بحسب بعض الذين اعترضوا على تسمية مجلّة «تايم» الأميركيّة للرئيس المنتخب دونالد ترامب «شخصية العام» (2016)، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من كان يستحق هذه التسمية. فبوتين هو أحد المساهمين في صناعة ترامب، إلى جانب الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في الولايات المتحدة، مما كثر تناوله والتعليق عليه. بيد أن ترشيح بوتين لأن يكون «شخصية العام» ينبع، فضلاً عن ذلك، من اعتبارات عديدة أخرى. فهو، في ظل الانسحاب والتراجع الخارجيين للولايات المتحدة الأميركية في عهد باراك أوباما، حقق انتصارات باهرة تمتد من أوكرانيا والقرم إلى الشرق الأوسط. ففضلاً عن حربه التدميرية في سوريا، لاسيما مدينة حلب، استعاد صداقة تركيا الأردوغانية، فيما متّن علاقاته بكل من إيران وإسرائيل. ويُرجّح في ظل إقدام دونالد ترامب على تعميق النهج الانعزالي لسياسة بلاده الخارجية، أن تتحول روسيا بوتين إلى قوة تهديد جدي لأوروبا، وتحديداً دول البلطيق الثلاث «إستونيا ولاتفيا وليتوانيا»، خصوصاً في ظل تحولين محتملين: من جهة، الإضعاف الذي سيلحقه ترامب بالحلف الأطلسي «الناتو» الذي شكّل الغطاء الدفاعي للقارة القديمة، ومن جهة أخرى الجاذبية التي تكتسبها الأحزاب والحركات الشعبوية داخل أوروبا نفسها، وهي إما حليفة لبوتين أو معجبة به.
وما لا شك فيه أن بروز الرئيس الروسي في 2016، الذي لا يُتوقع له إلا أن يتعزز في 2017، يعود في جزء منه إلى براعته في استخدام الأوراق المتاحة له دون أي اكتراث بالقيود الديمقراطية «المفترضة» على السلطة، وفي ظل الضمور الغربي، والأميركي منه خصوصاً. وبوتين لم يُخف منذ بدايات صعوده السياسي، بعد تجربة حكم بوريس يلتسين المهينة والجارحة للكرامة الوطنية الروسية، أنه ينوي استعادة الدور الإمبراطوري لروسيا السوفييتية والقيصرية، مع الافتخار بمُستبدي هذا التاريخ الطويل بمن فيهم جوزيف ستالين.
وبالفعل استطاع ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي أن يؤمّن له ذلك، قبل أن تحلّ عليه العقوبات الغربية. هكذا حدّث جيشه وضاعفه عدداً وتسليحاً، كما طوّر صناعاته الحربية وحسّن المعاشات التي تُدفع للجنود تحسيناً نوعياً. إلا أن عوامل أخرى ساعدته في مهمته هذه، يتصدّرها تقاطع الوعي القومي والديني في روسيا عند شخصه وسياساته.
فبوتين، في زمن الهويات وصراعات الحضارات والأديان، أو ما يوصف هكذا، دغدغ ثلاث مسائل في الوعي الجماعي الروسي، كما في وعي القطاعات الغربية الأكثر تخلفاً وإعجاباً به وبزعامته «القوية».
أما الأولى، فهي أن روسيا بلد حدودي يفصل بين «عالم المسيحية» و«عالم الإسلام»، موفراً للأول الحماية من الثاني، وأما المسألة الثانية فهي أن روسيا ليست بلداً تعددياً على الصعد الدينية والإثنية، ولا بلداً مفتوحاً للهجرة، كما هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بما يهدد «صفاء» البيض الذين يشعرون في تلك البلدان بـ«خطر» المهاجرين والملوّنين، فيما الثالثة هي أن الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية لم تتعرض لرياح الإصلاح الديني التي تعرضت لها كنائس الغرب، وبالتالي فهي محافظة يطمئن إليها المتمسكون بالقيم والأعراف السائدة حيال المرأة والممارسات الجنسية.
فإذا أضفنا «قوّة» الزعامة البوتينية و«ضبطها» للحريات، أكانت صحفية أم غير ذلك، فهمنا سر النظر إليه بوصفه المنقذ من التفلت الذي يخافه الأكثر محافظة والأشد حرصاً على القومية والأخلاق الذكورية والعسكرية الصارمة.
إن بوتين هو حقاً شخصية العام 2016 الكئيب، وقد يكون أيضاً شخصية عام 2017 المرشح أن يكون أشد كآبة.
حازم صاغية
صحيفة الاتحاد