أصبح العراق بعد الاحتلال الأمريكي له في 9 نيسان/إبريل عام 2003م، ميداناً لتفريخ الارهاب وتحولت ساحاته وشوارعه الى مسرحاً للعمليات الارهابية التي اخفت كل معالم الحياة المدنية بهذا البلد بسبب الفراغ السياسي والامني الذي انتجه الاحتلال الأمريكي للعراق.
ولقد شهد هذا البلد منذ احتلاله وإلى يومنا الراهن تزايد أعمال الإرهابية وتهديد حياة المواطنين العراقيين، واندلاع أعمال العنف الطائفي التي هددت النسيج الاجتماعي في الدولة العراقية. وقد تنوع أشكال وأساليب الإرهاب في العراق من قتل واغتيال وسيارات مفخخة وصولا إلى ظهور تنظيم داعش بالعراق في حزيران/يونيو عام 2014م، الذي يعد أعلى مراحل الإرهاب فيه وأشدها بطشاً وقسوة، وعلى الرغم من خطورته إلا أنه لا يعد التنظيم الإرهابي الوحيد الذي يبعث في أمن واستقرار العراق وإنما هناك جهات أخرى تساعده بشكل أو بآخر في هدفه البغيض.
في الوقت الذي كان فيه مجلس النواب العراقي يستعد لإقرار مسودة قانون الحشد الشعبي في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، فبحسب معلومات حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية ” ففي 25 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي نصبت مفرزة من استخبارات الداخلية كمين داخل سيطرة بوابة بغداد خروجاً إلى محافظة ديالى وألقت القبض على كل من ” سعد مجيد حسين أحمد الحسيني يسكن ديالى- بعقوبة يعمل كاسب ويدعي بأن رتبته نقيب في الحشد الشعبي” و”بشير محمد حيدر قمبر الخفاجي يدعي بأنه آمر لواء بالحشد الشعبي يسكن البصرة المعقل” مع العجلات التالية ” عجلة نوع فورد سوبر ديوتي دبل قمارة بدون أرقام لون خاكي، عجلة نوعGMC سوداء اللون بدون لوحات” يحملون كتب مزورة تابعة للحشد الشعبي والمظبوطات كالآتي” صاروخ كاتيوشا إيراني المنشأ “107-63″ عدد/6، عتاد ففتي كال عدد/92 علبة كل علبة تحتوي 132 إطلاقة، صاروخ قاذفة روسي الصنع RBG7 عدد/69، قنبرة هاون عيار 81ملم عدد/12 منشأ روسي، قنبرة هاون عيار 82ملم عدد/5، قنبرة دخان هاون عيار 81ملم عدد/3، حشوة دافعة لصاروخ قاذفة عدد/69، صواعق صاروخ كاتيوشا عدد/26، سبطانة دوشكة 12.7ملم عدد/10، عتاد مدفع 23ملم عدد/22 حاوية، عتاد رشاشة ثقيلة 14.5ملم عدد/34حاوية”
هذا الأمر مثير جدا للقلق ويجعل من العراق دولة ومجتمعاً أشبه بالحافلة المفخخة تسير في كل محافظات العراق فلولا هذا الجهد الاستخباراتي الذي تمكن من إلقاء القبض على هذين العنصرين لاستطاعا بما لديهما من أسلحة من اسقاط محافظة ديالي بكاملها. ومن ثم كل كل طائفي وقومي سيلقي بالتهمة على الآخر كونه هو السبب في هذا الدمار الذي لحق بمحافظة ديالى. شخصان كان بامكانهما خلق فتنة طائفية جديدة في محافظة ديالى ولا أحد سيعرف من يقف وراء تلك الجريمة البشعة في حال ارتكابها هل هي جهة سُنية أم شيعية أم كردية، وتفتح باب الأسئلة والتحليلات والتخمينات والتأويلات إلى ما لا نهاية وسينتهي الأمر بها دون التوصل إلى الفاعل أو الجهة التي تقف وراء ذلك العمل الإرهابي وبذلك يشبه العمليات الإرهابية السابقة التي وقعت في مختلف أنحاء العراق دون الوصول للجاني، ومنها على سبيل المثال تفجير حي الكرادة في بغداد في شهر رمضان الماضي إذ سقط مئات الشهداء ولا يزال البحث المستمر عن الجاني !! أما المجني عليه “المواطن العراقي” في العراق ما بعد عام 2003م فهو دوماً من يدفع ثمن الاختلافات الطائفية والسياسية بين القوى والأحزاب السياسية فيه من دمه وماله وعرضه وحياته.
في 26تشرين الثاني/نوفمبر الماضي صوتت مجلس النواب العراقي لصالح مسودة قانون الحشد الشعبي وبذلك اعتبر هذا الحشد مؤسسة عسكرية حكومية، لكن المستغرب قبل يوم واحد من التصويت لصالح المسودة يتم تزوير كتب صادرة عن الحشد الشعبي وفي هذا السياق نتساءل: كيف يمكن أن يحدث ذلك وبهذه البساطة، ونمضي مع فرضية كون هذه الكُتب حقاّ مزورة من قبل جهة غير معلومة لغاية الآن، إلا أن هذا الأمر يعد اختراقاً خطيراً لمؤسسة عسكرية يناط بها حماية العراق ومقدراته وأعيانه وليس التسهيل في تدميره فلولا الجهد الاستخباراتي لاستطاع ذلك العنصرين بما يمتلكانه من كُتب مزورة تجاوز سيطرة بوابة بغداد باتجاه محافظة ديالى للقيام بعملهما الإرهابي المشين.
مما لا شك فيه يعد محاربة تنظيم داعش وتطهير العراق منه واجباً وطنياً ودينياً وتحقيق الانتصار عليه يعد احتفالاً يحق لكل الشعب العراقي الاحتفال به ولا تتوانى الحكومة العراقية والإعلام العراقي من بث هذه الانتصارات على شاشة التلفاز، سواء في إظهار خسائر ذلك التنظيم أو العناصر التي تم القاء القبض عليهم، كذلك الأمر يتعلق أيضاً بذلك العنصرين فهما لا ليس أقل بشاعة وخطورة على الدولة والمجتمع العراقي، فداعش يتشابه مع هذين العنصرين إلى حد التطابق فكلاهما يهدفا إلى قتل الشعب العراقي وتأجيج الصراعات الطائفية بينهما وكلاهما يهدفا أيضاً إلى تشريد الشعب العربي والقضاء على أي محاولة مصالحة حقيقية بين مكوناته الدينية والقومية تلك المقومات التي شكلت العراق عبر التاريخ وأقامت على أرضه العديد من الحضارات الإنسانية إذ تعتبر حضارات العراق من الحضارات الإنسانية الأصيلة.
لذا من حق المواطن العراقي على حكومته وأجهزتها الأمنية أن تظهر هذين الشخصين على شاشة التلفاز وهما يدليا باعترافاتهما ومن حق المواطن العراقي أيضاً أن يعرف الجهات الإرهابية التي تقف ورائهما سواء كانت جهات عراقية أو إقليمية أو دولية ولا يصح التستر عليهما. نعم داعش هو عدو العراق وعدو وجوده وعدو الإنسانية لكن من يفجر في العراق من عناصر غير منتمية لذلك التنظيم أيضا عدو له إختتلافا في تسميتهما الإرهابية واتفقا في هدفمها الإرهابي ألا وهو قتل العراق.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية