بدأت أسعار النفط ترتفع قبل تنفيذ الدول الأعضاء في «أوبك» وخارجها قرارها بتخفيض ١.٨ مليون برميل في اليوم ابتداء من اول الشهر المقبل. فمنذ قرار «اوبك» الأخير بقي سعر برميل النفط يتراوح بين ٥٠ و٥٥ دولاراً في سوقي لندن والولايات المتحدة. وتوقع وزير الطاقة السعودي خالد الفالح الأسبوع الماضي تحسن اسعار النفط السنة المقبلة مع إزالة الفائض النفطي في الأسواق نتيجة قرار أعضاء «اوبك» وخارجها بتخفيض الإنتاج. ومن الواضح ان اسواق النفط وصناديق التحوط راهنت على ارتفاع الأسعار على المدى الطويل. ولكن هذا الارتفاع سيف ذو حدين اذ ان منتجي النفط الصخري في اميركا يراقبون هذا التطور وما اذا كان سيستمر ليستعيدوا نشاطهم الاستكشافي في شكل مكثف.
بعد انخفاض أسعار النفط في السنة الأخيرة شهدت اميركا انخفاضاً كبيراً في انتاج النفط الصخري مع افلاس شركات صغيرة ذهبت تنقب عن النفط الصخري في مختلف الأماكن الأميركية. اما الآن ودونالد ترامب يستعد لتولي الرئاسة بعد أن وعد خلال حملته الانتخابية انه سيزيل العراقيل المالية والقوانين التي تعيق انتاج النفط في مختلف انحاء اميركا، فمن المتوقع ان يمثل ذلك حافزاً لعودة نشاط منتجي النفط والغاز الصخري خصوصاً إذا وصل سعر النفط الى ٦٠ دولاراً للبرميل في ٢٠١٧. اضافة الى ان ارتفاع قيمة الدولار الذي بدأ مع انتخاب ترامب سيشجع الاستهلاك المحلي.
حدثت فورة النفط الصخري في اميركا التي ادت الى انخفاض سعر النفط في منتصف عام ٢٠١٤. واليوم ودول «اوبك» تسعى الى رفع سعر النفط للبرميل هناك تخوف من عودة النفط الصخري بكثافة ما قد يؤدي الى فائض آخر يهدد مستوى سعر النفط. فالولايات المتحدة تنتج حالياً ٨.٨ مليون برميل في اليوم وهو المستوى نفسه الذي انتجته منذ سنتين. ووفق وكالة الطاقة الأميركية شهد قطاع الإنتاج والتنقيب في اميركا منذ ايار (مايو) الماضي زيادة ٢٠٠ آلة حفر بعد تحسن اسعار النفط وقرارات «اوبك». الا انه لم يكن امام «اوبك» خيار آخر غير تخفيض الإنتاج لأن عائدات الدول الأعضاء في المنظمة انخفضت الى ٥١٨ بليون دولار في ٢٠١٥ من مستوى ٩٥٦ بليوناً في ٢٠١٤. وقدر صندوق النقد الدولي ان معدل سعر البرميل عند ٦٢ دولاراً قد يكون المستوى المناسب لدول «اوبك» كي تعوض بعض الانخفاض في عائداتها.
إن «أوبك» هي اليوم أمام اختبار تضامن الدول الأعضاء وغيرها من خارج المنظمة التي ينبغي ان تكون ملتزمة جداً تخفيض انتاجها وإلا ستعود الأسعار الى الانخفاض. فممارسات الدول الأعضاء في «اوبك» وروسيا في الماضي لم تكن مشجعة من ناحية الالتزام وذلك باستثناء السعودية وهي المتتج الأكبر في «اوبك». ولكن هذه فترة مختلفة لأن الدول في حاجة ماسة الى تحسين عائداتها وكلها من دون استثناء تحتاج الى المزيد من العائدات. وربما يفرض الالتزام بالتخفيض نفسه على كل دولة منتجة بسبب حاجتها الى المزيد من الأموال. ولكن السؤال اذا التزمت «اوبك» وروسيا كيف ستواجه تزايد النفط الصخري، علماً ان انتعاش النمو الأميركي قد يؤدي الى نمو افضل في العالم الصناعي وإلى زيادة في الطلب على النفط وهو الأمل للدول المنتجة للنفط.
على كل حال ان اتفاق «اوبك» والدول غير الأعضاء في المنظمة هو انجاز وينبغي ان تظهر نتائجه في ٢٠١٧ وليس فقط لمدة قصيرة ولكن في شكل مستمر كي يكون له تأثير فعلي على عائدات الدول الأعضاء وألا تعود الدول الى ما سبق ومارسته من تجاوزات وغش لأن شفافية التعامل في اسواق النفط تظهر بسرعة الملتزمين والمتجاوزين.
رندة تقي الدين
نقلا عن الحياة