لندن – لم تتمكن ضغوط الرئيس التركي المتجددة على البنك المركزي من إقناعه بخفض أسعار الفائدة، في وقت تتعمق فيه الأزمة الاقتصادية بسبب تداعيات سياسات الاجتثاث التي اتخذتها أنقرة في أعقاب محاولة الانقلاب منتصف العام الماضي.
كما لم تتمكن دعوته في خطاب رسمي ألقاه من القصر الرئاسي، من إقناع الأتراك ببيع العملات الأجنبية وشراء الليرة لإنقاذها من السقوط الحر المتواصل بوتيرة سريعة منذ يوليو الماضي.
فقد تراجعت الليرة، أمس، إلى مستويات قياسية، ليصل سعر الدولار إلى 3.737 ليرة بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وتزايد تهديدات الهجمات الإرهابية.
وتضررت العملة التركيـة بسبـب الارتفـاع الحـاد المفـاجئ في معــدل التضخـم في ديسمبـر الماضي ليصل إلى 8.5 بالمئــة على أساس سنوي، مـا أثـار تـوقعــات برفـع أسعـار الفائدة خلال الشهـر الحالي. وقفــزت الأسعـار في ديسمبر بنحـو 1.64 بالمئـة بمقارنة شهرية، وهي زيادة فاقت جميع التوقعات.
وخسرت الليرة التركية نحو 55 بالمئة على مدى عامين، منذ تفجرت فضائح الفساد المرتبطة بشخصيات قريبة من الرئيس أردوغان وتعمقت بشكل كبير من محاولة الانقلاب منتصف العام الماضي، والإجراءات القاسية التي اتبعتها السلطات التركية في أعقابها.
وأدى القلق المتزايد بشأن التضخم إلى المزيد من التدهور في معنويات المستثمرين بسبب المخاوف الأمنية، بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية وتباطؤ الاقتصاد وحالة الضبابية السياسية الناجمة عن خطط التحول إلى نظام رئاسي لتوسيع صلاحيات أردوغان.
تجاوزت الزيادة في مؤشر أسعار المستهلكين على أساس شهري الزيادة المتوقعة البالغة 0.93 في المئة في استطلاع أجرته رويترز.
محمد بيوك أكشي: تعافي الصادرات لروسيا سيرفع حجم الصادرات إلى 155 مليار دولار سنويا
وذكر معهد الإحصاء التركي أن مؤشر أسعار المستهلكين قفز 8.53 في المئة على أساس سنوي.
وقفزت الأسعار في معظم القطاعات ذات الثقل والتي تشمل المواد الغـذائية والمشروبات غير الكحولية 3.29 في المئة في ديسمبر، بينما ارتفعت أسعار المشروبات الكحولية والسجـائر 7.33 في المئـة على أســاس شهـري.
ومع فشل جميع محاولات إنقاذ الاقتصاد ووقف انهيار الليرة، أصبحت أنقرة تعول على توسيع التبادل التجاري مع روسيا بعملتي البلدين، حسب صحيفة فزغلياد الروسية.
وقالت الصحيفة إن موافقة موسكو على فكرة أنقرة استخدام عملتي البلدين في التبادلات التجارية، ستمثل طوق نجاة لليرة التركية، التي تمر بأوقات صعبة.
ودعا الجانب التركي روسيا إلى الابتعاد عن العملات الوسيطة وخاصة الدولار والتحول فورا إلى التعامل الثنائي المباشر، في مؤشر واضح على صعوبة الوضع الاقتصادي في تركيا.
وكان أردوغان قد قال في إسطنبول قبيل زيارة رئيس وزرائه إلى موسكو، إنه اقترح على بوتين “تحويل التعامل التجاري في ما بيننا إلى العملات المحلية. سندفع ثمن كل ما نشتريه من روسيا بالروبل، وأنتم تدفعون ثمن كل ما تشترونه من تركيا بالليرة”.
وتعاني تركيا من عجز تجاري مزمن، خاصة منذ عام 2011 حين أدى انحيازها إلى الجماعات الإسلامية في الدول العربية إلى فقدانها للكثير من الأسواق.
ويحاول الأتراك تقليص العجز عبر زيادة التصدير، في ظل تزايد القدرة التنافسية للمنتجات التركية بسبب انخفاض العملة المحلية، لكن ذلك التراجع كانت له آثار سلبية تتمثل في الارتفاع الحاد لعبء الديون على الشركات المستدينة.
ووفقا لمعطيات وكالة بلومبيرغ الأميركية والبنك المركزي التركي، فقد تضاعفت مستحقات الديون على القطاع غير المالي ثلاث مرات منذ نهاية عام 2008 وحتى أغسطس الماضي وقفزت من 70 إلى 210 مليارات دولار، ما شكل ضغطا على الليرة التركية.
كما شكل خلاف تركيا مع روسيا قبل انفراجه، ضربة خطيرة للاقتصاد التركي، أدت إلى تقليص الصادرات وانخفاض عائدات النقد الأجنبي المباشر.
ويقول محللون إن الهامش الأيديولوجي للحكومة التركية ودعمها لجماعات الإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، أفقدها الكثير من الأصدقاء والأسواق في المنطقة، إضافة إلى فقدانها للممرات التجارية إلى الشرق الأوسط بسبب الحرب في سوريا والعراق.
وأظهرت بيانات حديثة أن الصادرات التركية بدأت بالتعافي في نهاية عام 2016. وقال رئيس مجلس المصدرين الأتراك محمد بيوك أكشي إن صادرات تركيا ارتفعت 7.4 في المئة في ديسمبر لتصل إلى 12.82 مليار دولار، ولكنها انخفضت في عام 2016 ككل بنسبة 0.8 في المئة إلى 142.6 مليار دولار.
وتوقع أن ترتفع الصادرات التركية خلال العام الحالي إلى 155 مليار دولار، مستفيدة من تعافي الصادرات إلى روسيا وإسهام ارتفاع الطلب من الدول المصدرة للنفط في تعزيز الصادرات.
وأظهرت بيـانات صادرة عن وزارة الجمارك والتجارة تراجـع العجـز التجاري في تركيـا بنسبـة 11.1 في المئــة في ديسمبـر على أساس سنوي ليصل إلى 5.56 مليار دولار.
وخلال عام 2016 بالكامل، تراجع العجز التجاري بنسبة 11.7 في المئة ليصل إلى 55.97 مليار دولار مع انخفاض الصادرات بنسبة 0.84 في المئة والواردات بنحو 4.17 في المئة.
العرب اللندنية