في الرابع من يونيو 2009 ألقى باراك أوباما، الرئيس الأميركي حديث العهد بالإقامة في البيت الأبيض، خطابا تاريخيا سمي بـ”بداية جديدة”. مناسبة الخطاب زيارته الأولى لمنطقة الشرق الأوسط والتي اختارها أن تكون من مصر. ألقى أوباما الخطاب، الذي تابعه العالم باهتمام، من الجامعة الأميركية بالقاهرة. وكان الجزء الرئيسي والأطول فيه حديثه عن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وأكد أوباما على متانة العلاقة القوية بين أميركا وإسرائيل بقوله “لا يمكن قطع الأواصر أبدا”. وأطنب في الحديث عن السلام، مستشهدا بآيات من القرآن ومختتما خطابه بآية من إنجيل متى تقول “هنيئا لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدعونَ”.
مرت سبع سنوات على ذلك الخطاب، نجح خلالها أوباما في أن يفوز بولاية ثانية يسدل عليها الستار يوم 20 يونيو المقبل، ونال خلالها، وبعد أشهر قليلة من خطابه في القاهرة، جائزة نوبل للسلام. لكن الفترة الفاصلة بين تاريخ تنصيبه في 20 يناير 2009 وتاريخ الانتهاء الرسمي لولايته في 20 يونيو 2017، لم تكن فترة سلام بل فترة حروب وصراعات، تجسد ميدانيا ما جاء في تصريح أوباما نفسه، عندما علم بفوزه بنوبل للسلام، حيث قال “أقول صراحة إنني لا أستحق أن أكون بين أولئك الأشخاص الذين غيروا العالم وحصلوا على هذه الجائزة”.
لم يحقق أوباما اختراقات حقيقية تجاه عملية التسوية السياسية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي؛ بل شهدت فترة رئاسته أكبر حركة استيطانية، بشكل غيّرت معها ملامح الدولة الفلسطينية المنتظرة على حدود الخامس من يونيو عام 1967، والتي من المفترض أن تكون المدخل الرئيسي في أجندة الحل الدولية للقضية الفلسطينية.
أزمة سطحية
بدا وكأن أزمة انفجرت بين إسرائيل والولايات المتحدة، بعد رفض واشنطن استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع تبني قرار للأمم المتحدة يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. ثم، وفي خضم الغضب الإسرائيلي من الخطوة الأميركية النادرة، ألقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري خطابا حذّر فيه من أن بناء إسرائيل للمستوطنات على أراض محتلة يهدد السلام في الشرق الأوسط. وعبّر بصراحة غير معتادة عن إحباط بلاده إزاء حليفها القديم إسرائيل.
الأغلبية ترى أن مثل هذه التصريحات لا علاقة للفلسطينيين بها، لأنها تصفية حسابات بين باراك أوباما ونتنياهو، الذي تحدى أوباما في عقر داره خلال خطابه التاريخي أمام الكونغرس في مارس 2015
لكن، هل حقا سيحرك خطاب نهاية الخدمة مياه القضية الفلسطينية وسيأتي بجديد على مستوى مسار السلام؟ قلة من المتفائلين يجبون عن هذا التساؤل بقولهم إن قرار مجلس الأمن سيحدد في كل الحالات مسار الطريق الذي سيسير عليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لتجنب الدخول في صدامات بشأن قضايا تمثل ثوابت بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
ويعتبرون أن ما حصل يعتبر تغييرا تاريخيا في الموقف الأميركي، فحتى في أكثر اللحظات التي وقف فيها أغلب العالم ضد إسرائيل، كانت أميركا في صفها، سرا وعلانية، مستشهدين في هذا السياق بالموقف الأميركي من إيران، إلى حد لحظات قليلة من توقيع الاتفاق النووي مع إيران، كان التوقع السائد بأن إيران دولة مارقة ولا مجال للصلح بينها وبين الأميركيين، لكنها اليوم تحولت إلى دولة صديقة بل وتقاتل معها ضد الإرهاب.
لكن، الأغلبية ترى أن مثل هذه التصريحات لا علاقة للفلسطينيين بها، لأنها تصفية حسابات بين باراك أوباما ونتنياهو، الذي تحدى أوباما في عقر داره خلال خطابه التاريخي أمام الكونغرس في مارس 2015؛ وهو يواجه بدوره مؤخرا تهم فساد يجري التحقيق فيها وقد تؤدي إلى نهاية حكومته من جهة؛ وبين أوباما وترامب من جهة أخرى. وإن كان هناك تغيير في مقاربة الولايات المتحدة (الديمقراطيين أساسا) تجاه هذه القضية، فمردّ ذلك التوجه العام لإدارة باراك أوباما الذي اختار أن ينهي فترة رئاسته للولايات المتحدة كما بدأها بـ”السلام”.
وبينما اعتبر البعض أن قرار مجلس الأمن “انتصار معنوي.. يفتح الباب من أجل المفاوضات والسلام”، رأى آخرون أنه سيكون له تأثير عكسي خاصة مع تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل لن تلتزم به. كما تعهد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مجددا بتسريع خطوات نقل السفارة الأميركية إلى القدس ردا على تمرير إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للقرار بشأن وقف الاستيطان.
وأوضح مهدي عفيفي، عضو الحزب الديمقراطي الأميركي (الموجود في القاهرة حاليا)، أن الكونغرس الأميركي يتعامل مع إسرائيل من زاوية التأييد المطلق، سواء كانت المواقف الإسرائيلية صحيحة أم خاطئة.
وقال لـ”العرب” إن الحديث عن خلافات أميركية إسرائيلية نتيجة مواقف إدارة أوباما الأخيرة ليس صحيحا، لأنها منحت إسرائيل دعما يقدر بحوالي 35 مليار دولار في صورة معونات عسكرية، وهو أكبر دعم تتلقاه من إدارة أميركية، بما يؤكد أن الخلافات سطحية.
وقرأ عفيفي تصريحات كيري في سياق الاستياء الدولي من الإدارة الإسرائيلية، خصوصا أن أوباما كان قد وعد في بداية فترته الرئاسية بحل القضية الفلسطينية، لكنه لم يستطع تحقيق وعوده.
ما بعد أوباما
جاء موقف كيري، وجملة من المواقف الأميركية الأخيرة في توقيت مهمّ ويحمل العديد من الدلالات، أهمها، أن هذه التصريحات تأتي في وقت يلملم فيه أوباما أوراقه ويستعد للرحيل من البيت الأبيض بعد تسليم مفاتيحه للرئيس الجديد دونالد ترامب.
ويضع عبدالعليم محمد، الخبير في الشأن الفلسطيني، هذه المواقف الأميركية في سياق العلاقة المتوترة بين أوباما ونتنياهو، والتي بدأت بالخلاف حول الاتفاق النووي مع إيران. ولفت في تصريحات لـ”العرب” إلى أن مسألة إدانة الاستيطان في مجلس الأمن ليست كافية، وكان يجب اتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل في حال عدم الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، معتبرا أن هذا التصرف دليل على مسألة توزيع الأدوار وأن أوباما ربما كان يضع قواعد للرئيس الجديد.
ويؤيد هذه القراءة، محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية المصري السابق، الذي قال لـ”العرب”، إن مواقف الإدارة الأميركية الأخيرة من حل الدولتين وعملية الاستيطان الإسرائيلي تؤكد أن إدارة أوباما توصلت قبل مغادرتها للبيت الأبيض إلى أن حل الدولتين هو الطريق الأنسب لنزع فتيل الصدام بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. وأشار إلى أن فكرة إرساء القواعد للإدارة الأميركية الجديدة مسألة مهمة حتى تكون بمثابة خارطة طريق لها في الأزمة الفلسطينية.
وكان ترامب قد كتب في تغريدات على تويتر “لا يمكننا أن نستمر في السماح بأن تعامل إسرائيل بازدراء وعدم احترام”. وتابع “الأمر لم يعد كذلك. بداية النهاية كانت الاتفاق السيء مع إيران، والآن هذا (قرار الأمم المتحدة). ابقي قوية يا إسرائيل، العشرين من يناير قريب جدا”.
ويتوقع الإسرائيليون معاملة تفضيلية من جانب ترامب بمجرد توليه منصبه رسميا. ويعلم الإسرائيليون أن واشنطن لا تستطيع أن تفرض نتيجة حاسمة بمفردها، وهذا سيجعل الوضع على حاله على الأقل، بما يعني أنه في صالحهم أكثر من الفلسطينيين. ويعلم المعنيون والمتابعون للصراع ذلك أيضا، لكنهم يؤكدون أن الموقف الأخير للإدارة الأميركية يشكل خطوة هامة في سياق تحديد مسار السلام وتجنب تراجعه إلى الوراء بشكل خطير.
لكن ذلك لا يمنعهم من القلق من أن تضعهم تصريحات كيري والمبادئ الستة التي أقرها بالإضافة إلى فيتو مجلس الأمن، في موقف دفاعي مما يدفع دولا أخرى إلى أن تمارس ضغوطا من خلال أمور من بينها زيادة المقاطعة والتجريد من الاستثمارات وإعطاء قوة دافعة لحركة العقوبات ضد إسرائيل خاصة في أوروبا؛ ومن هنا يستمد الموقف الديمقراطي الأميركي في مجلس الأمن تاريخيته.
سعيد قدري
صحيفة العرب اللندنية