بيروت – يسعى حزب الله اللبناني إلى استثمار سقوط مدينة حلب لفرض الخيارات الإيرانية التي تمتد من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشق.
وتأتي العراقيل التي توضع لتعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية في إطار حصد أكبر حجم ممكن من المكتسبات التي ترجح كفّة إمساكه بالقرار اللبناني ابتداء بالحكومة الأولى لعهد الرئيس ميشال عون.
واعتبر متابعون لكواليس تشكيل الحكومة اللبنانية أن الرئيس المكلّف سعد الحريري فوجئ بتراكم الشروط التي يفرضها حزب الله من خلال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وإصراره على منح فريق الوزير الأسبق سليمان فرنجية حقيبة وازنة، ومن ثم المطالبة بتوسيع الحكومة من 24 وزيرا إلى 30 وزيرا.
ورغم أن مطلب توسيع الحكومة يُراد منه ضمّ الوزير طلال أرسلان والحزب القومي السوري الاجتماعي وحزب الكتائب، إلا أن المراقبين يرون في ذلك المطلب إغراقا للحكومة المقبلة، لا سيما لجهة الحصة القومية لأسعد حردان وحصة حزب الكتائب، بوزراء مسيحيين سيمثلون داخل الحكومة العتيدة ندا للثنائية المسيحية التي تشكلت بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
وذكرت أوساط قريبة من رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري أن الأخير يحاول عدم قلب الطاولة ويسعى إلى استيعاب المطالب متحريا التآلف الكامل مع رئيس الجمهورية.
وترى هذه الأوساط أن تأجيل تشكيل الحكومة هدفه أيضا تأجيل أي تواصل بين الرئيس عون والقيادة السعودية، من حيث أنه وعد بتلبية “زيارته الأولى” خارج لبنان إلى السعودية حال تشكيل الحكومة اللبنانية.
ولا تخفي الأوساط القريبة من حزب الله أن الحزب يرى في سقوط حلب مفصلا أساسيا يقلب موازين القوى لصالح دمشق وطهران، وأن الخطوات المقبلة ذاهبة إلى السيطرة الكاملة على ما أطلق عليه الرئيس السوري بشار الأسد اسم “سوريا المفيدة”، فيما ترجح خطط أخرى استهداف محافظة إدلب في العام المقبل.
هلال خشان: الإيرانيون سينشئون دائرة نفوذهم من العراق حتى لبنان
وتنقل هذه الأوساط أن حزب الله بحاجة إلى استثمار هذا “الإنجاز” داخل لبنان لاستيعاب الامتعاض المبطن لبيئة الحزب الحاضنة والتي دفعت غاليا ثمن تدخل الحزب في الحرب السورية.
ولاحظ مراقبون أن حزب الله هو الذي تولى الإفصاح عن امتعاض القيادتين السورية والإيرانية من اتفاق حلب الذي أبرم بين روسيا وتركيا، وبالتالي فإن العاصمتين تركتا للحزب التعبير عن تبرمهما، والكشف عن بداية ظهور أعراض خلاف على مستقبل سوريا بين روسيا من جهة وإيران من جهة أخرى.
وقالوا “إن إثارة بيان حزب الله لموضوع قريتي كفريا والفوعا الشيعيتين أتى مواكبا لكلام زعيم ميليشيا حركة النجباء عن أبناء الحسين في القريتين لاستثارة مشاعر طائفية في كل المنطقة لا علاقة لها بالمفاوضات الخاصة بمدينة حلب”.
في المقابل استغربت مصادر المعارضة السورية الإقحام المفاجئ لمسألة القريتين في حين أن المعارضة لم تقحم مناطق أخرى في سوريا.
واعتبر باحثون في الشؤون الإيرانية أن التورط الإيراني في سوريا هدفه ممارسة طهران سلطتها على مساحة واسعة في الشرق الأوسط تمتد عبر العراق وسوريا إلى لبنان، وهو قوس نفوذ كانت قوى عربية خاصة السعودية تحذر منه منذ سنوات.
وقال هلال خشان أستاذ الدراسات السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت “لا يخالجني شك في أن هذا القوس أو الهلال الشيعي سيتشكل، الإيرانيون سينشئون دائرة نفوذهم من العراق حتى لبنان”.
ونقل عن دبلوماسيين غربيين أن حزب الله يمثّل رأس الحربة التي تستخدمها إيران للتعبير عن خططها لتمتين مواقعها وتحالفاتها في المنطقة، وأن تفصيل تشكيل الحكومة اللبنانية يمثّل أعراض الخطاب الإيراني المقبل، لا سيما أن القيادة الإيرانية تبدي قلقا من المجهول الذي قد تفصح عنه إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
وترى مصادر إيرانية مراقبة أن طهران تحاول تليين الموقف الأميركي من خلال العقد الذي وقّع مؤخرا مع شركة بوينغ لشراء 50 طائرة خلال فترة 10 سنوات تصل قيمتها إلى 16.6 مليار دولار، لكنها تستبق أي مفاجآت من خلال فرض أمر واقع عراقي سوري لبناني مستغلة انشغال المجتمع الدولي بمكافحة تنظيم داعش، كما الميول التي بثتها مواقف دونالد ترامب بالتحالف مع الأسد في سوريا ضد الإرهاب.
وسربت مصادر دبلوماسية روسية امتعاض موسكو من موقف دمشق والميليشيات التابعة لإيران من الاتفاق الروسي التركي الأخير حول حلب.
ورأت هذه المصادر أن القيادة الروسية لم تجاهر بغضبها إزاء موقفي دمشق وطهران، لكن ذلك الغضب تم تسريبه إلى العاصمتين مما أدى إلى إعادة العمل بالاتفاق بعد تعديل شكلي ينقذ ماء وجه المعترضين.
ورأت أن التناقض الروسي مع إيران قد يأخذ أشكالا أكثر وضوحا كلما زادت مصلحة روسيا في استثمار جهدها في تموضعها الجديد في التعايش مع إدارة ترامب المقبلة، وأنه سيكون على إيران الاحتكاك مع الأجندة الروسية لثبيت أجندتها السورية وامتداداتها اللبنانية.
العرب اللندنية