في 18 كانون الأول/ديسمبر، أي بعد شهرين على انتخاب حليف «حزب الله» ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، أعلن رئيس الوزراء سعد الحريري تشكيل حكومة جديدة تدعم إلى حدّ كبير الفصائل الحليفة لدمشق وطهران. وتمّ تعيين ثمانية “وزراء دولة” من أصل 30 وزيراً، مما يعني أنهم لن يضطلعوا بدور فعلي باستثناء استرضاء أحزاب سياسية معينة، علماً بأن الأحزاب الموالية لـ «حزب الله» حصلت على ثمانية عشر مقعداً، من بينها ثلاثة من أربعة مقاعد يُطلق عليها “الوزارات السيادية”.
ولا يُفترض بالحكومة الجديدة أن تستمر أكثر من ستة أشهر – حيث من المتوقّع أن تشرف على الانتخابات النيابية المقبلة التي تمّ تأجيلها بعد أن عجز النواب عن انتخاب رئيس جديد للبلاد في عام 2014 ومددوا ولايتهم حتى عام 2017. ونظرياً، يجب أن تركّز حكومة الحريري على صياغة قانون انتخابي وأن تحرص على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، لكن في الواقع لن تكون الأمور بهذه البساطة بالنسبة له.
فأولى العقبات التي سيواجهها هي إعداد بيان وزاري يعكس التوقعات الاقتصادية والسياسية للحكومة. ورغم أن هذا البيان ليس ملزماً، إلا أن الدستور ينص على أن أمام مجلس الوزراء ثلاثين يوماً لتقديمه إلى مجلس النواب من أجل نيل ثقته؛ وإلا سيتعذر على الحكومة ممارسة مهامها. وسيرفض «حزب الله» وحلفاؤه حتماً أي صيغة لا تقرّ بدور “المقاومة” في “حماية لبنان من الأخطار الخارجية”. كما سيرفض الحزب أي قانون انتخابي لا يضمن سيطرته ونجاح حلفائه في الحصول على مقاعد في المجلس النيابي القادم. ووفقاً لتقرير صحيفة “ديلي ستار” من الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر، بدأ مسؤولو «حزب الله» أساساً بالضغط من أجل صياغة قانون انتخابي نسبي يكفل تحقيق هذه الغاية.
وبالفعل، سيكون هذا التشريع المعركة الرئيسية للحريري، كما أن إعادة تعيين نهاد المشنوق وزيراً للداخلية – الوزارة التي تشرف على الانتخابات – تُعتبر خطوة هامة في هذا السياق. فالمشنوق هو عضو في «تيار المستقبل» الذي يرأسه الحريري، لذا فإن إشرافه على الانتخابات سيضمن على الأرجح مستوى معين من الشفافية والمحاسبة. غير أن تمرير قانون ينسجم مع أهداف «تحالف 14 آذار» الذي يدعمه رئيس الوزراء لن يكون سهلاً. وقد قدّم الحريري العديد من التنازلات خلال تشكيل الحكومة الجديدة لإنهاء الجمود السياسي الذي عاشته لبنان منذ وقت طويل، لذا قد لا يسامحه مؤيدوه وحلفاؤه لو قدّم المزيد من التنازلات في هذا التشريع أو أرجأ الانتخابات النيابية. فمن وجهة نظرهم، يَعتبرون أن مثل هذه الخطوة ستكون بمثابة تسليم لبنان أساساً إلى إيران.
غير أن الواقع يبقى أن «حزب الله» وحلفائه يشكّلون ما يقرب من ثلثي أعضاء مجلس الوزراء – وعلى الرغم من أنها حكومة يترأسها الحريري، إلا أنها تواجه خطر وقوعها تحت هيمنة حزب تدعمه إيران ومتورط إلى حدّ كبير في الحرب الجارية في سوريا المجاورة. ولن يساهم ذلك في إعادة لبنان إلى دائرة النفوذ السوري فحسب، بل سيزيد أيضاً من جر الدولة الهشة إلى نزاع طائفي إقليمي. لهذا السبب، لا بدّ من صياغة قانون انتخابي يضمن وجود برلمان أكثر توازناً في عام 2017 من أجل حماية لبنان من تداعيات الحرب.
وستشكّل وزارة العدل تحدياً كبيراً آخراً أمام الحريري. فبعد أن كان [اللواء] أشرف ريفي قائد شرطة متقاعد [والمدير العام السابق في قوى الأمن الداخلي] وأحد أعضاء «تحالف 14 آذار» الأكثر صرامة، قد شغل منصب وزير العدل سابقاً، فسيتولى هذا المنصب الآن سليم جريصاتي، محامٍ ساعد في الدفاع عن أفراد تابعين لـ «حزب الله» خلال محاكمة غيابية في لاهاي بتهمة اغتيال رئيس الوزراء السابق ووالد سعد الحريري، رفيق الحريري. ولا شكّ في أن هذا الأمر ليس مطمئناً من حيث تحقيق العدالة، وهي القيمة الرئيسية التي أنشئ على أساسها «تحالف 14 آذار». ومن المستبعد إلى حدّ كبير أن يواصل جريصاتي عمل سلفه في إنجاز مهمة محكمة لاهاي أو محاسبة النظام السوري على الجرائم الوحشية التي ارتكبها في لبنان. فعلى سبيل المثال، قد يتجاهل على الأرجح قرار المحكمة العسكرية الاتهامي الصادر في أيلول/سبتمبر بحق اثنين من ضباط المخابرات السورية المتورطين بتفجير مسجديْن في طرابلس عام 2013 – تلك الهجمات الأكثر دموية في المدينة منذ انتهاء الحرب الأهلية في لبنان عام 1990.
ولا يُعتبر الحضور الكثيف للسياسيين الموالين لإيران والأسد في الحكومة الجديدة واعداً، ويكشف نوايا طهران في إبقاء لبنان تحت سيطرتها. لكن لا يزال بإمكان الحريري وحلفائه تحسين الأوضاع عبر الضغط لصياغة قانون انتخابي يؤدّي، عاجلاً وليس آجلاً، إلى تشكيل مجلس نيابي أكثر توازناً. وهذه هي الطريقة الوحيدة لتجنب مستقبل تشوبه الهيمنة الإيرانية والسورية.
حنين غدار
معهد واشنطن