هذا الكتاب الصادر فور انتهاء حرب غزة الأخيرة 2014، يناقش قضية شغلت الجيش الإسرائيلي وتتعلق بأداء منظومة القبة الحديدية في الرد على صواريخ المقاومة الفلسطينية، والتقييم الإسرائيلي لها من الناحية العسكرية.
وهي محاولة لتقديم كشف حساب لهذه المنظومة في ضوء ما تم إنفاقه من ميزانيات مالية هائلة عليها، وإجراء تقييم عملياتي لأدائها في حرب غزة، وما قد تقدمه من جهد إحباطي للصواريخ التي من المتوقع أن تتساقط على إسرائيل في أي حرب قادمة من جبهتيْ غزة أو لبنان.
اخفاق المنظومة
يزدحم الكتاب بالإحصائيات التي تناولت منظومة القبة، سواء من جهة أعداد الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية أو تلك الاعتراضية الإسرائيلية، أو التكاليف المالية التي تطلبتها هذه المنظومة وتطويرها من أجل التصدي للصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى التي يتم إطلاقها من غزة، حيث نشر الجيش الإسرائيلي ثماني بطاريات من المنظومة، تبلغ تكلفة كل بطارية 50 مليون دولار، وتتراوح تكلفة كل صاروخ اعتراضي ما بين 70 و80 ألف دولار.
وأوضح الكتاب أن 3360 صاروخا أطلقت من غزة خلال حرب الـ50 يوماً، تم تحييد 584 منها بواسطة القبة، وسقطت 115 منها في مناطق مأهولة، و2542 في مناطق مفتوحة، و119 سقطت داخل غزة خطأ، لكن هذه الصواريخ كانت كافية لإغلاق السماء الإسرائيلية، وتعطيل حركة الملاحة الجوية من وإلى مطار بن غوريون عدة أيام، واستخدام 700 صاروخ لعمليات الاعتراض، كلفتها 50 مليون دولار.
ومن أصل 2200 صاروخ أطلقتها كتائب القسام، تصدت القبة لـ20-25% منها، وتتكون كل منظومة من 20 قاعدة لصواريخ دفاعية تنطلق لصد الصواريخ القادمة من غزة أثناء تحليقها في الجو، بينما تبلغ تكلفة الصاروخ (شاملة تكاليف إطلاقه) قرابة 100 ألف دولار.
القبة “الحريرية”
يحاول الكتاب الترويج لما اعتبره “نجاعة” المنظومة في التصدي للصواريخ الفلسطينية، للرد على خبراء إسرائيليين خرجوا في أحاديث علنية ليكشفوا عملية الخداع التي حاول الجيش تمريرها على الإسرائيليين والعالم في حديثه عن القبة الحديدية، مما ساهم في تعميق أزمة المؤسسة العسكرية، ووجه ضربة لصناعتها التسليحية.
كما يتجاهل المؤلفان ما ذكره الخبراء الإسرائيليون حين وصفوا القبة بأنها أكبر خدعة عرفتها المنطقة، سعى الجيش عبرها لتسويق هذا النوع من السلاح الوهمي في اعتراض الصواريخ لدول عدة، فالقبة لا تعدو كونها عرضاً صوتياً وضوئياً لا تعترض ولا تسقط شيئاً غير الرأي العام الإسرائيلي، لأن كافة الانفجارات التي نشاهدها ونسمعها في الجو ناتجة عن تدمير ذاتي لصاروخ قبة حديدية يدمر نفسه، أو يعترض صاروخاً آخر من نفس القبة، ولم يتمكن مطلقا ولو صاروخ واحد أطلقته القبة من إصابة أي صاروخ أو قذيفة صاروخية.
يتحدث الكتاب عن أن لدى الجيش ثماني منظومات للقبة الحديدية وكل منها تغطي مدينة واحدة، بواقع ثماني مدن محمية، لكن المناطق التي أطلقت عليها المقاومة الصواريخ تزيد على 50 مدينة، وبالتالي تبقى 42 مدينة لا تحميها القبة.
“يتجاهل المؤلفان ما ذكره الخبراء الإسرائيليون حين وصفوا القبة بأنها أكبر خدعة عرفتها المنطقة، سعى الجيش عبرها لتسويق هذا النوع من السلاح الوهمي في اعتراض الصواريخ لدول عدة، فالقبة لا تعترض ولا تسقط شيئاً، لأن كافة الانفجارات التي نشاهدها ونسمعها في الجو ناتجة عن تدمير ذاتي لصاروخ قبة حديدية يدمر نفسه أو يعترض صاروخاً آخر من نفس القبة ”
ويجتهد الكتاب في تسويق الرواية الإسرائيلية التي تخدع بصور تقدمها دليلاً على إسقاط صواريخ المقاومة، عبر بثها صور انفجارات في الجو أو مواقع اعتراض القبة للصواريخ، حيث تعمل القبة على إطلاق 2-3 صواريخ مع انطلاق كل صاروخ من غزة للتصدي له، وفي حال عدم التصدي يعمل صاروخ القبة بنظام الانفجار الذاتي على مسافة ستة كيلومترات في الجو، حتى لا يكمل سيره ويسقط على أحد التجمعات الإسرائيلية.
ورغم حالة النشوة التي يشعر بها مؤلفا الكتاب من أداء القبة الحديدية، فإنهما ينبهان المستويين السياسي والأمني في تل أبيب إلى أن هذا الانبهار قد لا يكون في محله.
فرغم تحقيقها نجاحات كبيرة في المستوى العملياتي وعلى صعيد الرأي العام، فإن القبة أعطت حلاً مؤقتاً لمعضلة إطلاق الصواريخ، ولم تتمكن من القضاء عليها بشكل كليّ، وتم تسجيل خسائر في بئر السبع وأسدود، وفشلت في منع الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية، رغم أن أموالاً لا حصر لها صرفت عليها بعيدا عن موازنة الحكومة.
ولذلك يحذر المؤلفان من أن النجاح النسبي للقبة الحديدية يؤكد فرضيات العسكريين بأن هذه المضادات الدفاعية لن تتمكن من حماية العمق الإسرائيلي، في حال اندلاع مواجهة شاملة يتعرض خلالها لقصف صاروخي من عدة جبهات.
كما أن الأداء العملياتي -الذي حققته القبة في المواجهة الأخيرة مع حركة حماس في غزة- لا يُمكن أن ينسحب على المواجهة القادمة، لأنها مخصصة للدفاع عن مواقع مختارة كالمطارات والمدن، وتبقى المنظومة في النهاية “قبة لا تغطي كل الرأس” ولا تسمى “خوذة حديدية”، بل إن الفلسطينيين في رسومهم الكاريكاتيرية باتوا يطلقون عليها “القبة الحريرية” دلالة على ضعفها!
نقطة في بحر
يقفز الكتاب -بصورة لا تخطئها العين- عن حقيقة مفادها أنه بموازاة ما يعتبرها نجاحات سجلها للمنظومة، فإنها لم تحل دون بقاء الإسرائيليين في الملاجئ وتعطيل الحياة اليومية الروتينية لأكثر من مليون منهم، مما أوصل القوى الفلسطينية المسلحة الممتلكة للصواريخ إلى قناعة بأن إسرائيل ضعيفة من حيث دُراتها الدفاعية، رغم أن عدم التكافؤ في قوى الجانبين يمنحها فرصة دفاعية ممتازة.
ثم ينتقل المؤلفان في توصيفهما لأداء القبة الحديدية خلال حرب غزة بالإشارة إلى جملة من العوامل والمعطيات، من أهمها: أن المنظومة لا تُشكل حلاً نهائياً لتهديد الصواريخ، والمنظومة العاملة في غلاف غزة تجد صعوبة في التغلب على القذائف الصاروخية، والطقس الجوي السيئ يشوش أعمالها. وفي المقابل، تتعقب حركة حماس كل نقاط الضعف هذه وتتعلم كيفية استغلالها!
هنا لا يقدم الكتاب إجابة شافية للتساؤل المحرج الذي طرحه بعض الجنرالات وهو: لماذا تستثمر إسرائيل مليارات الشواكل في المنظومة؟ حيث ستصمد أياماً معدودة أمام وتيرة إطلاق تصل ألف صاروخ في اليوم، بينما في منطقة الوسط -حيث تل أبيب، والتي تستوعب آلاف الصواريخ خصوصاً في اليوم الأول من الحرب- ليس لدى القبة أي قدرات دفاعية بسبب بعد المسافة، وفق تأكيد أحد ضباط ألوية الجيش الذي قال: عندما تتعدى وتيرة الإطلاق 300 صاروخ في اليوم، فسنضطر لاجتياز الحدود للإمساك بالمطلقين!
يهرب الكتاب من الإجابة عن هذه التساؤلات بتقديم عبارات إنشائية من قبيل أن الجيش يواصل تقييمه لأداء المنظومة، ويقدم تقارير مفصلة للحكومة، ويوضح جدوى إنتاج المزيد من وحدات إطلاق الصواريخ، خصوصاً أن الوضع على الحدود مع قطاع غزة لا يزال قابلاً للتصعيد في أي وقت، لكن التكلفة العالية ستزيد العبء على الميزانية، في حين يطالب الجمهور بتخفيض الميزانية العسكرية.
“رغم ما قدمه الكتاب من تفصيل مستطرد حول أداء القبة الحديدية خلال حرب غزة، فإنه أبقى السؤال الجوهري معلقاً في خاتمته الأخيرة، وهو: ماذا سيحصل في مواجهة شاملة يسقط فيها على مساحة إسرائيل ألف صاروخ يومياً من كل الاتجاهات؟”
مع العلم بأن عمليات الاعتراض الناجحة للقبة في عسقلان وبئر السبع “نقطة في بحر”، وربما تساعد على ترويج بيعها خارج إسرائيل لكنها لن تغير الوضع، فكل مستوطنات النقب الغربي متروكة لمصيرها، فهل سيكون هناك المزيد من بطاريات القبة لتطلق على أهداف أخرى، أم إن المنظومة ستدخل في صليات كثيرة من الصواريخ؟
يكتسب الكتاب أهميته من أمرين: أولهما النقاش الجماهيري في إسرائيل الذي دار حول أداء القبة خلال حرب غزة، وعدم قدرتها على صد جميع صواريخ الفلسطينيين، وحالة تبادل الاتهامات بين المستويين العسكري والسياسي بعد عدم إثبات كفاءة المنظومة خلال الحرب.
وثانيهما أن المؤلفيْن من الكتاب المرموقين في إسرائيل، فـإيلان كفير انخرط في الوحدات القتالية والهندسة والمظليين في الجيش، وشارك في حرب الأيام الستة 1967 وحرب “يوم الغفران” 1973، ثم تخرج من جامعة تل أبيب وحصل على شهادة العلوم السياسية، وشارك في إصدار السير الذاتية لعدد من الساسة الإسرائيليين، وكتابيْ “المعركة على جبل الشيخ”، و”الأرض حين اهتزت” عن حرب لبنان الثانية 2006.
أما دانيئيل دور فهو محاضر في قسم الإعلام بجامعة تل أبيب، وترأس المعهد الديمقراطي لمراقبة تغطية الإعلام الإسرائيلي للصراع مع الفلسطينيين، وحرب لبنان الثانية.
أخيراً..، رغم ما قدمه الكتاب من تفصيل مستطرد حول أداء القبة الحديدية خلال حرب غزة، فإنه أبقى السؤال الجوهري معلقاً في خاتمته الأخيرة، وهو: ماذا سيحصل في مواجهة شاملة يسقط فيها على مساحة إسرائيل ألف صاروخ يومياً من كل الاتجاهات؟ فقواعد سلاح الجو ستهاجم ولن تتمكن من العمل، ومحطات الطاقة والبنى التحتية الإستراتيجية ستضرب.
وماذا سيحصل لمستودعات المواد الخطرة؟ وهل سيتم إخلاء المدن المزدحمة؟ والأهم من كل ما تقدم: ماذا سيقدم الجيش القوي في الشرق الأوسط من حل سحري لإنجاح القبة الحديدية لمنع تكرار إخفاقاتها؟
عرض/ عدنان أبو عامر
المصدر : الجزيرة