تنتشر مؤسسات «حزب الله» الإجرامية في الوقت الحالي – بعضها رسمي والبعض الآخر غير رسمي – في جميع أنحاء العالم، بدءاً من الإتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة في البلقان، وإلى توفير جوازات السفر المزورة في جنوب غرب آسيا، مروراً بالإتجار بالسلع المسروقة وغسل أموال التبادل التجاري في أمريكا الجنوبية، وتشغيل منظمات الواجهة التجارية وابتزاز الدعم المالي في أفريقيا. ويعتقد مسؤولون أمريكيون أنّ “جزءاً كبيراً” من العائدات التي تجمعها المنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط بشكل عام يأتي مما يتراوح بين 20 و30 مليون دولار، تنتجها سنوياً صناعة الاحتيال غير المشروعة في الولايات المتحدة وحدها. ويُعتقد أنّ جزءاً صغيراً من هذه الأموال، إن وجد، يتم إدارتها، في إطار تنازلي في أي شكل من أشكال هيكل القيادة والسيطرة، من قبل قادة «حزب الله». ولكن في كثير من الأحيان، إذا اتبع المرء الخيوط الهشة لتحقيق جنائي مرتبط بـ «حزب الله»، تظهر صلات مع شخص واحد على الأقل من مسؤولي الحزب الرسميين الرفيعي المستوى في كثير من الأحيان، بمن فيهم أشخاص تلقوا تدريباً عسكرياً من «حزب الله» أو يعملون في الشتات، وكل واحد منهم يعمل كممثل محلي لكبار مسؤولي الحزب، مثل الأمين العام حسن نصر الله. وفي بعض الأحيان، تكشف القضية عن تورط أحد قياديي «حزب الله» أيضاً. وفي عام 2009، كشفت “مصلحة تنفيذ قوانين الهجرة والجمارك” الأمريكية عن سلسلة من المخططات الإجرامية للحزب في الولايات المتحدة، تراوحت بدءاً من أجهزة الكمبيوتر المحمولة المسروقة، وجوازات السفر، وأجهزة الألعاب، وإلى بيع العملة المسروقة والمزورة، وشراء الأسلحة، ومجموعة واسعة من أنواع الدعم المادي الأخرى، مما يشير إلى المجموعة والحجم الواسعي النطاق للأنشطة الإجرامية لـ «حزب الله». وفي هذه الحالات، لعب كبار مسؤولي «حزب الله» أدوار عملية في تخطيط العديد من المشاريع الإجرامية وتنفيذها – وهؤلاء المسؤولين هم من فروع التنظيم العلنية والسرية على السواء. ووفقاً للمحققين الأمريكيين، دلّ اتباع الخيوط الهشة في العديد من الحالات الأخيرة وبصورة مباشرة إلى ممثل «حزب الله» في إيران – عبدالله صفي الدين. ولا ينبغي أن يشكّل ذلك مفاجأة، نظراً إلى أنّ المحقق الجنائي في الأمم المتحدة قد وجد أنّ صفي الدين، الذي هو ابن عم نصر الله نفسه ومقرّب جداً منه، “يُعتبر أحد أهم رجال المال في «حزب الله».” أما شقيقه السيد هاشم صفي الدين، فهو مسؤول كبير في الحزب ويُذكر اسمه في بعض الأحيان كخليفة محتمل لنصر الله.
وفي الآونة الأخيرة، تحوّل النشاط الإجرامي للحزب بعيداً عن الجرائم الصغيرة التي يرتكبها المتعاطفون. وحالياً، يسعى «حزب الله» إلى الاستفادة من خدمات الشبكات الإجرامية المنظمة لتسهيل دخوله في المشاريع الإجرامية المنظمة الواسعة النطاق. وحالياً، تجد سلطات إنفاذ القانون الأمريكية حالات متعددة يتصرّف فيها أعضاء العناصر الإجرامية أنفسهم المرتبطون بـ «حزب الله» كـ “ميسّرين فائقين” لمجموعة واسعة جداً من الجرائم والعملاء، بدءاً من المخدرات وصولاً إلى مبيعات السيارات المستعملة الدولية، ومن غسل الأموال إلى شركات مشتريات وهمية.
لننظر مجدداً في قضية أيمن جمعة و”البنك اللبناني الكندي”. في كانون الثاني/ يناير 2011، تم تصنيف جمعة كأحد كبار تجار المخدرات ومسؤول عن “غسل ما يصل إلى 200 مليون دولار شهرياً” من خلال “البنك اللبناني الكندي” وقنوات أخرى مرتبطة بـ «حزب الله». وفي الشهر التالي، صنّفت وزارة الخزانة الأمريكية “البنك اللبناني الكندي” كمشروع أساسي فيما يتعلق بغسل الأموال أو تمويل الإرهاب بموجب “المادة 311” من “القانون الوطني للولايات المتحدة”، مما أدى عملياً إلى إغلاق البنك. ولكن بعد عدة أشهر، وفي كانون الأول/ ديسمبر 2011، كشفت “المنطقة الجنوبية” من نيويورك النقاب عن إجراء مصادرة مدني ضد “البنك اللبناني الكندي” بقيمة 483 مليون دولار، وقد بدت القضية كنقطة بين لائحة اتهام جنائية وفيلم تشويق. ومنذ ذلك الوقت، قام المحققون في مختلف أنحاء العالم بتعقب خيوط المعلومات المتعلقة بقضية “البنك اللبناني الكندي” من الولايات المتحدة إلى أوروبا، وأستراليا، وأفريقيا، وأمريكا الجنوبية، بإلقائهم القبض ليس فقط على تشكيلات متنوعة من تجار المخدرات، بل أيضاً على غاسلي أموال و”ميسرين فائقين” أساسيين لهم صلات مع كبار شخصيات «حزب الله». على سبيل المثال، كان عبد الله صفي الدين أحد كبار مسؤولي الحزب المتورطين في قضية “البنك اللبناني الكندي”.
لقد تابع المحققون العديد من القضايا المتعلقة بـ «حزب الله» بحيث لم تعد الجماعة قادرة على ادعاء تجاهلها، وقد وصلت أخبارها إلى الصحافة. ففي كانون الأول/ ديسمبر 2015، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”: “تكثّف الحكومة الأمريكية جهودها لوقف تدفق الأموال إلى الجماعة الإرهابية «حزب الله»، بينما يعمل المسؤولون بشكل وثيق مع نظرائهم الأوروبيين لإحباط شبكة المنظمة الدولية”. وأوردت الصحيفة قضية أمريكي اشتُبه به بأنه يقوم بتبييض الأموال في كولومبيا وله صلات بـ «حزب الله»، وكذلك قضايا عن مشتبه بهم اعتقلوا في ليتوانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة؛ ونقلت عن مسؤولين أمريكيين وصفهم كيف: “يستخدم «حزب الله» مجموعة متنوعة من الوسائل لجني الأموال النقدية، ونقلها، وإخفائها” بمساعدة “ميسرين فائقين – وهم رجال مال يساعدون شركات إجرامية مختلفة تخفي مصادر تمويلها.”
لقد أصبح التحدي الذي يشكله «حزب الله» عالمي الطابع. وقد ناقشنا في هذا الاستعراض الموجز العمليات الإجرامية في القارات الخمس: أمريكا الشمالية والجنوبية، وأفريقيا، وأوروبا، وآسيا. وتشمل هذه: عمليات إرهابية في قبرص، والفلبين، وعلى طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية؛ وغسل الأموال في منطقة الحدود الثلاثية، وولاية كارولينا الشمالية، وبلجيكا، وسيراليون، وبلدان أخرى كثيرة؛ وتهريب المخدرات والممنوعات الأخرى في كندا، وكولومبيا، وألمانيا، وأفريقيا، على سبيل المثال لا الحصر؛ وشنّ الحرب في سوريا بالنيابة عن نظام الأسد الوحشي. إن الدرس الذي يجب استخلاصه هنا هو أنّ تهديد «حزب الله» قد تطوّر ولم يعد محدود النطاق للسياسة في الشرق الأوسط أو تقتصر مهمته على محو إسرائيل من الوجود. ولا بد من الاعتراف بهذا التهديد في كال مكان يظهر فيه، وتحديه على نطاق عالمي. ولم يعد من الممكن اعتبار «حزب الله» أداة إيرانية ومنظمة إرهابية فحسب، بل أصبح يشكل حالياً قوة عسكرية كبيرة، ومنظمة إرهابية قاتلة على مستوى العالم، وشبكة معقدة للإجرام وغسل الأموال. ومن أجل إحباط عمليات «حزب الله» المعادية للولايات المتحدة والمعادية للغرب بشكل فعال، ينبغي فهم كيفية تطوّر «حزب الله» على مدى العقود الثلاثة منذ إنشائه بشكل أكثر دقة بكثير.
وكما تحذّر استراتيجية البيت الأبيض لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، تشارك الشبكات غير المشروعة “نقاط التقاء” أساسية – وخاصة فيما يتعلق بالأشخاص، أو الأماكن، أو المنظمات التي تغسل أموالها؛ وهذه الشبكات هي من مختلف الأنواع، كتجار المخدرات، وتجار الأسلحة، والجماعات الإرهابية، وأكثر من ذلك. وفي حالة «حزب الله»، يشكل الميسّرون الفائقون نقاط التقاء جذابة بسبب قدرتهم على التحرك بسرعة وكفاءة وغسل تدفقات هائلة من الأموال غير المشروعة. ولهؤلاء الميسرين بعض الصلات بالجماعة، وبعضهم مجرد وسطاء إجراميين. ولكنّهم أيضاً نقطة الضعف لـ «حزب الله» ويكشفون النقاب عن مجموعة تُقدّم نفسها على أنها “مقاومة” نبيلة، وتظهر كيف أصبحت منظمة إجرامية. إن ذلك يجعل «حزب الله» يواجه مشكلة شرعية شعبية في بلاده ويكشف الجماعة أمام تدقيق إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم…
ماثيو ليفيت
معهد واشنطن