استضافت المنامة، يومي 6 و7 ديسمبر، أعمال الدورة الـ37 لقمة دول مجلس التعاون الخليجي. وقد حملت القمة صفة عادية، في سياقها العام، لكنها حملت في سياقها الخاص، صفة الاستثنائية، بدءا من رمزية المكان الذي عقدت فيه، وهو العاصمة البحرينية، أكثر الجهات الخليجية تضررا من التدخلات الإيرانية، مرورا بالمشاركة البارزة لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في القمة.
ويعتبر حضور ماي في القمة الخليجية حضورا مزدوج الرسائل، يعكس من جهة الرغبة البريطانية في تصحيح المسار الخليجي البريطاني، وموافقة أمريكية عليها ومن جهة أخرى يعكس الانفتاح والتغير في السياسات الخليجية، وأساسا في شكل القمم التي لم تعد مجرد اجتماعات سنوية، بل باتت مناسبة لتقييم الأوضاع ومراجعة التحديات وتحديد السياسات العامة، التي تحمي الخليجيين مع الأخذ في الاعتبار خصوصية كل دولة.
تأتي مشاركة رئيسة الوزراء البريطانية في القمة الخليجية بعد عام من مشاركة مماثلة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي كان اول رئيس دولة غربي يحضر اعمال القمة منذ ولادة مجلس التعاون عام 1981.وشارك الرئيس الاميركي باراك اوباما في نيسان/ابريل الماضي في قمة خليجية في الرياض، في محاولة لطمانة دول الخليج حيال الانفتاح الاميركي على ايران مع التوقيع على الاتفاق النووي الذي يخشى قادة الخليج ان يؤدي الى تدخلات ايرانية اضافية في المنطقة.
حضرت رئيسة الحكومة البريطانية الجديدة، تيريزا ماي، اجتماع قادة الدول الخليجية، وأدلت بكلمة دالّة، ثرية، تناولت فيها الماضي والحاضر والمستقبل.الزعيمة السياسية المحافظة، كانت وزيرة للداخلية عدة سنوات، وتعرف طبيعة المخاطر الأمنية التي تشكلها عصابات الفوضى، وتعرف جيدًا الدول التي تغذّي الفوضى وتستثمر في الإرهاب.كانت واضحة وهي تتحدث عن أن المملكة المتحدة تعرف من هم أصدقاؤها ومن هم غير ذلك، وعادت بالذاكرة إلى الوراء عدة قرون، تخبرنا عن العلاقات البريطانية التاريخية مع هذا البحر العربي ودول الجزيرة العربية، كانت ذكية في اختيار المناسب من هذه الذكريات، فركزت على الشراكة الاقتصادية القديمة من خلال شركة الهند الشرقية التاريخية 1660.
دشّنت قمة دول مجلس التعاون الخليجي في البحرين استئناف دور بريطانيا التقليدي قبل استقلال عدد من الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون – الذي عُرِف بديبلوماسية البوارج Gunboat Diplomacy، وأطلقت قمة المنامة اتفاقاً خليجياً – بريطانياً لردع إيران وشراكة استراتيجية لمواجهة التهديدات الأمنية والتزاماً بريطانياً بحماية أمن الدول الخليجية الست. رسالة رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي خلال حلولها ضيفة شرف على القمة الخليجية الأسبوع الماضي، كانت بالغة الوضوح، إذ قالت: «رخاؤكم هو رخاؤنا تماماً مثلما أن أمن الخليج هو أمننا»، مؤكدة: «إنني مفتوحة العينين حيال التهديد الذي تمثله إيران للخليج والشرق الأوسط على نطاق واسع»، ومتعهدة بـ «العمل سوياً لردع تصرفات إيران العدوانية في المنطقة سواء كان ذلك في لبنان، اليمن، سورية، أو الخليج نفسه». آلية تنفيذ التعهدات البريطانية هي في توسيع القاعدة البحرية البريطانية وتعزيزها في البحرين بتسهيلات كبرى في الحكومة في البحرين وبإطلالة مهمة على كامل منطقة دول مجلس التعاون الخليجي.
جاءت القمة الخليجية، التي ترأسها الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، هذا العام في خضم ظروف حاسمة ووسط ظروف غير مسبوقة، حيث هناك حزمة كبيرة من القضايا المصيرية، وبلغ الاستقطاب الدولي درجة مرتفعة، وأخذت قوى التطرف والإرهاب تزداد شراسة، فضلا عن المخاطر والتهديدات التي تسببت فيها التوجهات والممارسات الإيرانية في المنطقة، والتحديات الاقتصادية عقب الانخفاض الملحوظ في أسعار النفط.لئن لم يولد الاتحاد الخليجي بشكل ملموس وواقعي، وكما طالب به العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبدالعزيز (2015-2005)؛ خلال قمة الرياض، في ديسمبر 2011، فإن البيان الختامي للقمة وتصريحات القادة الخليجيين يؤكدان على أن جدية التكامل بين دول الخليج العربي، وعدم تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى الاتحاد الخليجي لا يعني أن المجلس بشكله الحالي غير قادر على أن يكون التكتل القوي السادس على مستوى العالم، كما سبق وأعلن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وفيما أجل الحالمون بالاتحاد الخليجي آمال تحقيق حلمهم إلى قمة العام القادم في الكويت، عسى أن تقتنع سلطنة عمان، المعارضة لهذه الفكرة، كانت هناك إشادة بالتقدم على مستوى “تحقيق التكامل الدفاعي بين دول المجلس بهدف بناء شراكة استراتيجية قوية، وإقامة منظومة دفاعية فاعلة لمواجهة مختلف التحديات والتهديدات، والخطوات التي تحققت لإنشاء القيادة العسكرية الموحدة”.ويشير مراقبون إلى أن دول الخليج العربي انتقلت فعلا من مرحلة التفكير في التسليح إلى مرحلة التفكير في ضرورة استخدام هذا السلاح عند الحاجة، خاصة وأن سياسة حسن الجوار لم تعد تفيد مع إيران، التي ترى فيها ضعفا وعدم قدرة خليجية على الرد.
وقد توجهت التحذيرات التي خرجت بها القمة مباشرة إلى إيران؛ حيث دعاها قادة دول الخليج العربي إلى تغيير سياستها في المنطقة بالالتزام بقواعد القانون الدولي، وأعربوا عن “استنكارهم لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس”.ودعمت هذه التحذيرات رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي قالت أمام قادة دول الخليج المجتمعين إن بريطانيا ستساند الدول الخليجية في “التصدي لعدوانية” إيران، متعهدة بترسيخ “شراكة استراتيجية” مع هذه الدول، التي ترى ماي في تغير عقيدتها الدفاعية سوقا مربحة للاستثمار في مجالات التسليح والتدريب، خصوصا في ظل الخلافات مع الولايات المتحدة، التي تقاربت مع إيران.
وقالت ماي، تشارك في القمة الخليجية، “علينا (…) أن نواصل مواجهة الأطراف (…) التي تزيد أفعالها من عدم الاستقرار في المنطقة”. وأضافت ماي “أود أن أؤكد لكم أنني على دراية تامة بالتهديد التي تمثله إيران بالنسبة إلى الخليج ومنطقة الشرق الأوسط”. وتابعت “علينا العمل معا من اجل التصدي للتصرفات العدوانية لإيران في المنطقة”.
زيارة رئيسة الوزراء البريطانية إلى المنامة كانت الأولى لها في منطقة الخليج، وحملت عنوان «عودة بريطانيا إلى الخليج»، وفق تعبير مراقب سياسي خليجي مخضرم. هذه عودة أتت في وقتها، كما يراها أهل الخليج وبالذات أهل البحرين التي تُعتَبر «الخاصرة الرخوة» للتدخل الإيراني في شؤون الدول الخليجية. فوجود بريطانيا بزخم في القاعدة البحرية في البحرين يضمن للأخيرة رادعاً يُحسب له حساب من جميع المعنيين وبالذات إيران. فالبحرين في حاجة إلى شريك يفهم تركيبة البحرين وله علاقات تاريخية معها يمكن الاعتماد عليه.
هذا لا يعني أن البحرين أو دول مجلس التعاون الخليجي قررت الاستغناء عن العلاقات الأمنية التاريخية مع الولايات المتحدة أو استبدال الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة بالشراكة مع بريطانيا حصراً. وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة كان واضحاً بتأكيده أن الشراكة الاستراتيجية المعززة والموسعة مع بريطانيا ليست رداً على أي انسحاب أميركي من المنطقة، ولا مؤشراً إلى استغناء الدول الخليجية عن العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، ولا هناك أي عزم على استبدال هذه بتلك. ثم إن البيان الختامي لقمة المنامة تضمن التطلع إلى «تعزيز العلاقات التاريخية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة».
هذا لا ينفي واقعاً واضحاً على رغم أمل الدول الخليجية بتجديد الاهتمام الأميركي التقليدي بها، وهو أن بريطانيا اتخذت قرار عدم انتظار وضوح السياسات الأميركية المجهولة نحو منطقة الخليج. أخذت بريطانيا المبادرة لإزالة أي غموض أو تردد حول العلاقات البريطانية – الخليجية التي تريدها حكومة تيريزا ماي، بالذات في أعقاب «بريكزيت»، وقوامها التزام مؤسساتي بتوسيع الشراكة الخليجية – البريطانية وتوطيدها على كافة الصعد عبر حوارات استراتيجية ومؤسساتية شمولية أركانها الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا والمعلومات الاستخبارية. أتى هذا في خضّم الشكوك الخليجية في السياسات الأميركية نحوها بالذات في عهد باراك أوباما، وعشية الترقب لما في جيب دونالد ترامب. أتت الطمأنة البريطانية في الوقت الذي كانت دول مجلس التعاون الخليجي في أشد الحاجة إلى تأكيد الترابط بينها وبين قوة غربية مهمة.
في حوار لها مع تركي الدخيل بقناة «العربية» أكدت رئيسة الوزراء البريطانية أن دول الخليج حليفة لنا، أما إيران، فلا. وزادت «حفظ أمن الخليج وازدهاره هو حفظ لأمن بريطانيا وازدهارها». وتحدثت عن عودة الحضور البريطاني، من خلال تدشين قاعدة عسكرية في البحرين، وتأكيد التحالف النوعي مع دول الخليج، ومهاجمة السياسات الإيرانية الشريرة.من هو المساهم الحقيقي في الحرب على الإرهاب، ومن هو الصانع له، في اللحظة التي يتهم فيها غيره بدعم الإرهاب! نعني مثلاً مقالة وزير خارجية النظام الخميني، ظريف، سيئة الذكر في جريدة «نيويورك تايمز»؟السيدة ماي كشفت في كلمتها أمام قادة الخليج أن السعودية ساهمت في إنقاذ مئات الأرواح البريطانية، عبر التعاون الأمني بين السعودية وبريطانيا. يبدو أن عهود التشويش الإيراني، ومعه الخذلان الأوبامي، لم تفلح في تزييف الواقع، والواقع يقول إن المصالح التي تربط بين بريطانيا، ودول الخليج والسعودية، في كل مجال، أكبر من إمكانية تجاهلها. صحيفة «الديلي تلغراف» نشرت مقالاً ذكرت فيه أن «بريطانيا تعتمد بشكل كبير على المعلومات الاستخباراتية التي تحصل عليها من قبل السعودية لإبقائها آمنة»، مؤكدة أنه «وسط هذه الظروف، علينا العمل مع السعوديين وليس توجيه اللوم لهم». ناهيك عن التعاون الاستخباراتي الخليجي -البريطاني المشترك في مجال مكافحة التظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية.
كان و-لايزال- هناك نظرة شك وريبة وعداء متبادل بين الحكومات البريطانية المتعاقبة وحكومة ولي الفقيه فبحسب مؤشرات لمركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية بأن “علي خامئني” مرشد الثورة الإيرانية غير مرتاح من السلوك البريطاني رغم أن المملكة المتحدة كانت من الدول الداعمة للاتفاق النووي وسعيها المتواصل لتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي بشكل خاص والشرق الاوسط بشكل عام. لكن يبدو أن النظام الايراني لم يؤخذ الدرس بشكل جيد من اسقاط نظام الحكم في العراق عام 2003م.
يُعد الخروج البريطاني الوشيك من الاتحاد الأوروبي والسعي للبحث عن بديل، بالإضافة إلى النظر إلى دول مجلس التعاون الخليجي بوصفها أكبر مستورد للبضائع البريطانية، ومصدرا كبيرا للطاقة؛ كلها أسباب وراء حضور رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي القمة الخليجية في البحرين. لعل الحكومة البريطانية استنتجت أن أفضل وسيلة تعويض لها عن خسائرها المحتملة نتيجة انسحابها من الاتحاد الأوروبي، تكمن في دول مجلس التعاون الخليجي. تيريزا ماي تعهدت بالعمل الدؤوب على إبرام اتفاقية تجارة حرة بين بريطانيا ودول مجلس التعاون ورسالتها إلى القمة الخليجية كانت: لقد حان الوقت لإعادة تأكيد الالتزام القاطع بالعلاقة البريطانية – الخليجية على المستويات كافة لتحقيق الأمن والازدهار والاستثمار، ذلك أن «رخاءكم رخاؤنا كما أمنكم هو أمننا».
فهي فرصة للشراكة فدول الخليج هي ثاني أكبر مستورد غير أوروبي للبضائع والخدمات البريطانية، بينما تبلغ قيمة الاستثمارات الخليجية في بريطانيا 150 مليار جنيه إسترليني (الجنيه يساوي 1.26 دولار). وتعد هذه القمة الخليجية البريطانية فرصة للزعيمة البريطانية للتعبير عن رغبة بلادها في توطيد شراكتها التجارية وعلاقاتها التاريخية مع هذه الدول، لا سيما أن بلادها تبدو في حاجة ماسة إلى منافذ تجارية بعد خروجها من اتحاد يتفاوض نيابة عن أعضائه.وبحسب كيث بويفيلد المستشار في شؤون اقتصاديات ما بات يعرف بالبريكست (الخروج من الاتحاد الأوروبي)، فإن هذه المبادرة البريطانية ترتبط بدور بريطانيا المتنامي في البحرين، لا سيما بعد إنشاء أول قاعدة عسكرية للبحرية الملكية البريطانية في البحرين.
ويقول بويفيلد إن بريطانيا تبحث تعزيز علاقات تجارية أقوى مع دول الخليج بعيدا عن الاتحاد الأوروبي، وأضاف أن وزير التجارة الدولية البريطاني ليام فوكس “لديه اهتمام كبير بدول الخليج”، التي تعد من أهم مصادر الطاقة العالمية، مشيرا إلى أنه من المثير للاهتمام أن هذه الحكومة تدافع عن بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية”. هذا من شأنه أن تكون لندن مركزاً لاستثمار صناديق التحوط الخليجي وصناديق الاستثمار أيضاً.