يُعتبر إعلان الجيش العراقي عن أن قواته وصلت إلى نهر دجلة للمرة الأولى خلال المعركة لاستعادة الموصل لحظة مهمة في الحملة المستمرة منذ 122 أسبوعاً لتحرير آخر معقل كبير لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») في البلاد. وقد أكّد الفريق الركن عبد الأمير اللامي، معاون رئيس أركان الجيش العراقي للعمليات، في 8 كانون الثاني/يناير أن “قوات الأمن العراقية” استحوذت على الطرف الشرقي من أحد الجسور التي تربط جانبي المدينة.
ويبدو أنه تمّ تأسيس معقل قوي في منطقة البلديات الواقعة على ضفة النهر التي تضمّ العديد من أحدث مكاتب بلديات محافظة الموصل و”مستشفى السلام” الذي كان مسرحاً لمحاولة جريئة في وقت سابق أقدمت عليها القوات العراقية لشقّ ممر يصل إلى النهر. وشمالي منطقة البلديات، أحرز اللواء الثاني من “قوات العمليات الخاصة العراقية” تقدّماً موازياً باتجاه النهر في حي المثنى والمعالم الأثرية القديمة في نينوى. كما تمّ تحقيق مكاسب في شمال شرق الموصل، حيث حاول اللواءان الأول والثالث من “قوات العمليات الخاصة العراقية” استعادة قاعدة “الكندي” العسكرية والأحياء المتاخمة ذات الدخل المرتفع.
مسعى متجدّد
يشير إحراز تقدّم واسع النطاق إلى أن مقاومة تنظيم «الدولة الإسلامية» تُظهر “مؤشرات على الانهيار” في شرق الموصل، كما ذكر مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» بريت ماكغورك في تغريدة له على موقع “تويتر” في 88 كانون الثاني/يناير. وتمثّلت إحدى العوامل المسببة بوضوح بتركّز كافة “قوات الأمن العراقية” المتوافرة شرق الموصل، بعد إيقاف كافة الهجمات الداعمة شمال وجنوب غرب المدينة. وخلال فترة انقطاع دامت أسبوعين، تمّ نقل عناصر “لواء الرد السريع الثاني” واللواء الخامس من “الشرطة الاتحادية” من مناطق تقع جنوب غرب الموصل إلى مواقع جديدة شرق دجلة. وقد أعادت هذه القوات تنشيط محاولات “قوات الأمن العراقية” للتقدّم نحو البلديات والجسور داخل المدينة عند استئناف الهجوم في 29 كانون الأول/ديسمبر.
وتمثّل عامل محفز آخر بدور التحالف في إعادة رسم خطة المعركة العراقية، وتعزيز تنسيق أكبر بين المراكز الرئيسية العراقية وتوفير ضربات مدفعية وجوية أكثر فعالية. وتطلَّب تعزيز قوة النيران نشر مدافع “هاوتزر” أمريكية عند الحدود الشرقية لمدينة الموصل. وتمّ إشراك أكثر من 400 عنصر من قوات التحالف الخاصة في المعركة في قلب المدينة كمستشارين ومنسقين للضربات، وغالباً ضمن نطاق الهجمات التي نفّذها تنظيم «الدولة الإسلامية».
معركة شاقة قادمة
ستوفّر عمليات التقدّم المطّردة شرق الموصل بصيصاً مرحباً به من النور في وقت تدخل فيه المعركة الشاقة لاستعادة المدينة أسبوعها الثاني عشر. وقد أصبحت القوات العراقية الآن متواجدة في 35 حياً من أحياء شرق الموصل البالغ عددها 47 حياً، بما فيها الأقسام الأكبر والأكثر اكتظاظاً بالسكان في الجانب الشرقي. وقد تكون معركة صعبة بانتظار القوات العراقية لاستعادة جامعة الموصل وقاعدة “الكندي” العسكرية الواقعتين شرق الموصل.
غير أنه لم يتمّ تحرير أي من الأحياء الكبيرة وذات الكثافة السكانية العالية غرب الموصل البالغ عددها 29 حياً. وما لم ينهار تنظيم «الدولة الإسلامية» بشكل غير متوقع وسريع، سيكون من الضروري مهاجمة الجانب الغربي من المدينة ضمن عملية عسكرية منفصلة يتمّ شنّها بعد بضعة أسابيع تُرتّب خلالها “قوات الأمن العراقية” صفوفها وتضع خطة جديدة. ويشير ذلك إلى أنه قد يتمّ تطهير شرق الموصل في كانون الثاني/يناير 2017 أو أوائل شباط/فبراير، في حين قد يمتّد تحرير غرب الموصل إلى الربع الثاني من عام 2017.
الحد من التكاليف
قد ينجح التطهير المتسلسل لأحياء متعددة من مدينة الموصل في تقليص الفترة التي يكون خلالها المدنيون عرضة لقتال عنيف في الأحياء الفردية. وحتى الآن، كانت أضرار المعركة التي لحقت بالبنية التحتية في الموصل أقل بكثير من تلك الناتجة عن معارك الاستنزاف السابقة كما حصل في الرمادي في العراق أو في كوباني في سوريا، رغم أن الأضرار اليومية التي لحقت بالأحياء ازدادت منذ استئناف الهجوم. وقد سعى التحالف بشكل خاص إلى الحدّ من التكاليف المترتبة والوقت اللازم لإعادة بناء الجسور، حيث عمدبشكل انتقائي إلى تدمير ساريات ومخارج الطرق التي يسهل استبدالها لمنع تنظيم «الدولة الإسلامية» من استخدام الجسور، لكنه حرص على أن يكون إصلاحها السريع ممكناً بعد انتهاء المعركة.
وقدّر “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” عدد الأشخاص النازحين داخلياً من مدينة الموصل نفسها بنحو 42 ألفاً في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، أي حوالي 4-66 في المائة من سكان الموصل المتبقين وأدنى بكثير من عدد كبير من التقديرات التي سبقت المعركة. وقد ازداد تدفق الأشخاص النازحين داخلياً من المدينة منذ 29 كانون الأول/ديسمبر وفق “مكتب الأمم المتحدة”، بمن فيهم15,942 خلال الأيام الثمانية التي تلت استئناف الهجوم. لكن “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” أعلن أيضاً أن الأمن المستتب في المناطق المحررة سمح بعودة 14 ألف نازح داخلي إلى مدينة الموصل.
هجوم “مرحب به”
بعيداً عن معظم التغطية الإعلامية، تشهد المناطق المحررة في شرق الموصل عودة تدريجية لحفظ الأمن والمياه الجارية وشبكات توليد الطاقة الكهربائية العاملة على الديزل في الأحياء. والأهم من ذلك، أن “قوات الأمن العراقية” العابرة للطوائف والمتعددة الأعراق المتواجدة في مدينة الموصل حظيت على نطاق واسع بقبول السكان المحليين من العرب السنّة، الذين يبدون ممتنّين من المعاملة الإنسانية الكبيرة التي تلقاها السكان ومن تضحيات قوات الأمن التي قدمت إلى مدينة الموصل السنّية البعيدة الواقعة شمال البلاد لتحريرها من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية».
وسيتمثّل رد تنظيم «الدولة الإسلامية» الأكثر ترجيحاً إزاء خسارة شرق الموصل في بذل جهود لتكثيف التفجيرات التي تستهدف المدنيين في بغداد، حيث أدت سبعة تفجيرات خلال الأيام الثمانية الأولى من عام 2017 إلى سقوط 87 قتيلاً وجرح ما لا يقل عن 231 شخصاً. وتقوم الحكومة العراقية والتحالف حالياً ببناء دفاعات في محيط بغداد عبر تركيب أجهزة استشعار على مناطيد مراقبة مربوطة وإطلاق عمليات أمنية معرقلة في الضواحي الريفية للمدينة من أجل تفكيك الخلايا التي تقوم بالتفجيرات.
مايكل نايتس
معهد واشنطن