ليس المقصود هنا إعطاء تحليل كامل ومفصل عن أزمة الانتخابات الإسرائيلية وتداعياتها المستقبلية. لأن هذا كله يتجاوز هدف وحدود هذا المقال. ولكن المقصود تقديم نظرة عامة عن أهم أوضاع الحكومة الإسرائيلية والأسباب التي قادت إلى سقوطها، كتمهيد سريع يمكننا من استشراف مستقبل إسرائيل الحزبي والحكومي وتداعياته على كل من الإسرائيليين والفلسطينيين.
ولا جدال في أنه من واجبنا، حينما نشرع في عمل كالذي نحن بصدده الآن أن نتوقف قليلًا لنسأل أنفسنا عما نقصده بالضبط بأن هناك أزمة حكومية فإسرائيل، والأحزاب تمر بأزمة عميقة، فقد انعدمت الثقة في كثير من الأفكار والبرامج التي ادعى الائتلاف الحالي إمكانية تنفيذها وتحقيقها، كما انحدرت مكانة إسرائيل دوليًا فترة حكومة هذا الائتلاف وتصاعد تيار التشدد والتطرف تجاه الحقوق الفلسطينية، وأغفلت الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، الخاصة بمشكلات كغلاء المعيشة وفرض الضرائب على الأغنياء وتدهور التعليم وتردي الأحوال الصحية. وتوقف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية بشأن التسوية السلمية.
ومنذ إعلان نتنياهو حل الائتلاف الحكومي شهدت الحالة السياسية الإسرائيلية نشاطات حزبية ومدنية مكثفة سعيًا نحو تشييد تحالفات جديدة، في إطار التجهيز لانتخابات برلمانية في السابع عشر من شهر مارس 2015 من أجل تشكيل حكومة جديدة (والأرجح أنها ستكون حكومة ائتلافية).
لقد جاءت دعوة “نتنياهو” لحل الائتلاف الحكومي الحالي بعد أقل من عامين من تشكيله لهذا الائتلاف، كما أنه قرر حل الكنيست، والتوجه إلى الانتخابات العامة المبكرة، على خلفية قانون “يهودية الدولة”، وتوقف مفاوضات السلام وغيرها…. الأمر الذي قاد إلى حراك سياسي عنيف، و”تلاسن” بالغ الشدة بين نتنياهو ومعارضيه مثل “هرتسوج”، و”ليفنى” و”لابيد” وغيرهم.
هذا الأمر الذي زاد من تفكك وتبعثر الخريطة الحزبية الإسرائيلية، وفتح الباب أمام سباق التحالفات الحزبية بغية الحصول على أكبر عدد من النواب في الكنيست الجديد. وتعتبر الانتخابات المقبلة (إن أجريت في موعدها المبكر، وهو الاحتمال الوارد حتى هذه اللحظة) الانتخابات رقم ثماني عشرة منذ إنشاء دولة إسرائيل عام 1948م حتى الآن. وأغلب هذه الانتخابات لم تجر في موعدها القانوني (مرة كل أربعة أعوام).
وقبل أن ندخل في أسباب دعوة نتنياهو لفك الائتلاف الحكومي وحل الكنيست، لا بد من التوقف قليلًا عند محددات المجتمع الإسرائيلي ونظام الانتخابات فيه.
كان الإسرائيليون مطمئنين عندما وصل الإخوان إلى الحكم بتوقعهم مع الإدارة الأمريكية أن المشكلة الفلسطينية ستحل عن طريق سيناء بتبادل الأرض والتوافق.
أولا- بنية المجتمع الإسرائيلي
لاشك أن الأزمة الإسرائيلية الحالية تحكمها عدة أمور، وتحتاج إلى رؤية عميقة لتسبر غورها، وتحدد مسارها ومنها:
- أن المجتمع الإسرائيلي الحالي يتكون معظم سكانه من أجيال ولدت بعد إنشاء إسرائيل خاصة بعد توقف الهجرات الجماعية، وهؤلاء المواطنون الذين تربوا في ظل اللغة العربية وأرضا الميعاد لهم توجهاتهم وإحساسهم الخاص بأن هذه دولتهم التي يحملون السلاح من أجلها، كون إسرائيل معسكر كبير عند نشوب أي حرب، والحرب ليست عنهم ببعيد. وأنهم بين أمرين الحرص على استمرار دولتهم، والحرص في ذات الوقت على الاستقرار والحياة الطبيعية بعيدًا عن الخوف الدائم، والتوتر المستمر.
مع إحساسهم بأن الدولة الأخطر الآن على وجودهم هي مصر التي استطاعت أن تحفظ كيانها، بتلاحم الجيش مع القوى الوطنية، وبقيادتها الواعية البصيرة بالأحداث والمتحسبة للمستقبل.
- الحملة الإسرائيلية الأخيرة على غزة، والتي كانت بمثابة بالون اختبار، تبين منه أن الأوضاع قد اختلفت، وأن الفلسطينيين يملكون صواريخ طالت على استحياء تل أبيب، وغير مأمون أن تزداد قوة ورهبة ومدى مع الأيام، ومما يوحي بوجود مساعدات تصل من هنا وهناك.
- كان الإسرائيليون مطمئنين عندما وصل الإخوان إلى الحكم بتوقعهم مع الإدارة الأمريكية أن المشكلة الفلسطينية ستحل عن طريق سيناء بتبادل الأرض والتوافق. ولكن انقلب السحر على الساحر بفضل انتفاضة الشعب وتلاحم الجيش معه، فضاع الحلم أدراج الرياح. وعادات المشكلة الفلسطينية إلى مربعها الأخير مرة ثانية.
- أن نتنياهو حكم ثلاث دورات، ولم يعد عنده ما يعطيه لشعبه، والشعوب وسط الأحوال العالمية لا تتقبل الاستمرار أكثر من ذلك خاصة في مجتمع يمثل الديمقراطية كما يرونها.
كما أنه مهدد بفقد رئاسته لحزبه، وظهور منافسين أقوياء له داخل الحزب يمثلون خطورة على استمراره كرئيس لليكود.
ثانيا- نظام الانتخابات الإسرائيلية
قبل الحديث عن وضعية الانتخابات وموقع الأحزاب منها وتوجهاتها، لا بد من لمحة سريعة عن “نظام الانتخابات في إسرائيل”.
إن نظام الانتخاب في دولة إسرائيل وضع متوافقًا مع طبيعة المجتمع الإسرائيلي وتكوينه، حيث إنه بطبيعته غير متجانس نتيجة الهجرات الجماعية التي وردت إلى إسرائيل من جنسيات مختلفة. ورغم محاولات الدولة في صهر هذه الأجناس والثقافات في بوتقة واحدة بالتركيز على اللغة، والانتماء الوطني بالتجمع حول الدين والتراث المزعوم لليهودية هناك.
ولهذا نجد أن “نظام الانتخاب وضع بطريقة معقدة” لضمان تمثيل كل التيارات سواء كانت قومية أو سياسية أو فردية، ولا يحول دون التقدم للترشح إلا عدم تحقيق نسبة 2% من مجموع الأصوات الصحيحة في الانتخابات، ومجموع الأصوات الصحيحة لا علاقة له بعدد الناخبين الذين يفوق عددهم 5.6 مليون ناخب. فهو رقم لا يمكن معرفته، أو تحديده إلا بعد الانتخابات الفعلية، والانتخابات من هنا تخضع لعمليات مساومات وتحالفات وشروط من جانب أعضاء الائتلاف. ولطبيعة قانون الانتخاب والذي يمر بعدة مراحل تصور في النهاية طريقة تفكير الصهاينة حتى مع أنفسهم.
فالمرحلة الأولى تسمح بتقدم جميع أطياف المجتمع، ولكن بقوائم حتى من نطلق عليهم المستقلون وبذلك يتسنى لأي عدد من الأفراد أن يتقدموا بقائمة، وإذا حققوا نسبة 2% من إجمالي عدد الأصوات الصحيحة كان لهم حق التمثيل في المجلس وفقًا لذلك. حيث يستبعد من لم يحصلوا على نسبة 2% ثم تجمع الأصوات الصحيحة بعد الاستبعاد لتقسم على عدد أعضاء الكنيست (120 مقعدًا) لتحديد عدد الأصوات المطلوبة لكل مقعد، ثم تستمر العملية بصورة معقدة حتى يتم تحديد الأعضاء.
ولكن هذه الطريقة تعطي في النهاية نتائج تسمح بكون الأحزاب الصغيرة ذات تأثير ملحوظ، حيث تصبح قادرة على فرض شروطها على الأحزاب الكبرى، خشية أن يحدث انهيار للائتلاف الحالي وتسقط الحكومة.
إن طبيعة النظام الانتخابي الإسرائيلي القائم على أساس “التمثيل النسبي”، تجعل من المستحيل تقريبًا عدم تمكن حزب ما من الأحزاب الإسرائيلية من تحقيق الأغلبية البرلمانية المطلقة
وفي هذا السياق يمكن التمييز بين ثلاث كتل رئيسية:
- العمال (الاتجاهات الاشتراكية والشيوعية بتنوعاتها).
- الصهيونيون (اليمينيون المتشددون، والمعتدلون).
- التوجه الديني.
ولا نستطيع القول بأن هذه التكتلات تعبر عن قوتها بعدد أفرادها، لأنه يبقى للتيار الديني قوة أكبر من عدد أفراده بحكم أنه أساس الدولة، ويبقى أمن الدولة هاجسًا يوجه التيارات كلها في النهاية.
علي أن ثمة مؤثرات أخرى أقوى من تلك المتمثلة في الصراعات الداخلية بين الأحزاب داخل إسرائيل، ألا وهي القوى الخارجية والتي في مقدمتها المنظمات اليهودية والصهيونية العالمية والقوي الغربية المتعاطفة وغيرها.
تأسيسًا على ما سبق؛ فإن طبيعة النظام الانتخابي القائم على أساس “التمثيل النسبي”، تجعل من المستحيل تقريبًا عدم تمكن حزب ما من الأحزاب الإسرائيلية من تحقيق الأغلبية البرلمانية المطلقة الخاصة به، ويترتب على ذلك ضرورة وجود ائتلافات حزبية بين الأحزاب المختلفة بعضها البعض أيًا كانت اتجاهاتها الإيديولوجية. وهنا يأتي دور الأحزاب الدينية المتعددة والصغيرة التي تمثل بائتلافها مع غيرها أغلبية ترجح حزب ما للحصول على أغلبية برلمانية كما سبق وأوضحنا.
ثالثا- الائتلاف الحكومي وحل الكنسيت: أسباب السقوط
يمكن تلخيص هذه الأسباب في مجموعتين، أولاهما داخلية والأخرى خارجية، أما الأسباب الداخلية فتتمثل في الفشل الذريع لحكومة نتنياهو في الحرب على غزة، وما تمخض عن ذلك من لوم دولي كبير وكارثة ضرب تل أبيب بالصواريخ.
كما أن إثارة نتنياهو لمشروع قانون يهودية الدولة قد قوبل باعتراض كبير من جانب حلفائه في الائتلاف خاصة تسيبني ليفني ولابيد ووزرائهما، حيث ادعوا أن هذا القانون يمثل خطورة شديدة على مستقبل الدولة الإسرائيلية وعلى مكانتها ومصداقيتها الدولية.
ولعل فشل الحكومة الائتلافية في القيام بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي تضمنتها الأحزاب في برامجها الانتخابية كان عنصرًا أساسيًا في محاولة نتنياهو الهروب للبدء من جديد، وهي محاولة للالتفاف على الناخب الإسرائيلي، خاصة بعد تدني نسبة التصويت له في مجمل الاستطلاعات التي كان هو جزءًا منها مقابل زعماء آخرين.
كما أن وجود معارضات مستمرة لنتنياهو من جانب شركائه في الائتلاف خاصة ما يتعلق بالقوانين مثل “صفر ضريبة” وما يتصل بالميزانية، النفقات العسكرية، والموقف من الحد الأدنى للأجور… إلخ كل هذا جعله يسعي كدكتاتور للتخلص من هذه المعارضة!
ولعل توقف الفلسطينيين عن المشاركة في المفاوضات – خاصة بعد حرب غزة – مما قاد إلى انسداد الأفق السياسي، ودعاه إلى التوجه نحو البدء من جديد، تغطية لموقفه من الاستمرار في الاستيطان في الضفة الغربية وتأكيدًا لرفض الوثيقة الأمريكية الخاصة بحل الدولتين.
وقد يكون هناك سبب ذاتي إضافي هو توهّم نتنياهو لموقف الأحزاب المشاركة معه والمعارضة معًا، خاصية حزبي العدالة (ليفنى) وهناك مستقبل (لابيد) وأنهما يسعون للقيام بالانقلاب عليه لحل الكنيست .. فسارع إلى فك الائتلاف .. وطلب حل الكنيست حتى يقضي على هذا الانقلاب ويستدر تعاطف وتعاون الأحزاب اليمينية المتطرفة وضمان وقوفها معه لحماية يهودية الدولة .. واستمرار الاستيطان.
أما الأسباب الخارجية، فيمكن ردها إلى محاولته استغلال مجمل الأوضاع والتطورات الدولية والإقليمية والمحلية التي أشعلت مناخًا عدائيًا دوليًا لكافة صور العنف والإرهاب في المنطقة والحرب على داعش والنصرة وما شابه ذلك لصالحه، من أجل تبرير تراجعه عن إجراء الانتخابات ولعل التأييد المتواصل والمتمثل في تسونامي الاعتراضات من جانب برلمان الدول الغربية دعاه لإفقاده لهذا التأييد زخمه وتحويل نظر الدول والبرلمان إلى الانتخابات المرجأة المقبلة.
رابعا- السيناريوهات المتوقعة
بداية لا بد أن نشير إلى أنه في مقدمة العوامل التي تحكم إمكانية تحقق أي سيناريو من السيناريوهات المتوقعة عوامل حاكمة، وفي موضوعنا هذا يظهر تأثير العوامل المهمة التالية:
- طبيعة المستجدات والمتغيرات المحتمل حدوثها على كل المستويات (الدولية والإقليمية والمحلية) خلال الفترة السابقة لإجراء الانتخابات.
- حجم التدخل الفعلي عن جانب المنظمات الصهيونية واليهودية خاصة الأمريكية منها، ومدى دعمها لشخصية سياسية بعينها.
- موقف مجلس الأمن من مشروع الاعتراف بدولة فلسطين وموقف الأطراف الدولية منه وردود الفعل عليه، وهو الذي قوبل بالرفض، وأدى هذا بالفلسطينيين إلى التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية.
- تداعيات “تسونامي” الاعترافات المتتالية من قبل البرلمانات الأوربية بدولة فلسطين، ومدى مساندتها لفكرة الدولتين التي تهرّب منها نتنياهو وزعماء اليمين المتطرف في إسرائيل.
- مدى تأثر الناخب الإسرائيلي بالتصريحات التي تعلنها القيادات الحزبية المختلفة ومدى قناعته ببرامج تلك الأحزاب.
- نتائج الانتخابات الداخلية لحزب الليكود وموقف نتنياهو منها، حيث إن حجم التأييد أو المعارضة لقيادته لهذا الحزب سوف يحدد الكثير من نتائج هذه الانتخابات، حيث سيواجه احتمالات كثيرة منها خصمه العتيد يهود براك أو وزيرا التربية والدفاع السابقان.
- مديى قابلية أحزاب اليسار والوسط للتعاون الفعلي مع نتنياهو ضمن كتلة ائتلافية موحدة، أو التوحد معًا لموجهته بالتعاون مع التكتل الموحد للأحزاب الغربية في حالة وجوده.
ولعل الوعي بحدود النقاط السابقة يدخلنا في الجدلية الآنية: هل يستطيع الليكود – تحت قيادة أي زعيم (نتنياهو أو باراك أو غيرهما) قادر بوضعيته الراهنة – على مباشرة دور مستقبلي فاعل في الفوز في الانتخابات المقبلة، وقيادة إسرائيل وفق أجندة سياسية واجتماعية واقتصادية منافسة، وليست أمنية فقط لكل أحزاب الوسط واليسار، أم يستحيل عليه (أي الليكود) أن يحرز تقدمًا في هذا الشأن في ظل هذه الوضعية؟
هذه الجدلية بهذا الشكل تطرح تحديا إيديولوجيا وتنمويًا لحزب الليكود وشخص نتنياهو نفسه، وتهديدا لبقائه وهيمنته. إذن مكانة أحزاب اليمين، خاصة نتنياهو على المحك، وتتوقف على الاختيار من بين البدائل الأساسية المطروحة التي ترسمها السيناريوهات المتوقعة من وجهة نظرنا.
قوبل مشروع يهودية الدولة باعتراض كبير من جانب حلفائه، حيث ادعوا أن هذا القانون يمثل خطورة على مستقبل الدولة الإسرائيلية وعلى مكانتها، ومصداقيتها الدولية.
1- السيناريو الامتدادي
وهذا السيناريو هو أكثر البدائل المطروحة تكلفة على الإطلاق، سياسيًا وأمنيًا، حيث إن العائد منه متواضع للغاية والإصرار عليه يحدث عندما يدرك نتنياهو أن تجنب الدخول في الانتخابات مهم، لأن فرص نجاحه في الانتخابات القادمة تتلاشى مع ظهور خصوم أقوى منه مثل باراك وجدعان “ساعر” الذي حاز على 43% في استطلاع الرأي لصحيفة (جيروزاليم بوست) مقابل 38% لنتنياهو، وكذلك “موشيه كحلول” الذي حاز على 46% من المشاركين في الاستطلاع مقابل 36% فضلوا نتنياهو!
ولعل دخول باراك حلبة السباق سوف يكون هو الخصم الحقيقي المناوئ لنتنياهو والقادر على هزيمته.
وإذا حدث هذا، فلن تكون للانتخابات الجديدة قائمة ولا يحدث تغيير حقيقي في الخريطة السياسية لإسرائيل، إلاّ في حدود ضيقة أبرزها عودة “لابيد” مرة أخرى للائتلاف، على أن يتم ضم زعيم العمل “هرتسوج” إليه كبديل لتسيبني ليفني إلى جانب ضم عدد متزايد من زعماء الأحزاب اليمينية الأخرى.
أما عن تداعيات قيام مثل هذا الائتلاف فتتمثل في:
- تثبيت صورة بنيامين نتنياهو كزعيم قومي قوي يجيد أساليب المراوغة التي يتبعها (تماما مثل أبيه الروحي شامير) والذي كان يدعو لتمديد المفاوضات مع الفلسطينيين إلى ما لا نهاية.
- ظهور الائتلاف اليميني في صورة متماسكة صلبة، تقوي معارضته النسبية للمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية والتلاعب أمام العالم بعدم جدية الفلسطينيين في الاعتراف بإسرائيل، وتحمليهم مسئولية فشل هذه المفاوضات. وبالتالي تحقيق الأهداف الإسرائيلية.
- توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة بادعاء القبول بتنفيذ وعودها بإجراءات التسوية السلمية عن طريق المفاوضات التي سوف تتولى إسرائيل إفشالها بعد ذلك بحجة عدم جدية الفلسطينيين.
- تنشيط وتفعيل سياسة الاستيطان.
- تمرير قانون يهودية الدولة بحجة حماية إسرائيل من أعدائها الفلسطينيين.
- تداعيات أمنية وتفجر للصراعات والعنف من جانب العرب تجاه مواقف عنصرية لهذا الائتلاف قد تصل إلى حد حدوث تفجر ما شبه كامل للأهداف في إسرائيل.
- تبلور تكتل يساري مواجه للتكتل اليمني القائم ويسانده التكتل العربي وعدد من أحزاب اليمين مثل شاس.
2- سيناريو الشخصنة (الصقور والحمائم)
ويركز هذا السيناريو على شخصية بنيامين نتنياهو وتاريخه كمرتكز بخلفية كونه أكثر الزعماء الإسرائيليين استدامة في رئاسة الوزراء، حيث استمر ثلاث مرات وتصبح في حالة نجاحه الرابعة. وباعتباره أكثرهم عداءً للفلسطينيين.
وفي هذه الحالة يتوجه الليكود بقيادة نتنياهو إلى التحالف مع ائتلاف قوامه أحزاب الوسط واليسار مضحيًا بأغلب أحزاب اليمين.
ويبدو أن مثل هذا الائتلاف مهدد منذ البداية بالسقوط، حيث تتدخل أحزاب اليسار والوسط في صناعة القرار بقوة، فيخسر نتنياهو التوافق وتتبدد صورته كزعيم قومي متشدد وتتجمع في مواجهته كافة قطاعات اليمين المتشدد، وهذا السيناريو لن يستمر طويلًا، لاشتداد التناقضات بين الأحزاب المكونة للائتلاف، ويستمر معه انحدار مكانة إسرائيل وتناقض قراراتها واهتزاز العلاقات الأمريكية الإسرائيلية خلالها. مع اشتداد الاعترافات المتوالية من جانب دول العالم بدولة فلسطين وتظل المفاوضات في حالة انقطاع.
3- السيناريو البديل
وهذا السيناريو كما يشير اسمه يصبح ليس مناوئًا فقط لنتنياهو بل بدلًا عنه، وهو سيناريو يرجح ظهور تحالف جديد ذي طابع إصلاحي اجتماعي يسعى لإقرار العدالة الاجتماعية في إسرائيل، ويضم أحزاب الوسط واليسار، بالإضافة إلى تكتل الأحزاب العربية. وبعض الأحزاب الصغيرة فهناك إمكانية لضم أحزاب العمل (برئاسة هرتسوج) وكاديما برئاسة مفاز، والحركة برئاسة ليفني، وميرتس برئاسة زها ياجالون، ويوجد مستقبل برئاسة لابيد وبعض الأحزاب اليمينية الصغيرة مثل شاس كما يمكن أن تنضم الأحزاب العربية والعربية اليهودية.
ولعل قيام مثل هذا التحالف يوفر فرص الحصول على تأييد بعض الأحزاب الأخرى خاصة من المناهضين لنتنياهو والذين يريدون التوجه نحو سياسات إصلاحية اجتماعية واقتصادية، هذا إلى جانب نجاحه في تشكيل الحكومة المقبلة سوف يسمح بتوفير فرص واسعة لمحاصرة أسباب العنف السياسي والاجتماعي داخل إسرائيل، كما قد يقود للدخول في مفاوضات قد تقود إلى تسوية سياسية تحقق الأهداف الإسرائيلية دون تضحيات مبالغ فيها، كما أنها قد تعيد وحدة الصف السياسي والاجتماعي الإسرائيلي.
4- سيناريو تحالف الوسط
وهو يمثل حلقة وسطى بين تحالفات اليمين المتطرف لدى حزب الليكود وحزب البيت اليهودي وأحزاب الحرديم الدينية المتطرفة وبين تحالف اليسار (كما في السيناريو الثالث).
ويمكن أن يضم أحزابا يمينية خرجت من عباءة الائتلاف الحالي والساخطة على نتنياهو مثل حزب كلنا برئاسة وزير الدفاع الليكودي السابق موشيه كحلون، وحزب إسرائيل بيتنا (برئاسة وزير الخارجية الحالي إفيجادور ليبرمان) وهو تحالف قادر على جذب كل من يرغب في إسقاط نتنياهو وإبعاده عن رئاسة الوزراء.
كما أنه يستطيع ضم الأحزاب العربية (شريطة أن تتقدم بقائمة مشتركة) للحصول على عدد متزايد من الأصوات، كما أنه قد يجذب حزبي كاديما والحركة مما يضاعف رصيده من المقاعد على نحو يتفوق على شراكات نتنياهو.
وفي حالة نجاح هذا التحالف في تشكيل حكومة ائتلافية سوف يجد دعمًا واضحًا من الحكومة الأمريكية باعتبار أن مثل هذا التحالف يؤيد استمرار المفاوضات الخاصة بالتسوية السلمية، كما أنه قد يقدم تنازلات مقبولة بشأن تقييد سياسة الاستيطان وهما الشرطان اللازمان للحصول على تأييد أمريكي معلن.
الخلاصة: ومما لاشك فيه أن أيا كانت نتائج هذه الأزمة فإنها ستؤثر في المنطقة العربية وخاصة الفلسطينيين، وستؤثر على المفاوضات من أجل حل المشكلة الفلسطينية، وهناك تخوف آخر أنه في حالة إعلان يهودية الدولة، فإن التيارات الأصولية الإسلامية المبرر للتجمع خاصة بعد ظهور (داعش) كعنصر فاعل في المنطقة لا يمكن إغفاله، وما أحدثه الأمريكان في تحطيم قوة العراق، وزعزعة سوريا.
د. ضياء الدين زاهر
المركز العربي للبحوث والدراسات