أعلن المصرف المركزي المصري أمس تحرير سعر صرف الجنيه وتركه يتحدد بناء على عوامل العرض والطلب. وإذ طرح عطاءً استثنائياً بقيمة 100 مليون دولار، تضاربت المعلومات حول نية المصرف طرح مزاد بأربعة بلايين دولار.
وأفاد المصرف في بيان صحافي بأنه حدد سعر صرف العملة المحلية عند 13.10 جنيه للدولار وسمح للمصارف بالتحرك من ضمن هامش يساوي 10 في المئة أقل أو أكثر من هذا السعر. وأعلن المصرف المركزي رفع سعري فائدة الإيداع والإقراض لليلة واحدة 300 نقطة أساس إلى 14.75 في المئة و15.75 في المئة على التوالي. وسمح المصرف المركزي للمصارف بفتح فروعها حتى الساعة التاسعة مساءً وأيام العطلة الأسبوعية بغرض تنفيذ عمليات شراء العملة وبيعها وصرف حوالات المصريين العاملين في الخارج. وتعهد أن أي شروط للتنازل عن العملات الأجنبية لن تُفرَض. وضمن المصرف أموال المودعين بالجهاز المصرفي بكل العملات، وألغى أي قيود على إيداع العملات الأجنبية وسحبها للأفراد والشركات، لكنه احتفظ بحدود الإيداع والسحب السابقة للشركات التي تعمل في مجال استيراد السلع والمنتجات غير الأساسية بواقع 50 ألف دولار شهرياً للإيداع و30 ألف دولار يومياً للسحب.
وأكد المصرف في البيان «حرصه على تأكيد الثقة في الاقتصاد المصري وتحقيق الاستقرار النقدي استهدافاً لمستويات أدنى من التضخم، لذلك قرر اتخاذ تلك الإجراءات لتصحيح سياسة تداول النقد الأجنبي من خلال تحرير أسعار الصرف لإعطاء مرونة للمصارف العاملة في مصر لتسعير شراء النقد الأجنبي وبيعه بهدف استعادة تداوله داخل القنوات الشرعية وإنهاء السوق الموازية للنقد الأجنبي تماماً».
وأضاف: «اتساقاً مع المنظومة الإصلاحية المتكاملة التي تتضمن برنامج الإصلاحات الهيكلية للمالية العامة للحكومة الذي يجري الآن تنفيذه بحزم، تمكن حزمة الإصلاحات النقدية والمالية المتكاملة الاقتصاد المصري من مواجهة التحديات القائمة وإطلاق قدراته وتحقيق معدلات النمو والتشغيل المنشودة بما يتناسب مع إمكانات وموارد مصر البشرية والطبيعية والمادية». ورحبت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد بتعويم الجنيه المصري، مؤكدة أن الخطوة «تظهر تدارس السلطات المصرية للأمر بعناية». ونوه رئيس بعثة الصندوق المعنية بمصر كريس جارفيس بقرار المصرف المركزي. وقال في بيان: «في ظل النظام الجديد، سيكون الناس على استعداد لبيع العملة الأجنبية وشرائها، وبذلك تتوافر العملة في السوق». واعتبر البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير قرار مصر كفيلاً بتعزيز القدرة التنافسية للبلاد وتخفيف الضغوط على احتياط النقد الأجنبي.
وسرعان ما قفزت مؤشرات البورصة المصرية فكسب مؤشر «إي جي إكس 30» 8.3 في المئة، وهي أعلى نسبة خلال ثماني سنوات قبل أن يستقر عند مكاسب تساوي 5.7 في المئة. وقفزت أسعار السندات الدولارية لمصر عبر شتى آجال الاستحقاق بعدما تقرر تحرير سعر صرف الجنيه.
وحول تأثير تلك القرارات في الاستيراد والأسعار، قال هشام عز العرب رئيس مجلس إدارة «البنك التجاري الدولي»، أكبر المصارف المصرية المدرجة بالبورصة، لوكالة «رويترز» أن الخطوة «التاريخية» التي أقدمت عليها مصر بتحرير سعر الصرف ستسمح لكل المصارف المرخصة في البلاد البالغ عددها 39 مصرفاً بتداول النقد الأجنبي، فضلاً عن تدفق الاستثمار الأجنبي على البلاد.
وقال البليونير المصري نجيب ساويرس في تصريح تلفزيوني أن تحرير سعر الجنيه المصري «خطوة متأخرة»، لكنه توقع أن يحقق «الاستقرار» لسوق الاستثمار في مصر. وقال لقناة «سي ان بي سي» عربية أن المستثمرين أحجموا عن الاستثمار في مصر خلال الفترة الماضية بسبب شح الدولار ووجود سوق سوداء له.
وقال المستورد وائل جورج لـ «الحياة» أن تعويم الجنيه «يعد خطوة لوقف نزيف العملات الأجنبية، وبداية لتقنين السوق المصرية، ويجب إلحاق التعويم بوضع برنامج شامل للإصلاح من الاتجاهات كلها، وإلغاء السوق الموازية». ولفت إلى أن السوق ستشهد هدوءاً نسبياً في الأسعار وتعود إلى معدلاتها الطبيعية من جديد، والصناع والمستوردون سيتمكنون من تدبير الدولار من السوق الرسمية لاستيراد السلع. وطالب المصرف المركزي بعدم وضع قيود على فتح الاعتمادات المستندية والاستيراد وعدم وضع سقف للإيداع، بما يمكن أصحاب المصانع من إيداع العملة الأجنبية بالمصارف.
ووصفت المسؤولة في الجمارك سهير نصر، في اتصال هاتفي أجرته معها «الحياة»، القرارات بالصائبة لكنها أكدت زيادة قيمة الدولار الجمركي بنسبة 48 في المئة عن ما كانت عليه. ورأى ماجد محروس وهو مستورد لأدوات الطباعة، أن تلك القرارات من شأنها زيادة الأسعار بنسبة تزيد على 60 في المئة، لانخفاض قيمة الجنيه بنسبة 48 في المئة. وقال لـ «الحياة» أن الجمارك كانت تعتمد على سعر الدولار آنذاك بقيمة 8.87 جنيه طبقاً لسعره في المصرف المركزي، لكن عقب تحرير سعر الصرف بلغ السعر 13.10 للبيع و13.50 للشراء، وبالتالي زادت الجمارك ما سينعكس على الحصيلة الجمركية.
ووصف رجل الأعمال محمد السويدي قرار تحرير سعر الصرف وفقاً لآليات العرض والطلب بالسليم والصادر في توقيت مناسب للغاية والمشجع لفرص الاستثمار في مصر. وقال أن من شأن الخطوة أن تحفز دمج الصناعة في المشاريع الصغيرة وأن تؤسس لإصلاح اقتصادي وزيادة الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة وتقضي على السوق السوداء في مصر.
واستبعد عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات محمد البهي حصول موجات جديدة من زيادة الأسعار نتيجة تحرير سعر الصرف. وقال أن تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار قرار طال انتظاره لأن السوق استقبلت زيادة الأسعار خلال الشهرين الماضيين نتيجة الارتفاعات الكبيرة للدولار في السوق الموازية والتي أدت إلى زيادة سعر السلع بنسبة 25 في المئة تقريباً.
وطرح مصرفا «الأهلي» و «مصر» شهادتي إيداع جديدتين، واحدة بفائدة 16 في المئة لأجل ثلاث سنوات، وأخرى بفائدة 20 في المئة لأجل 18 شهراً. وسيصرف عائد الأولى كل شهر، بينما سيصرف عائد شهادة 20 في المئة كل ثلاثة أشهر.
مارسيل نصر
الحياة اللندنية