تستمر عمليات نينوى العسكرية في تنفيذ مهامها الموكلة اليها في التقدم ضمن المحاور الرئيسية المحددة لها ولكنها تتعثر بين الحين والأخر بسبب عوامل عديدة أهمها الدفاعات الأساسية التي يقيمها مقاتلي داعش أمام القوات العسكرية والأمنية المهاجمة إضافة الى عدم إمكانية بعض القطعات المهاجمة من تنفيذ المهام الموكلة اليها بسبب ضعف الخطة العسكرية الموضوعة أو عدم وجود رؤية ميدانية دقيقة لما يجري على الميدان وضعف التحسب في حسابات القوة المدافعة المتواجدة في مدينة الموصل ،يضاف اليها عدم وجود القدرة على الاستمرار في الهجوم والتقدم في الاحياء السكنية بسبب الكثافة السكانية وتواجد السكان المحليين واصرارهم على عدم مغادرة المدينة وترك دورهم ومحلاتهم وأسواقهم ، ولهذه الأسباب فقد شرعت قيادة التحالف الدولي في دراسة ميدانية وتفصيلية لوضع اللمسات الأخيرة لمرحلة ثانية أعلنت عنها في مواجهة عناصر مقاتلي داعش بعد أن وضعت أمامها حقيقة النتائج وما تحقق على الأرض ودرست السلبيات التي رافقت بدء العمليات العسكرية ووضعت نصب أعينها مقدار التضحيات والخسائر البشرية والمادية التي قدمتها القوات العراقية المتقدمة وخاصة في المحور الشرقي الذي تشرف عليه قيادة مكافحة الإرهاب وبمشاركة مقاتلي الفرقة الذهبية
مع كل هذا التحسب ووضع الخطط العسكرية البديلة تكون هناك جهات حزبية وكتل سياسية لديها مصالحها ورؤيتها السياسية والفكرية والاجتماعية لكيفية معالجة الأوضاع بعيدا عن المواجهات والاشتباكات العسكرية الميدانية، ونقصد بها الحركات والكتل والأحزاب السياسية المشاركة بالعملية السياسية أو التي خارج العملية.
فقد شرعت هذه المسميات في وضع رؤيتها والاعلان عن أهدافها وخططها الميدانية لما بعد الانتهاء من المواجهات العسكرية مع مقاتلي وقيادات داعش وخاصة في مدينة الموصل وهذه تأتي متزامنة ومتوافقة لكل التطورات التي تشهدها ساحة المواجهة الميدانية الخاصة بالمحاور الرئيسية لقاطع عمليات نينوى العسكري.
ولهذا فقد بدأنا نسمع ونقرأ ونشاهد مؤتمرات ولقاءات ومشاورات تعقد هنا وهناك وتدار في أروقة المجالس والجلسات السياسية حول موضوع مستقبل العراق تتضمنها مبادرات سياسية وأفكار وطروحات ميدانية ولكننا لم نلمس أي بادرة مباركة ولا مشروعا واضحا ولا برنامجا كاملا يحدد مسارات الوضع القادم في البلاد الذي تعقد هذه اللقاءات والمشاورات من أجله.
ولو كان القائمين والمسؤولين عن هذه المبادرات والمؤتمرات جادين في وضع لبنة حقيقية وأسس رصينة وصحيحة لحل مشاكل العراق لوصل الامر الى مبتغاه ولكن كل ما نراه هو أصوات في الهواء وكلمات تقال هنا وهناك وخطابات سياسية ومؤتمرات صحفية والكل يبتعد عن حقيقة الامر والماسي التي يعيشها العراق وأهله والمستقبل المظلم الذي ينتظره ، وما يؤشر لدينا وفقا للتسريبات التي تترشح عن هذه اللقاءات أو المؤتمرات فان أغلب القائمين عليها لديهم أجندات وارتباطات سياسية وإقليمية ودولية يسعون من خلالها لخدمة مصالحهم الذاتية وتحقيق مساعيهم وأهدافهم السياسية على حساب بلدهم وحياة ومستقبل شعبهم .
كما تفتقر جميع تحركاتهم للبرامج السياسية الواضحة والمشاريع الميدانية الحقيقية التي ترسم الأسس الرصينة لمعالجة المشاكل القائمة إضافة الى أن هذه اللقاءات والمشاركات لا تحاكي الهموم والمشاكل والمصاعب التي يعانيها أبناء الشعب العراقي بل تذهب بعيدا عن رسم الصورة الواضحة للواقع المؤلم الذي يعيشه العراق وترسخ مفاهيم التجزئة والتقسيم والعمل على ضرب الوحدة الوطنية وتفتيت النسيج العراقي المتماسك ,
ان مثل هذه المبادرات واللقاءات ما تزال يعيده عن تأسيس المشروع الوطني المخلص الذي ينطوي على برنامج سياسي واضح يراعي مشاكل العراق ومصالح شعبه الذي كابد الاحتلال الأمريكي ولا يزال يواجه ويكابد النفوذ الإيراني والنزاعات العسكرية على أرضه والتدخلات السياسية والإقليمية فيه ويواجه الإرهاب ويدافع عن حقوقه ووجوده من تغيير متعمد وقسري للديمغرافية البشرية والجغرافية من قبل المليشيات المسلحة والمدعومة من النظام الإيراني.
والتساؤل الذي يطرح نفسه أليس دعم ومساندة النازحين واللاجئين والتاركين لمناطقهم بسبب النزاعات العسكرية والتي أدت الى ضياع ممتلكاتهم وهدم دورهم وتجريف مزارعهم أكثر فائدة بالنسبة للداعيين لهذه المبادرات والمشاريع السياسية والمصالح الذاتية؟ وما الذي يمكن أن يقدمه من يعيش خارج الحدث وبعيدا عنه؟
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية