قالت مصادر عراقية مطّلعة إن قيادات الجيش العراقي بدأت تقتنع بضرورة إدخال ميليشيات الحشد الشعبي لكسر التقدم البطيء للعمليات في الموصل وخاصة في الساحل الأيسر، وذلك في ظل تكتيكات التنظيم المتشدد القائمة على المباغتة والسيارات المفخخة.
ولم تستبعد المصادر في تصريحات لـ”العرب” أن يقوم رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال الأيام القادمة، بصفته قائدا عاما للقوات المسلحّة العراقية بتوجيه أمر رسمي لعدد من فصائل الحشد الشعبي والمتمركزة في الوقت الراهن بجبهات خلفية، بالتقدّم صوب المدينة للمساعدة في “تحريرها” بعد أن تعذّر ذلك على القوات الحكومية.
ويؤكد ضباط ميدانيون في الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب أن هناك نقصا واضحا في عدد القوات اللازمة لحسم المعركة، مشيرين إلى أن القطعات العراقية تعرضت في أربع حالات على الأقل إلى هجمات من خطوطها الخلفية في الساحل الأيسر، أي من المواقع التي يفترض أنها مؤمنة.
ويمنع نقص القوات إجراء عمليات تمشيط واسعة في المناطق التي تمت استعادتها، ويعرقل إدامة الضغط على خطوط التنظيم.
ومنذ ثلاثة أيام، غيرت القطعات العسكرية في الساحل الأيسر خطط تقدمها، من الزحف الأفقي في جبهة يبلغ عرضها نحو ثلاثة كيلومترات، إلى التقدم العمودي، أي الدفع بالقوات نحو هدفها على شكل رتل طويل، واختراق مناطق يسيطر عليها داعش.
وحقق هذا التكتيك تقدما مفاجئا الخميس، إذ بلغت القوات العراقية نقطة لا يفصلها عن نهر دجلة سوى ألف متر، عند مستشفى السلام وحي الوحدة، في الساحل الأيسر، لكن ذلك كلفها، في الوقت نفسه، خسائر بشرية ومادية كبيرة.
واضطرت تلك القطعات إلى الانسحاب، لأن هجمات داعش لم تتوقف على جناحيها، وما إن عادت إلى أطراف حي سومر، حتى تبين أنها خسرت ما لا يقل عن سبعين جنديا ونحو مئة جريح، وآليات عديدة، بينها دبابة أميركية الصنع من طراز أبرامز.
وقد تكون تلك الخسائر وراء قرار السلطات العراقية بمنع الصحافيين الأجانب من مرافقة القطعات العسكرية إلى مواقع القتال المتقدمة، كما كان يحدث خلال الأسابيع الخمسة الأولى من المعركة، والاقتصار على الصحافيين المحليين.
وتشير المصادر لـ”العرب” إلى أن طريقة “الدفع العمودي بالقوات” هي التي ستتبع خلال الأيام القادمة من قبل القطعات العراقية في الساحل الأيسر، برغم عدد ضحاياها المرتفع.
وتشير تقديرات عراقية إلى أن استمرار الضغط على داعش في هذا المحور، سيحقق عدة أهداف في وقت واحد؛ فهو يمنع التنظيم من إعادة ترتيب صفوفه، ويضمن بقاء القتال في نقطة محددة من الموصل، وعدم انتقاله إلى مناطق أخرى، لا سيما بعد الدمار الهائل الذي أصاب عددا من أحياء الساحل الأيسر بفعل القتال، وهناك أحياء سويت كليا بالأرض، كحي المحاربين.
وتقول تلك التقديرات إن التنظيم تكبد خسائر أكبر بكثير من القوات العراقية، وهو ما يحول عملية صموده إلى أمر مستحيل.
وتؤكد مصادر حكومية عراقية أن داعش خسر في معارك حي الوحدة ومستشفى السلام، نحو 80 عنصرا مع عدد كبير من الجرحى، فضلا عن الدفع بثلاثة عشر انتحاريا وتسع سيارات مفخخة.
واضطر التنظيم إلى نقل عدد من عناصر نخبته وانغماسييه الذين يحرسون مواقع حساسة في الساحل الأيمن، إلى مواقع القتال في الساحل الأيسر، تحسبا لموجات هجوم عراقية جديدة.
ويتطلب استمرار الضغط قوات كافية، لذلك بدأ بعض الضباط يتحدثون عن إشراك الحشد في مواقع الساحل الأيسر الخلفية لتأمينها، وتحرير القوات التي تمسك الأرض هناك لتتمكن من إسناد الهجمات.
وسيعني إدخال الحشد إلى الموصل كسر الخطة الأميركية، بعد ضرب خطة “حذوة الفرس” (الخطة الأصلية) عرض الحائط، لكن ضباطا عراقيين يقولون إن ذلك هو البديل الوحيد عن تدمير بطيء للموصل.
ويذهب معارضون لمشاركة الميليشيات الشيعية في اقتحام الموصل، حدّ التشكيك في أن خطة اقتحام المدينة أعدتّ أصلا بطريقة “تضمن” فشلها بما يجعل من الاستعانة بالميليشيات أمرا لا مناص منه.
ويقول هؤلاء إنّ الحشد الشعبي بحد ذاته ساهم في تعقيد المعركة بسدّه المنفذ الغربي لمدينة الموصل الذي ترك مفتوحا بمقتضى الخطة الأصلية بغرض فتح طريق الهروب أمام عناصر داعش خارج المدينة حتى لا يكونوا جميعا مضطرين إلى القتال داخلها بشكل انتحاري ما يؤدي إلى دمارها ويعرّض المدنيين للخطر.
وقال مسؤول كردي مشارك في عملية التخطيط لمعركة الموصل “إذا حاصرت عدوك ولم تترك له مهربا فسيحارب حتى النهاية”.
وأضاف “في الغرب كانت الفكرة الرئيسة هي ترك ممر… لكن الحشد أصر على إغلاق هـذه الثغـرة لمنـعهم من الذهاب إلى سوريا”.
ويقول متابعون للشأن العراقي إنّ من اليسير تخيل سيناريو صفحة جديدة من معركة استعادة الموصل، يكون للحشد الشعبي دور رئيس فيها.
وإذا كانت الضغوط التي مارستها واشنطن على الحكومة العراقية قد أدت مؤقتا إلى استبعاد تلك الميليشيا من المشاركة القتالية، فإن تداعيات ذلك القرار لا تزال تتفاعل في أوساط التحالف الشيعي الذي
قد يضغط على حكومة العبادي لاستصدار قرار يمكن الحشد من المشاركة بفاعلية في الحرب.
ويسعى التحالف الحاكم للاستفادة من غياب القرار الأميركي في المرحلة الرمادية التي تفصل بين رحيل إدارة باراك أوباما وتسلم إدارة ترامب.
وتعمل آلة دعائية ضخمة على تلميح صورة الحشد وتضخيم دوره على حساب القوات النظامية، وتصويره في هيئة المنقذ للبلاد من داعش.
ومن شأن نجاح الحشد الشعبي في تحريك جبهة الموصل وتسهيل اقتحام المدينة أن يرسخ تلك الصورة، في وقت نجحت فيه جهات سياسية على تمرير قانون يحوّل الميليشيات إلى جيش نظامي.
صحيفة العرب اللندنية