ظاهرة تعليق لافتات عنصرية على أبواب وواجهات محلات تجارية ومكاتب خدمية، لم تنته، لكنها تخمد فترات ثم تعود لتظهر بشكل صادم وبطريقة أكثر عدائية.
إشهار التفرقة والكراهية، يزيد من الاستفزاز ويثير الأعصاب، ويدلّل على أن ليس للسقوط قاع في نفوس مرضى العنصرية، حتى أن هذا الإعلان السافر عن المشاعر العنصرية، يجعل المستهدفين من ضحاياه يقولون في قرارة أنفسهم “لماذا لا يكتفي الحاقدون بالاحتفاظ بأحقادهم داخل صدورهم، ربما يكون ذلك ‘أرحم وألطف’؟ لماذا يريدون إعلانها كتابة وبالخط العريض، وعلى واجهات محلات قد لا نتردد عليها أصلا، بالنظر إلى اقترانها بالتمايز الطبقي، واختلاف ثقافة المطبخ والملبس والمشرب؟”.
إن الأمر يشبه حادثة قد وقعت في بلاد عربية وتتمثل في أن بائع أكلة شعبية رخيصة قد كتب على الواجهة الصغيرة لدكانه معبرا عن غضبه من سياسة الولايات المتحدة وعنجهية إسرائيل، وبكلمات عربية “ممنوع دخول الأميركيين والصهاينة”.
الشعارات العنصرية المرفوعة في الأماكن العامة، لا يمكن وصف أصحابها إلاّ بالوقاحة والخلو من المشاعر الإنسانية، كما أنها اعتداء صريح تدينه كل العقائد السماوية وتعاقب عليه كل القوانين الوضعية، وليس له أي تبرير سوى الجهل والكراهية والافتقار إلى قيم التسامح والقبول بالآخر.
طبعا لا يحاول المرء تبرير النموذج المذكور عن صاحب الدكان الصغيرة ببساطة الرجل وتأثره بنوع من التعبئة الإعلامية غير الاحترافية، لكن ما يحصل في بلدان عرفت بعراقة تجاربها الديمقراطية وريادتها في سن الدساتير الحديثة، يثير الاستياء والاستغراب فعلا، ويبعث على الأخذ بالرأي السائد بأن العنصرية في أبشع مظاهرها، تتعلق بالبلدان التي لها ماض استعماري، وتستمر اليوم كقوى اقتصادية عظمى تلقن دول العالم الفقير دروسا في احترام حقوق الإنسان.
الشعارات العنصرية المرفوعة في الأماكن العامة، لا يمكن وصف أصحابها إلا بالوقاحة والخلو من المشاعر الإنسانية
ففي متجر في ولاية نيومكسيكو الأميركية تعلّق لافتات مناهضة للمسلمين على واجهته من بينها عبارة “اوباما وغيره من المسلمين غير مرحب بهم هنا”، واللافت أن هذه اللافتات تعلّق منذ سنين، إلا أن أحد زوار المنطقة انتبه إلى الأمر، وأبلغ محطة تلفزيونية لتغطية هذه الفضيحة العنصرية، مؤكدا أن صاحب المتجر يطرد الزبائن الذين تضايقهم هذه الشعارات وهذه اللافتات التي باع منها كذلك للزبائن الذين “تروق لهم الشعارات العنصرية” ويدافعون عن صاحبها بحجة حرية التعبير، بينما أثارت اللافتات عاصفة على مواقع التواصل الاجتماعي، ودعا العديد إلى مقاطعة المتجر، كما أصدر مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية بيانا دعا فيه صاحب المتجر إلى إزالة اللافتات.
وقال المتحدث باسم المجلس إبراهيم هوبر “رغم أن للجميع حقا في التعبير الحر، وحتى التعبير المسيء، إلا أننا ندعو صاحب المتجر إلى إزالة اللافتة احتراما، ومن أجل وحدة شعبنا في وقت تتزايد فيه الانقسامات”.
ويؤكد خبراء أن سنة 2016 هي أسوأ سنة عاشتها الجالية المسلمة في الولايات المتحدة الأميركية منذ اعتداءات سبتمبر 2001، وأن الأوضاع ستزداد صعوبة مع انتخاب الرئيس دونالد ترامب وتعيينه لأعضاء إدارته الجديدة المعادين للإسلام، وفق ما نشره موقع “ميلي غازيت”.
وأشارت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إلى أن جرائم الكراهية ضد الجالية المسلمة قد بلغت أعلى مستوياتها منذ شهر سبتمبر 2001، وفقا للأرقام التي أوردها باحثون مختلفون، كنتيجة للأعمال الإرهابية التي شهدتها الولايات المتحدة الأميركية في الآونة الأخيرة، وخطاب الكراهية والعنصرية الذي طبع بعض الحملات الانتخابية.
وأفادت صحيفة “أميركا اليوم” أن خطاب الرئيس ترامب ومواقفه السياسية قد دفعت بالعديد من المواطنين إلى الشعور بالخوف والقلق، بعدما طالب مرات عديدة بمنع دخول المسلمين إلى البلاد، وشدد على “كراهية الإسلام للغرب”، وحض على ضرورة مراقبة المساجد، وتحدث عن استهداف المسلمين كوسيلة للتصدي للإرهاب.
وأكدت تقارير إعلامية وأرقام مراكز الشرطة الأميركية تزايدا في الاعتداءات على الضحايا الذين يرتدون زيا دينيا واضحا مثل الجلباب، أو الحجاب أو النقاب.
ونوّه متخصصون في رصد جرائم الكراهية ضد المسلمين إلى أن بعض الأعمال المعادية للإسلام لا تقتصر دوافعها على الهجمات الإرهابية بل تعزى أساسا إلى التصريحات السياسية اللاذعة لبعض المسؤولين السياسيين، وعلى رأسهم الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
وفي شهر مايو الماضي، أصدرت جامعة جورج تاون، تقريرا بخصوص الظاهرة نفسها كشف عن أن أعمال العنف والعداء ضد المسلمين قد زادت حدتها مباشرة بعد انتخاب الرئيس ترامب.
وبخصوص ظاهرة الإسلاموفوبيا، أكد مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية أن سنة 2016 بصدد أن تصبح أسوأ سنة بالنسبة إلى المساجد ودور العبادة الإسلامية في البلاد، كما أكد ذلك آخر تقرير صادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي أكد بلوغ نسبة الأعمال المعادية للإسلام 67 بالمئة في عام 2015.
النزعة العنصرية بلغت درجة أن بعض شعارات الكراهية، تجمع في خطاب واحد، معاداة اللون والعرق والدين والجهة، وكذلك تكريس الإساءة للحيوان والإنسان على حد سواء.
صحيفة العرب اللندنية