في تشرين الأول (أكتوبر) الأخير، أعلن وزير الخارجية الاميركي، جون كيري، أن السلام لن يحل في سورية ما دام الرئيس بشار الاسد ممسكاً بالسلطة وفي مركز القرار. والى اليوم، يقول مسؤولون اميركيون إن إرساء حل سياسي مستدام يقتضي رحيل الاسد. ولكن الواقع المرير يشير الى ان الديكتاتور العنيف يُمسك بالسلطة وان الولايات المتحدة وحلفاءها مضطرون الى التعايش معه في الوقت الحالي. وهذا ما بدا أن كيري يقر به في دعوته أخيراً الأسد الى تعديل سياساته من غير أن يقرنها بمطالبته بالتنحي. وفي العام الأخير، تغيرت الاوضاع في سورية تغيراً سريعاً و «دراماتيكياً». فـ «الدولة الاسلامية»، وهي تعرف بـ «داعش» أو «الدول الاسلامية في العراق والمشرق»، تسيطر على نصف سورية، بينما أصاب الوهن المعارضين الذين تعول أميركا عليهم لهزيمة الاسد، وتراجعوا امام تقدم النظام.
ويبدو أن تنحي الرئيس السوري طواعية عن السلطة في القريب العاجل غير محتمل. ويغيب كذلك احتمال إطاحة المعارضين غير المنضوين في الدولة الاسلامية، الرئيس السوري ما لم تتدخل الولايات المتحدة مباشرة. وهذا ما رفضه الرئيس باراك أوباما. وفيما خلا تونس، استبدلت الدول التي أطاحت الرؤساء خلال حركات الربيع العربي في 2011، المستبدين السابقين بغيرهم من المستبدين أو انزلقت الى الفوضى.
واليوم، ليس مصدر الخطر الأبرز بشار الاسد بل «الدولة الاسلامية» وتوسعها في سورية وجذبها المزيد من المقاتلين الأجانب وإعدادها هجمات ضد الغرب. وأشارت دراسة أجرتها «راند كوربوريشن» التي تعد دراسات لصالح الحكومة الاميركية، الى ان انهيار نظام الاسد مستبعد اليوم، وهو أسوأ ما قد ينزل بالمصالح الاميركية. فمثل هذا الانهيار يحرم سورية مما تبقى من مؤسسات حكومية ويخلف فراغاً أوسع تملأه «الدولة الاسلامية» وغيرها من المتطرفين لنشر الفوضى والدمار. وهذا ما لم يكن في الحسبان في 2011 يوم نظم السوريون احتجاجات سلمية ضد حكومة الاسد الاوتوقراطية. وحينها، دعا أوباما ورؤساء أوروبيون الرئيس السوري الى الاستقالة وفرضوا عليه عقوبات. ولكن الديكتاتور الذي تمده كل من روسيا وإيران بالسلاح، رد متوسلاً بسلاح الجو والبراميل المتفجرة الى قمع الاحتجاجات، ونفخ في حرب أهلية قُتل فيها حوالى 200 ألف سوري ودُمر عدد لا يحصى من البلدات. ولا شك في أن النزاع في سورية يثير أسئلة شائكة، ويترك الولايات المتحدة من غير خيارات «جيدة». ومقاربة أوباما هذا النزاع هي أقل جانب من جوانب حملته على «الدولة الاسلامية» تماسكاً. وعلى رغم أن الاسد والاميركيين يواجهون عدواً مشتركاً، لا يجمع تعاون رسمي بينهما، في وقت تخترق المقاتلات الاميركية الاجواء السورية دورياً لقصف مواقع «الدولة الاسلامية». ولكن هل يضطر الغرب، في وقت من الاوقات، الى التعاون مع الاسد في مواجهة الخطر الرئيسي، أي «الدولة الاسلامية» والحاق الهزيمة بها؟
تقول الادارة الاميركية انها تدرب معارضين سوريين من اجل أن يساعدوا الحملة الجوية الاميركية على «الدولة الاسلامية». ولكن هؤلاء لن يشاركوا في العمليات قبل أشهر، وتدور الظنون على ضعف قدراتهم. وليس استشراف مستقبل سورية في الامد الطويل بسيطاً أو يسيراً. وإذا كان مسؤولون اميركيون يرون أن السبيل الوحيد الى طي الحرب الأهلية ونشوء جبهة مشتركة ضد «الدولة الاسلامية» هو حل سياسي تُشارك فيه روسيا وإيران، حليفا الاسد، وتركيا والسعودية، خصماه البارزان، فماذا في وسع واشنطن أن تفعل لتعزيز موقفها والتأثير في مآل الامور؟
ويرى مسؤولون اميركيون أن ثمة اجماعاً دولياً على الحاجة الى حل ديبلوماسي طويل الامد بين الاسد ومجموعات المعارضين المتباينة. ويحتسبون مبادرات الامم المتحدة الى ارساء وقف اطلاق نار في حلب التي قد تكون مقدمة لسلام أوسع. ويسعى الروس الى التقريب بين الاسد والمعارضين.
ولكن ما حظوظ هذه المبادرات، في وقت لا احد يدرك السبيل الى جمع قطع أحجية الحلول؟ فالجمهوريون الذين يسيطرون على الكونغرس ويمضون الوقت في الشكوى من سياسة اوباما الخارجية، لم يقترحوا بديلاً واقعياً. وثبت أن احتمال نجاح «معتدلين» سوريين في اطاحة الاسد، ضعيف الصلة بالواقع.
نيويورك تايمز
إعداد منال نحاس- الحياة اللندنية