بغداد – استهل العراق سنته الجديدة بموجة من التفجيرات طالت العاصمة بغداد موقعة العشرات من الضحايا بين قتلى وجرحى، ومظهرة من جديد استعصاء المعضلة الأمنية عن الحلّ بمجرّد حرب على تنظيم داعش دون تغيير جذري في السياسات التي أضعفت الدولة وفكّكت المجتمع وكرّست الطائفية وخلقت بيئة من الفقر والتهميش حاضنة للتشدّد والإرهاب.
وتزامنت تفجيرات، الإثنين، مع زيارة قام بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى العراق، وأجرى خلالها لقاءات مع كبار المسؤولين هناك تركّزت حول محاربة الإرهاب والتصدّي لتنظيم داعش، الذي لم تسلم الأراضي الفرنسية والأوروبية عموما من ضرباته.
وأعطت تلك التفجيرات التي بلغت قدرا كبيرا من الدموية رسالة سلبية إلى المجتمع الدولي بشأن تماسك الدولة العراقية وقدرتها على ضبط أوضاعها الأمنية ومنع تحوّل أراضيها إلى منصّة تهديد للأمن الإقليمي والدولي.
وتسعى حكومة بغداد في ظلّ الارتباك الذي تعيشه والصراع بين الأحزاب التي تشترك فيها، إلى إقناع دول العالم بسيطرتها على الأوضاع وبأحقيتها بالدعم والمساعدة في مواجهة الظاهرة الإرهابية وما نجم عن اختلال الأمن من أوضاع اقتصادية واجتماعية خطرة.
وتثير التقارير الدولية عن استشراء ظاهرة الفساد الحكومي والصراعات على المناصب السياسية في العراق شكوك الدول بشأن وجود شريك حقيقي في البلد يمكن الاعتماد عليه في فرض الاستقرار هناك. كما وجّه تنظيم داعش من خلال التفجيرات ذاتها رسالة بشأن تماسكه واحتفاظه بالقدرة على إلحاق الأذى رغم الحرب التي تشنّ عليه في العراق وسوريا بمشاركة تحالف دولي من أكثر من ستين دولة.
ويخشى عراقيون من أنّ التنظيم الذي يجري تطويقه في محافظة نينوى بصدد الانتشار على شكل خلايا صغيرة في عموم البلاد بما في ذلك مناطق الجنوب التي تعتبر آمنة نسبيا بالمقارنة مع باقي المناطق.
وسقط ،الإثنين، العشرات من الضحايا بين قتل وجرحى في هجمات ببغداد تبناها تنظيم داعش الذي يتعرّض إلى حملة عسكرية كبيرة هادفة إلى إنهاء سيطرته على مدينة الموصل آخر معقل كبير له بالعراق.
وتشهد تلك الحملة صعوبات وتعقيدات جعلتها تسير ببطء، فيما يبدي التنظيم قدرة على التشبّث بالمدينة، وحتى على عكس الهجومات على القوات العراقية في المناطق التي استعيدت من يده، على غرار شمال محافظة صلاح الدين.
تحول الحرب على تنظيم داعش في العراق من حاجة أمنية عراقية داخلية إلى مدار تنافس ومزايدات إقليمية ودولية
وشنّ التنظيم، الإثنين، هجوما مفاجئا على مناطق في شمال شرق مدينة بيجي بالمحافظة المذكورة موقعا قتلى وجرحى في صفوف القوات العراقية التي استنجدت بالمروحيات لوقف الهجوم.
وتترافق الحرب على تنظيم داعش في العراق بأسئلة عن مدى فاعلية تلك الحرب في إنهاء الوضع الأمني المتوتّر وإعادة الأمن والاستقرار للبلد المنهك من العنف والمرهق اقتصاديا واجتماعيا، في ظلّ قيام ذات الأسباب التي أدّت بهذا البلد الغني إلى وضعه المتردّي، والتي يعزوها مراقبون إلى العملية السياسية التي أوكلت قيادة البلاد لأحزاب دينية كرّست الصراع داخل المجتمع ونشرت التمييز بين مكوّناته على أساس عرقي وطائفي.
وقالت مصادر أمنية وطبية عراقية إن قرابة الخمسين شخصا قتلوا، الإثنين، في موجة تفجيرات عنيفة ضربت العاصمة العراقية بغداد.
واستهدف الهجوم الأعنف ساحة مكتظة بالعمال خلال وقت الذروة في مدينة الصدر، شرقي بغداد حيث أوهم انتحاري يقود سيارة مفخخة العمال برغبته في اصطحابهم للعمل، قبل أن يقوم بتفجير السيارة فور تجمع العمال حولها موقعا أكثر من ثلاثين قتيلا في صفوفهم، إضافة إلى العشرات من الجرحى. وتبنى تنظيم داعش الهجوم عبر بيان على شبكة الإنترنت.
وبعد وقت قصير، تم تفجير سيارة مفخخة ثانية، خلف مستشفى الكندي قرب شارع فلسطين، شرقي بغداد، وسيارة مفخخة ثالثة خلف مستشفى الجوادر في مدينة الصدر شرقي العاصمة أيضا. وجرى تفجير السيارتين عن بعد.
كما تم تفجير ثلاث عبوات ناسفة في سوق شعبية، وعيادة طبية، بمنطقة الشعب، شمالي بغداد. وأسفر مجمل تلك التفجيرات عن مقتل قرابة العشرين شخصا وجرح العشرات أغلبهم من المدنيين. وجاءت موجة التفجيرات العنيفة تزامنا مع زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى بغداد ولقائه بكل من رؤساء البلاد فؤاد معصوم، والبرلمان سليم الجبوري، والوزراء حيدر العبادي.
وأكد هولاند خلال لقائه بالمسؤولين العراقيين، التزام باريس بدعم العراق في الحرب ضد تنظيم داعش إلى حين هزيمة المتشددين نهائيا.
وعلى العكس من توقّعات أميركية سابقة بأن تستمر الحملة العسكرية على داعش في الموصل سنتين، قال هولاند إن تلك الحملة ستستمر أسابيع وليس سنوات.
ويعكس مثل هذا الجدل تحوّل الحرب على داعش في العراق من حاجة عراقية داخلية إلى مدار تنافس ومزايدات إقليمية ودولية.
وإضافة إلى تمكّن إيران من اتخاذ الحرب على تنظيم داعش وسيلة للمزيد من التدخل وتوسيع نفوذها في العراق عبر العشرات من الميليشيات الشيعية الموالية لها والمشاركة في تلك الحرب، بدا واضحا أنّ الولايات المتّحدة التي باتت مهدّدة مع نهاية فترة حكم الرئيس باراك أوباما بانحسار نفوذها في المنطقة، تحاول الإمساك بزمام المواجهة مع داعش، وقد تكون معنية بإطالتها لتبرير تواجد عسكري مباشر لها على الأراضي العراقية.
أما حكومة الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، فلا تفتقر بدورها إلى المتاعب جرّاء تعرّض البلاد في عهدها لمخاطر التنظيمات الإرهابية ذات الصلة بملفات شرق أوسطية فشلت باريس في المشاركة بإدارتها ومنع امتداد تداعياتها إلى أوروبا وعلى رأسها الملف السوري.
ولا تخلو زيارة هولاند، الإثنين، للعراق من رسالة إلى مواطنيه بشأن انخراط حكومته في محاربة الإرهاب في منابعه، لكن تفجيرات بغداد جعلت الرسالة عكسية.
العرب اللندنية