عبرت إيران في الآونة الأخيرة على لسان عدد من مسؤوليها أنها تشعر بالتهميش في التطورات السياسية والميدانية في الملف السوري.
ردود الفعل الإيرانية تأتي بعد إعلان الهدنة الشاملة في سورية قبل أسبوعين، وعلى رغم أنها ماتزال هدنة هشة إلا أن الضامنين لها ليست إيران من ضمنهم، فالهدنة وما يرتب له من اجتماع في «الأستانة» كله بترتيب وضمانة من روسيا وتركيا، بل إن وزير الخارجية التركي مولود صرح بشكل واضح ومحدد قبل أيام عندما قال: «إن على جميع المقاتلين الأجانب بمن فيهم حزب الله مغادرة سورية».
إن هذا التصريح الذي ينم عن أن الحل النهائي هو بخروج حزب الله من سورية، وهذا يمثل خسارة فادحة للسياسة الإيرانية في سورية والمنطقة، فنحن نعرف أن هناك آلاف المقاتلين الأجانب في الداخل السوري، ولا يمكن أن يرضى الشعب السوري والمعارضة المعتدلة ببقائهم هناك، وباعتقادي أن روسيا هي من أنقذ النظام السوري على رغم أهمية وجود الميليشيات المدعومة من إيران على الأرض.
الحروب والصراعات، كما هي الحال السورية، لا بد من استحقاق سياسي لها، والقوى المنتصرة هي من تحقق مصالحها في النهاية، فروسيا وريثة الاتحاد السوفياتي لا تريد تكرار أخطائها في أفغانستان عندما تحقق نصراً عسكرياً وتخسر سياسياً، والحال كذلك تنطبق على تجربة الغزو الأميركي للعراق، مثل هذا التهميش الروسي – التركي لإيران يعبر عن مخاوف موسكو وأنقره من هذه الاستحقاقات السياسية المقبلة، فلماذا لا تحمل موسكو إيران على محمل الجد في هذا الملف، كما عبر عن ذلك السفير الإيراني السابق في الأمم المتحدة في مقابلة صحافية أخيراً؟ بل إن هناك مسؤولون إيرانيون عبروا بشكل واضح أن الروس يعملون على إضعاف دور طهران في سورية، كما قال المستشار العسكري للمرشد علي خامئني يحي صفوي، إضافة إلى تصريحات علي ولاياتي في هذا السياق.
يقول المحلل الكاتب التركي قدو أوغلو: «إن روسيا تخلت عن إيران بعد إدراكها ولو بصورة متأخرة أن إيران غير متحالفة معهم لغرض دعم النظام، بل لامتطاء النظام لتوسيع قاعدتهم الطائفية في الدول العربية، وهذا ليس بجديد على السياسية الإيرانية في المنطقة في العراق ولبنان واليمن، فماذا استجد في الوضع السوري لتغير طهران استراتيجياتها في المنطقة»؟
يبدو أن موازين القوى تميل بشكل واضح إلى الجانب التركي، وبخاصة بعد التقارب مع موسكو، وقد تكون إيران راهنت على حادثة مقتل السفير الروسي في إفساد العلاقات الروسية – التركية، ولكن يبدو أن التفاهم بين أنقرة وموسكو أقوى من مثل هذه الحوادث، وأعتقد أن هناك صفقة روسية – تركية غير معلنة تستبعد طهران من هذه الصفقة، وبالتالي لا يوجد مستقبل للميليشيات التابعة لها على الأراضي السورية، وفي مقدمها حزب الله.
إن حال الاختلاف بين روسيا وإيران حال طبيعية لها علاقة في بيئة النظامين، فإيران دولة تقوم على آيديولوجية دينية مذهبية تعمل على استغلالها في تمددها الإقليمي، إضافة إلى أن إيران مهما ضخمت دورها فهي تظل قوة إقليمية، بعكس روسيا فهي دولة علمانية عظمى، إضافة إلى حال الشك الروسي من التحالف الأميركي – الإيراني، الذي يزعج موسكو، إذ تعتقد روسيا أنه لولا الدور الأميركي المتواطئ مع إيران لما توصلت معها إلى اتفاق نووي، ولما سعت إيران إلى محاولة الهيمنة الإقليمية على المسرح السوري.
وعبرت روسيا أنها ليست مع الأسد أو ضده وهذا شأن الشعب السوري، إضافة إلى أن موسكو أبقت الأبواب مفتوحة مع فصائل المعارضة السورية، ومنها الجيش السوري الحر، أي أن موسكو مع بقاء الدولة السورية، عكس الموقف الإيراني الذي يعمل على بقاء الأسد رئيساً بغض النظر عن الأثمان التي تترتب على ذلك من حال تصل إلى انهيار الدولة السورية كما حدث للعراق، أو حتى إلى تقسيم سورية على أساس مذهبي بعد أن تعمل إيران والنظام السوري على تغير الديموغرافيا في المناطق السورية.
عقل العقل
صحيفة الحياة اللندنية