لم ينتظر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب اتضاح ملابسات هجوم برلين ليعلن أنه مؤشر إلى ما يعتبره صراع أديان على الصعيد العالمي. لكنّ محللين يعتقدون أن ربط الإرهاب العابر للدول بصراع الأديان والثقافات لا يساعد في فهم طبيعة الظاهرة التي برزت إلى السطح كرد فعل على توحش العولمة والحروب التي خاضتها الدول الرأسمالية للسيطرة على منابع النفط والغاز.
وقال ترامب في بيان إن تنظيم “الدولة الإسلامية وغيره من الإرهابيين الإسلاميين يهاجمون باستمرار المسيحيين داخل مجتمعاتهم وأماكن صلاتهم في سياق جهادهم العالمي”.
وبذلك خالف ترامب نمط ردود فعل معظم القادة الغربيين على التطرف العنيف، لكنه بقي ملتزما بالخط الذي اتبعه في حملته الانتخابية.
واستخدم ترامب الخطاب نفسه للتنديد باغتيال السفير الروسي في تركيا الاثنين متهما “إرهابيا إسلاميا متطرفا” بإطلاق النار عليه.
والتشديد بهذه الطريقة على ديانة المهاجمين المفترضة يعكس خيارا متعمدا من ترامب لتمييز نفسه عن سياسة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما.
واعتبر محللون كلام ترامب تبسيطا لظاهرة الإرهاب المتنقل من الشرق إلى الغرب أو العكس، لافتين إلى أن الجماعات الإرهابية التجأت إلى الأفكار الدينية المتشددة لإضفاء “مشروعية” على أنشطتها، ولاستقطاب الأنصار في مناخ يميل إلى التشدد.
ويقول المحللون إن المتشددين في الشرق واليمين الشعبوي في الغرب وجهان معبران عن فئة الخاسرين من العولمة، وإن اختلفت طرق التعبير والمطالب بينهما.
وسبق أن أشار إلى هذا المنحى أنطونيو غوتيريس الأمين العام القادم للأمم المتحدة. وقال إن “الخاسرين من العولمة” في الدول الغنية يشعرون بتجاهل الساسة ممّا يدفعهم للتحول إلى أجندات قومية مثلما حدث في الانتخابات الأميركية والاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقال غوتيريس إن العالم يجب أن يعيد ترسيخ الحماية الدولية للاجئين القادمين من مناطق حرب مثل سوريا، لكنه أوضح أن هذا لن يكون سهلا مع تحول الدول المتقدمة إلى أجندات قومية.
وتنتظم المجموعات المتشددة بوعي أو دونه في خدمة أجندات خارجية وصراعات حول مواقع النفوذ، وهو ما يظهر جليا في العراق وسوريا.
وكان البابا فرنسيس قال في يوليو الماضي إن “العالم في حالة حرب، لكنها ليست حربا دينية، وإنما من أجل السلطة”.
وأضاف أن “العالم في حالة حرب لأنه فقد السلام.. لكن حين أتحدث عن حرب، فإني أتحدث عن حرب المصالح (الاقتصادية)، والمال والموارد الطبيعية، والهيمنة على الشعوب، وليس عن حرب أديان”، مؤكداً أن “كافة الأديان تريد السلام”.
لكن قناعات ترامب ومستشاريه مختلفة، فهم يرون أنه لا يمكن الانتصار على التطرف إلا إذا تم تعريفه على أنه نابع من الإسلام.
وحذر مراقبون من أن هذه القراءة ستعطي مشروعية في العالم الإسلامي لأفكار التنظيمات المتشددة، وخاصة لدى الجاليات المسلمة التي قد تجد نفسها مجبرة على الانتظام في معارك الهوية والثقافة رغم أنفها.
وأشار المراقبون إلى أن تسهيل عملية الاندماج بالنسبة إلى الآلاف من اللاجئين الهاربين من الحروب سيحصنهم من أيّ استقطاب. وبالمقابل، فإن تعطيل الاندماج لاعتبارات ثقافية أو دينية سيجعل أعدادا من هؤلاء اللاجئين صيدا سهلا للجهاديين.
وحث هؤلاء على ضرورة التفريق بين الجاليات والمتشددين، وتوظيف الجالية في محاصرة الفكر المتطرف بدل التعامل مع الجميع كأعداء مفترضين.
وتقول أوساط الجالية المسلمة إن بعض الدول رفضت أن تستمع إلى تحذيرات الجالية بالكف عن التساهل مع الأنشطة المشبوهة والتي ساعدت على تمدد أخطبوط المتشددين ليحوّل أوروبا إلى خزّان للجهاديين.
صحيفة العرب اللندنية