هناك طريقتان لقتل العدوّ:
الأولى قتله بكلّ بساطة، والثانية أقلّ وضوحًا في الوهلة الأولى: الاستيلاء على نساء عائلته واعتقالهن وتعذيبهن واغتصابهن وإن أمكن إعلامه بذلك.
والاستيلاء على جسد امرأة عدوّه (أو المفترض أنّه عدوّه)، يوفّر العديد من “الفوائد”؛ ففي الأساس تُستخدم المرأة لـ “مكافأة” المقاتل الّذي يستحقّها، وأيضًا أكثر عمقًا، في المجتمعات التقليدية والأبوية، يعدّ تجاوز المحرّمات المطلقة بخطف النساء واغتصابهن علامة على هزيمة الرجل: الزوج أو الأب أو الأخ وأسوأ من ذلك يعدّ طريقة لغرس العدو في عمق أجساد النساء عندما يؤدّي الاغتصاب إلى حمل ليزيد الطين بلّة.
أعلن مدير مستشفى بانزي في يوكافو في جمهورية الكونغو الديمقراطية الدكتور دينيس موكواج موكنجار أنّ “في الوقت الراهن، توصم المرأة المتعرّضة إلى الاغتصاب بالعار وتواجه الإقصاء“؛ إذ يتمّ اقصاؤها من جماعتها إمّا لأن عائلتها لا تريد أو لا تستطيع تحمّل العار، أو لأنّها تشعر بأذى لا يمكن إصلاحه فالطفلة المغتصبة إذا ما بقيت على قيد الحياة إثر المعاملات السيئة أو الحمل المحتمل أو الإصابة بأمراض تنتقل عبر الاتّصال الجنسي لن تكون صالحة للزواج.
في كوسوفو أو في دارفور أو في نيجيريا أو في العراق
من الممكن أن نتحدث في 1999 عن الاغتصاب الممنهج للألبانيات في كوسوفو من قبل الصرب؛ إذ قالت ميريا س. آنذاك إنّ ما حدث “عار مطلق. فبعد الفظائع الّتي تعرّضت لها النساء طلّق العديد من الأزواج نساءهم وهذا يعني أنّ التقاليد قوية جدًّا في كوسوفو؛ حيث إنّ الفتاة المغتصبة من الصعب أن تعثر على زوج فلازمت العديد من المغتصبات الصمت، إذ يتمّ النظر إلى الاغتصاب على أنّه عار رهيب لأنّه يعدّ أسوأ إذلال لهنّ وأسوأ إهانة لعائلاتهن على حدّ السواء“.
منذ 2004، تهاجم الميليشيات العربية جنجويد اللاجئين في دارفور جنوب السودان وتغتصب النساء، وإذا ما تمكّنت الضحايا من السكوت عمّا حدث لهنّ، تدفعهم السادية إلى وضع علامات مميّزة (في الجزء الداخلي من الفخذ) من أجل إثبات اغتصابهن لدى آبائهن أو أزواجهن.
وفي شمال نيجيريا، أصبحت جماعة بوكو حرام الّتي أنشئت في 2002 عنيفة للغاية بعد إعدام مؤسسها محمد يوسف في 2009، وبعد أنّ كان رجال بوكو حرام يهاجمون “المسلمين السيئين” والمسيحيين، بدؤوا بخطف البنات الصغيرات في المدارس واغتصابهن وقتل الذكور عندما لا يلتحقون بصفوفهم وبوكو حرام تحريف سمعي لـ «books are haram» (الكتب حرام)؛ حيث إنّ التعليم كان ذنب هذه الفتيات الأوّل والمسيحية ذنبهن الثاني فالتعليم أسوأ عدوّ لهؤلاء الرجال الأميين في أغلب الأحيان وإجبار هذه النساء على اعتناق الإسلام من أجل الزواج القسري منهن طريقة لاغتصابهن بـ “شرعية”.
في 2014، هاجم مقاتلو داعش العراقيون والسوريون الطائفة الإيزدية، وهي مجموعة من الأكراد يتبعون ديانة موحدة منحدرة من الزراداتشية ومتّهمة لسوء فهم أو بسوء معرفة بعبادة الشيطان. تمّ هناك أيضًا خطف النساء وتمّ إثبات وجود عدّة أسواق للعبيد في العراق، حيث عُرضت النساء الإيزيديات كما حدث في أسواق العبيد قديمًا.
الشعور بالذنب والخوف من العار شديدان لدرجة أنّ هذه النساء عند سؤالهن عن المصير الّذي واجهنه يردنّ بأنّهن لم يتعرّضن شخصيًّا إلى الاغتصاب؛ إلّا أنّهن يتحدّثن عن قريبة أو جارة أو صديقة تعرّضت للاغتصاب دون تسميتها، أمّا هنّ فقد فررن “بمعجزة” من الاغتصاب ومن العار. ومن بين أهداف ارتكاب هذه الفظائع إجبار العائلة أو المجموعة أو الطائفة على الانفجار تحت وطأة العار وحظر الكلام إلى درجة أنّ الزعيم الروحي للأيزيديين أصدر فتوى تاريخية تدعو العائلات الأيزيدية على استقبال النساء العائدات من داعش بدفء وحنان ودعا أيضًا إلى تشكيل شبكة من الأطباء المستعدّين إلى “تسوية” المشكل إذا ما كانت إحداهن حاملًا؛ إذ إنّ هؤلاء الرضّع غير الأيزيديين لا يجب أن يروا النور باعتبار أنّ المرأة تضمن استمرار النسل.
الأثر النفسي
العناية الفسيولوجية مهمّة ومقبولة عمومًا عند الإصابة الجسدية ولكن العناية النفسية والعقلية مهمّشة ومستحيلة وتنتج الاستحالة عن أنّ المتخصّصين في هذه المسائل لا يجيدون لغة الضحايا، وبالتالي بناء علاقة ثقة مرورًا بالمترجم الوسيط معقدّ للغاية.
وكلّما تمّ إخفاء المرأة وتحجيبها وسجنها في عائلتها والحفاظ عليها بعذريتها القيمة، كلّما أصبح الاغتصاب سلاح تفكّك أكثر فعالية؛ إذ إنّ جسد المرأة المموه والسجين مهمّش وملغى وفي الآن نفسه عرضة لكلّ الأوهام والرغبات.
اغتصاب نساء العدوّ ليس حديثًا؛ إذ إنّه توجّه ممنهج وتيسرت الانتهاكات من خلال التحسين المستمرّ لوسائل النقل وبتشجيع من وسائل الإعلام، إذ إنّها موجّهة للتأثير في العقول ونشر الذعر والتسبب في فرار السكان المستهدفين، كما تحذّر المنظمات غير الحكومية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية من أن تتسبّب هذه الفظائع في التطهير العرقي.
انتشار الظاهرة
عمومًا، الظروف الّتي تساعد على انتشار هذه الحالات هي نفسها دائمة؛ إذ يوجد غالبًا محاربون ورجال أفظاظ وغير متعلّمين يقدّمون أنفسهم كحرّاس لدين “حقيقي” وراديكالي ويعتبرون أنفسهم رقباء ويضفون طابعا متديّنًا على انتهاكاتهم للحقّ العام، وتوجد أيضًا سلطة فاشلة أو غير موجودة وشهوات إقليمية تقضي بطرد الشعوب الأصلية والانتشار الإعلامي للعار الّذي ضرب النساء من قبل جلاديهم عن طريق الكاميرات والهواتف الذكية يرهب ويدمّر ويدفع على الفرار.
تشجّع الحرب على السلوك الأكثر انحرافًا وعلى التعبير الأكثر دناءة للغرائز، ولئن كان الزواج من النساء الصغيرات (15-17 عامًا) مقبولًا إلى حدّ ما؛ فإنّ العلاقات الجنسية مع الفتيات اللّاتي لا يتجاوزن السابعة أو الثامنة مدانة بالإجماع.
وفي حالات قليلة يتمّ تحويل المرأة إلى سلعة، وأيضًا إلى “كاميكاز” [انتحارية]؛ إذ قامت فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات بتفجير نفسها في سوق في نيجيريا يوم 10 يناير 2015، وهنا لا تتعلّق المسألة بـ 70 حورية مفترضة ولا بمكافأة سماوية لهذه التضحية (إذا ما كانت معلومة وطوعية من طرفها وهذا مستبعد)، باعتبار أنّها في نهاية المطاف ليست سوى فتاة فمن يهتمّ بطفلة؟
يعتبر نظام روما الأساسي الّذي يحكم محكمة الجنايات الدولية هذه التصرّفات جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية رسميّا، ومنذ صيف 2014 يقوم فريق بجمع الأدلة من أجل محاكمة المذنبين في هذه الانتهاكات أمام المحكمة الجنائية الدولية ويلقون جزاء جرائمهم.
جيوبوليس – التقرير