بالتزامن مع إقرار البرلمان العراقي وبغالبية أعضائه الشيعة قانوناً يحول ميليشيات الحشد الشعبي إلى جزء من الجيش العراقي مع ضمان استقلاليتها، بل ويخولها ابتلاع الجيش العراقي مستقبلا بسبب ما تتمتع به من صلاحيات، بدأ نظام دمشق الإعداد لتشكيل فيلقه الخامس الذي أطلق عليه تسمية “اقتحام”، والذي سيتشكل من متطوعين لائقين لتأدية واجبهم في الدفاع عن النظام والانضمام إلى حشود الميليشيات الطائفية التي توافدت من ست دول على الأقل في واجب “جهاد مقدس” يهدف، أولا وأخيرا، إلى قمع الثورة الشعبية ضد نظام بشار الأسد، ومدّ أذرع إيران في بقاع جديدة.
يأتي الإعلان عن تشكيل هذا الفيلق بعد قرابة شهر من سؤال وجهته صحافية في صحيفة برافدا الروسية لرأس النظام عن السبب وراء عدم قيامه بالدعوة لنفير عام لمواجهة “الإرهاب”، ويبدو أن هذا ما بدأت روسيا بفعله بالتنسيق مع إيران التي تمتلك خبرة لا يستهان بها من خلال تشكيلها ميليشيات الحشد الشعبي في العراق، والتي جاءت بفتوى من المرجع الشيعي علي السيستاني، وتلونت بلون طائفي واحد كان هدفها المعلن وقتها محاربة داعش، قبل أن تتحول إلى تنظيم لا يقل وحشية عن تنظيم داعش بسبب العديد من الانتهاكات التي ارتكبتها في العديد من المناطق التي دخلتها، كما حدث في الفلوجة وتكريت، وما يحدث حاليا على أطراف مدينة الموصل، في ظل عدم وجود رقابة تقيد سلوكها وتجاوزاتها، فهي حشد مقدس كما لا يتورع عن تسميته غالبية السياسيين العراقيين المرتبطين بإيران، وسيتم تطبيق الأمر نفسه في فيلق الأسد الجديد الذي لا بد أن يستفيد بالمقابل من خبرة العديد من الميليشيات التي ستتولى تدريب عناصره، بل وقيادتهم في المعارك المزمع خوضها على الأرض.
ولن يكون مستبعدا أن يكون متطوعو الفيلق الجديد في غالبيتهم من لون طائفي واحد خاصة وأن المكون السني بات، سواء تم الاعتراف بذلك أم نفيه، يشكل عبئا ثقيلا على بنية سوريا المفيدة، كما أن تعرض قريتي كفريا والفوعة الشيعيتين لقصف جوي “مجهول المصدر” كما قالت وسائل إعلام النظام وحلفاؤه الروس، لا يمكن تفسيره إلا على أنه يصب في خانة التحشيد لتشكيل الفيلق من أبناء الطائفتين الشيعية والعلوية، ولن نستبعد وقوع بعض التفجيرات في مناطق سيطرة النظام ونسبتها إلى داعش كما حدث في مرات سابقة.
علما أن التهويل الإعلامي الذي رافق الإعلان عن تشكيل “الفيلق الخامس اقتحام” لا يكاد يختلف من حيث نوعيته وطريقته عن ذلك الذي رافق تشكيل ما يسمى بقوات الدفاع الوطني منتصف العام 2012، والذي كان يشرف عليه وبشكل مباشر قادة من الحرس الثوري الإيراني، أو حتى ذلك الذي رافق تشكيل الفيلق الرابع الذي يحمل بدوره تسمية اقتحام قبل قرابة عام من الآن.
ومع احتمال أن يبدأ الفيلق الجديد عمله خلال أشهر، فإن توقع المزيد من التدمير والأعمال الانتقامية هو أمر وارد، خاصة في ظل التفكك الحاصل في صفوف المعارضة وما تبقى من قوات الثوار على حد السواء، والتي تم تمزيقها بفعل معارك جانبية متلاحقة أو بسبب صراعات نشأت في ما بينها، وأدت إلى خسارتها العديد من المناطق، ولعل ما حدث ويحدث في حلب يؤكد ذلك، فالمدينة مرشحة وبقوة للخروج من سيطرة المعارضة خلال الأيام القليلة المقبلة في ظل التشديد الروسي أن لا شيء يمكن أن يوقف هذه العملية، والتي لم تمانع الأمم المتحدة من وصفها في تقارير عديدة بأنها كارثة كبرى، إلا أن هذا الوصف لن يغير من واقع الأمر شيئا، إذ لا قانون دوليا يستطيع إجبار موسكو لا على إيقاف القصف، بل حتى على السماح بإيصال المساعدات الطبية والإغاثية.
ورغم ما يبدو أنه مشهد يثير الذعر في بعض تفاصيله من التطورات التي ستطرأ لاحقا، إلا أنه يحمل في طياته دلالات لم تعد خافية، وهي أن قوات النظام السوري وجميع الميليشيات المتحالفة معها، وعلى الرغم من القصف الروسي المتواصل والذي تشارك فيه بالإضافة إلى الطائرات المقاتلة سفن وزوارق حربية وقواعد صواريخ تجثم على شاطئ المتوسط، إلا أن هذا المجموع الهائل من القوات مازال عاجزا عن تحقيق الحسم العسكري، الذي تعول عليه موسكو، وتعتبره خيارها الوحيد لإعادة تعويم النظام، بل إن المعارك مرشحة للمزيد من استنزاف قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها.
ولن يكون الاستيلاء على حلب نهاية المطاف، كما بدأ محور الممانعة يسوق لجمهوره، حتى لو حمل الأسد في طائرة حربية روسية ليتجول مزهوا بالخراب كما فعل في داريا، فمازال نصف السوريين على الأقل يؤمنون بأن الثورة سوف تنتصر طال الزمن أم قصر، فكيف يمكن إعادة شعب لديه هذا الإيمان إلى حظيرة النظام؟
ثائر الزعزوع
صحيفة العرب اللندنية