رغم أن قرار رفع الفائدة الأميركية كان متوقعا على نطاق واسع، إلا أنه يمثل تحولا كبيرا في السياسات المالية للدول الكبرى الغارقة في سياسات التيسير النقدي وطباعة النقود، وخاصة في منطقة اليورو واليابان، ويمثل تحذيرا من خلق فقاعة عالمية قد تهدد مستقبل النظام المالي العالمي.لندن- ابتعـدت أسعـار الفائدة الأميركية عن جميع مثيلاتها في الدول الصناعية الكبرى، حين رفع مجلس الاحتيـاطي الاتحادي سعر الفائدة الأساسي بربع نقطة مئوية إلى 0.75 بالمئة، في وقت تتحرك فيه أسعار الفائدة في منطقة اليورو وبريطانيا واليابان قرب الصفر، وفي بعض البلدان مثل سويسرا والدول الإسكندنافية في المنطقة السلبية.
ويقول محللون إن القرار يقلب آفاق النظام المالي العالمي بسبب انفراد أكبر اقتصاد في العالم بتشديد السياسة المالية في وقت تتسابق الدول الصناعية الأخرى في سياسات التيسير النقدي وطباعة النقود، وخاصة في منطقة اليورو واليابان. ويرى البعض أن القرار يمثل تحذيرا وصافرة إنذار من خلق فقاعة عالمية قد تهدد مستقبل النظام المالي العالمي. وأرجع المجلس قرار زيادة الفائدة إلى تحقق توقعاته بشأن سوق العمل ومعدل التضخم.
وتباينت مواقف المحللين في الولايات المتحدة وخارجها من القرار، حيث حذر المنتقدون من أنه قد يؤدي إلى تباطؤ الاقتراض والنمو وتراجع التضخم في الولايات المتحدة إلى حدود السقوط في دوامة انكماش الأسعار. وتكتسب خطوة مجلس الاحتياطي الاتحادي زخما أكبر في
البيان الذي أصدره بالتزامن مع إعلان القرار وذكر فيها أنه يتوقع زيادة سعر الفائدة الرئيسية بوتيرة أسرع خلال العام الحالي.
جانيت يلين: رفع الفائدة يأتي نتيجة تحسن مؤشرات الاقتصاد ونتوقع المزيد من التحسن
وأشار البيان إلى أن 15 من بين 17 عضوا في لجنة السوق المفتوحة المعنية بإدارة السياسة النقدية في المجلس، يتوقعون ارتفاع سعر الفائدة مرتين على الأقل خلال العام المقبل بمقدار ربع نقطة مئوية في كل مرة. ويتوقع 12 عضوا في اللجنة الآن وصول سعر الفائدة إلى أكثر من 1.25 بالمئة خلال العام المقبل. وهذه هي الزيادة الثانية في أسعار الفائدة الأميركية بعد أن تم رفعها في ديسمبر 2015 بنسبة مماثلة لأول مرة في 10 سنوات.
وذكر المجلس في البيان أن “موقف السياسة النقدية مازال تكيفيا وذلك بدعم زيادة قوة سوق العمل والعودة بمعدل التضخم إلى 2 بالمئة، لكن التضخم لا يزال دون ذلك المعدل المستهدف”. وأشار إلى النمو الملموس للوظائف مع انخفاض معدل البطالة حاليا إلى 4.6 بالمئة، في حين يحقق النشاط الاقتصادي نموا بوتيرة معتدلة منذ منتصف العام الحالي، ويتوقع المجلس تطور النشاط الاقتصادي بطريقة تضمن الزيادة التدريجية لسعر الفائدة الرئيسية.
وسجلت أسواق الأسهم الأميركية وكذلك الأوروبية، أمس، ارتفاعا كبيرا بقيادة أسهم المصارف، التي تربك أسعـار الفائدة المنخفضة نشاطاتها المالية، في حين هبطت أسعار الذهب إلى أدنى مستوياتها في 10 شهور. وواصل الدولار ارتفاعه، أمس، ليصل إلى أعلى مستوياته في 14 عاما بعد أن قفز الأربعاء بنحو 0.8 بالمئة أمام سلة من العملات الرئيسية. وكما هو متوقع في تغيير لأسعار الفائدة الأميركية، نفذت دول مجلس التعاون الخليجي، التي تربط عملاتها بالدولار، رفعا فوريا على أسعار الفائدة، باستثناء سلطنة عمان.
ورفعت البنوك المركزية في كل من السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر، أسعار الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية، رغم أن الكويت تربط عملتها بسلة من العملات العالمية. ويتساءل العـديد من المـراقبـين عـن حجـم تأثير القـرار الأميـركي على السياسات المالية المفرطة في التيسير النقـدي مثل منطقة اليورو، التي تقبع أسعار الفائدة فيها قريبا مـن الصفـر، وذلـك في ظـل برنامج لـم يسبـق لـه مثيل لشراء الأصول وإغراق السوق بالسيولة النقـدية بهدف منع انكماش الأسعار.
كما تقود اليابان برنامجا واسعا للتيسير النقدي وتستقر أسعار الفائدة منذ عقود عند صفر بالمئة. بل إن دولا مثل سويسرا والسويد والدنمارك تفرض فائدة سلبية على ودائع المصارف لدى البنوك المركزية في سياسات تيسير نقدي لم يسبق لها مثيل. وقالت رئيسة المجلس جانيت يلين في مؤتمر صحافي، إن رفع سعر الفائدة في هذا التوقيت، يأتي نتيجة تحسن مؤشرات الاقتصاد الأميركي “ونتوقع استمرار التحسن خلال العام المقبل”.
العرب اللندنية