية قوتها الخاصة إلى باب المندب في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر، وذلك مباشرةً في أعقاب الضربة على سفينة “سويفت”. ويجدر بالذكر أن الضربات الصاروخية على السفن الأمريكية لم تبدأ إلا بعد الغارة الجوية السعودية القاتلة التي استهدفت مأتماً في صنعاء بعد ذلك بخمسة أيام، الأمر الذي أسفر عن مقتل وإصابة المئات من الناس، من بينهم قادة حوثيين رفيعي المستوى كما أفادت بعض التقارير. ويوحي توقيت الهجمات الصاروخية الأولى بأنها كانت ضربات انتقامية ضد الأهداف الأعلى قيمة الماثلة أمامها، والتي صادف كونها السفن الأمريكية (مع الإشارة إلى أن الحوثيين أطلقوا أيضاً صواريخ “سكود” باتجاه مدينة الطائف السعودية في الليلة ذاتها).
ومع ذلك، فإن واقع استمرار الهجمات الصاروخية طيلة الأيام التي أعقبت الحادثة كما أفادت بعض التقارير، قد يشير إلى أن الحوثيين يسعون إلى تحقيق أهداف تكتيكية عبر الاعتداء على السفن الحربية الأمريكية. ففي 13 تشرين الأول/أكتوبر، نشرت “وكالة أنباء فارس” الإيرانية خبراً مفاده أن زعيم المتمردين عبد الملك الحوثي زعم أن الضربات المضادة الأمريكية على مواقع الرادارات الجوالة اليمنية هي طريقة واشنطن “لتمهيد الطريق للاعتداءٍ على ميناء الحديدة”، ثاني أكبر معقل للحوثيين في اليمن. ووفقاً لبعض التقارير دعا إلى “مقاومة هذا الاعتداء الشرس باستخدام جميع الوسائل الممكنة”. يشار إلى أن هذا المرفأ الخاضع لسيطرة الحوثيين شكّل مقصداً رئيسياً للسفن المحمّلة بالإمدادات للمتمردين، مما دفع القوات الجوية السعودية إلى قصفه في آب/أغسطس المنصرم. كما وأن أي محاولة يبذلها التحالف لتقليص الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى النصف قد يتطلب هجوماً برمائياً ناجحاً على الحديدة، لذا فإن زعماء المتمردين يدركون تماماً أهمية هذه المدينة.
وفي المقابل، بغض النظر عن الجهة المسؤولة عن الهجمات الصاروخية، فهذه كانت من الممكن أن تكون قد حاولت التسبب بحالة مشابهة لـ “عواقب حادثة ستارك”، أي سخطاً عالي المستوى مماثلاً للهجوم الصاروخي الذي ضرب السفينة الحربية “يو أس أس ستارك” عام 1987 وجرّ الولايات المتحدة بصورة أكثر إلى حرب الخليج الأولى. ورغم أنه من غير الواضح ما تأمل هذه الجهة تحقيقه من هذه الحصيلة، يجب عدم استبعاد هذا الاحتمال بعد.
التهديدات المستقبلية المحتملة
يمكن القول إن ما هو أخطر من الضربات الصاروخية المتفرقة هو إمكانية تفخيخ طرق الملاحة الساحلية والدولية بشكل محدود، وهذا أمر يستطيع الحوثيون إنجازه دون مساعدة مباشرة من إيران. وهنا، تستطيع سفينة الدعم المضادة للألغام “يو أس أس بونس” وغيرها من وسائل الدعم المتوفرة أن تسهم في إخلاء مضيق باب المندب في ظل تلك الظروف، ولكن مثل هذه الخطوة قد لا تزال تسبب عرقلة للملاحة في المنطقة وحولها لعدة أسابيع. وقد تخلّف كذلك تأثيرات نفسية متفاوتة على الأسواق العالمية.
وفي ضوء هذه التهديدات الراهنة والمحتملة، يجب على الولايات المتحدة أن تبيّن للفصائل الثورية في غرب اليمن أن أي تصعيد في المضيق لن يكون مقبولاً وسوف يلقى ردّاً قوياً ربما يتعدى قوة الضربات الأخيرة على الرادارات. وفي الوقت نفسه، يجب على واشنطن والمجتمع الدولي إقناع الأطراف المتحاربة بالاتفاق على وقف إطلاق نار دائم، لأن أي تدخل إضافي من قبل الولايات المتحدة سوف يزيد من تعقيد الحرب التي لا تبدو نهايتها قريبة.
فرزين نديمي
معهد واشنطن