عملنا لفترة طويلة من أجل تعزيز السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، باعتقادنا أنه بوجود حركتين قوميتين، يكمن الحل الواقعي الوحيد بإقامة دولتين لشعبين. لكن للأسف لم يكن هذا الهدف يوماً أكثر صعوبة. لذلك نعتقد أنه آن الأوان لوضع خطة بديلة، وهي مقاربة يستطيع الرئيس الجديد دونالد ترامب التوسط فيها.
من المفارقات، أن قرار مجلس الأمن الدولي الذي يُدين النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، بحكم سوء تخطيطه وشوائبه الهائلة، زاد من ضرورة الخطة البديلة. فمن خلال إعلانه بأن كافة المستوطنات هي “انتهاك صارخ للقانون الدولي“، أضعف القرار بذلك الصيغة الوحيدة التي كانت لها فرصة للتوفيق في مرحلة ما بين المطالب الإسرائيلية والفلسطينية بشأن الحدود النهائية – أي القبول بالكتل (أو التجمعات) الاستيطانية والعمل على مقايضة الأراضي. وعوضاً عن ذلك تسبب بتشدد مواقف الجانبين. وحتى بدون هذا القرار ذو النتائج العكسية، فإن الحقائق على الأرض والهوة السياسية والنفسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين تجعل التوصل إلى اتفاق سلام شامل قائم على حل الدولتين أمراً وهمياً في الوقت الحالي. بيد أن الامتناع عن التصرف هو الانجرار نحو قيام دولة واحدة، وهي نتيجة تعني بحكم التركيبة السكانية أن إسرائيل ستصبح بمرور الوقت دولة ثنائية القومية ولن تعد دولة ديمقراطية ذات غالبية يهودية. وفي المقابل، تشجع خطتنا البديلة على التعايش السلمي بين الطرفين عبر اتخاذ خطوات عملية تعيد الثقة المتزعزعة لكلا الجانبين، بحيث تحمي أمن إسرائيل بينما توجِد مجتمعاً فلسطينياً أكثر ازدهاراً وأقل نقمةً واستعداداً للعنف. ومن شأن الخطة البديلة أن تحل المعضلة التي تواجهها إسرائيل باعتبارها مركزاً محترماً للتكنولوجيا المتطورة ومندمجاً بعمق في الاقتصاد العالمي ولكنه معزولاً سياسياً أكثر من أي وقتٍ مضى. وفي الوقت نفسه، يمكن أن توفر للفلسطينيين فسحة أكبر للتطور، وتحد من حوافز العنف الفلسطيني وتساعد في الحفاظ على التعاون الفعال لمكافحة الإرهاب بين قوات الأمن الإسرائيلية والفلسطينية.
وتكمن نقطة البداية في وضع رؤية جديدة للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية يتم فيها الإقرار رسمياً بعدم تشابه جميع المستوطنات عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على حل الدولتين. وسوف تبقى هذه المستوطنات تحت حماية الجيش الإسرائيلي، ولا يتم أي انسحاب أحادي الجانب منها، كما حدث بصورة كارثية في قطاع غزة، وسيتم بناء ثلاثة أقسام رئيسية جديدة من الجدار الأمني غير المكتمل من أجل منع تسلل الإرهابيين.
ولتخفيف حدة التوتر مع إسرائيل، يمكن الاستمرار بأعمال البناء دون انقطاع ضمن الكتل الاستيطانية الكبرى الثلاث بالقرب من الخط الأخضر القائم ما قبل عام 1967 حيث يعيش أكثر من 8 من أصل 10 مستوطنين على مساحة تقل عن 5 في المائة من الضفة الغربية. وتتّسق هذه التجمعات مع حل الدولتين وقد تصبح جزءاً من دولة إسرائيل في إطار تسوية نهائية بينما تتم مقايضة أراض أخرى داخل إسرائيل لتصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية.
إلا أن التوسع الاستيطاني يجب أن يتوقف في تلك المناطق خارج التجمعات، بحيث يمكن أن تصبح تلك البقعة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في النهاية. ولن يتم إضفاء الشرعية على أي تلال أو بؤر استيطانية أخرى بأثر رجعي، والتي تعتبر حالياً غير شرعية وفقاً للقانون الإسرائيلي، على أن يراعى حكم القانون بشكل صارم لمنع البناء على الأراضي الفلسطينية الخاصة والحفاظ على خيار الدولة الفلسطينية على الأراضي المتصلة. وفي حين أعرب وزير الدفاع “المتشدد” أفيغدور ليبرمان عن تأييده لاتفاق يتم التوصل إليه مع إدارة الرئيس ترامب للسماح لإسرائيل بالبناء داخل التجمعات وليس خارجها، إلا أن هذه الخطوة تتسم بالصعوبة من الناحية السياسية على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نظراً لائتلافه الحالي. ويجدر بالذكر أنه خلال فترة رئاسة أوباما، لم يحدث سوى نسبة صغيرة من التوسع الاستيطاني في المستوطنات المعزولة تحت زعامة نتنياهو.
أما النقطة الرئيسية الأخرى في الخطة البديلة فهي تقوية الاقتصاد الفلسطيني من خلال تنمية القطاع الخاص بطريقة من شأنها أن تروق لإدارة ترامب عوضاً عن إرسال المزيد من المساعدات الأمريكية إلى السلطة الفلسطينية. وكانت اتفاقية أوسلو المؤقتة لعام 1995 قد قسمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، تعيش في اثنتين منها الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين البالغ عددهم 2,7 مليون نسمة دون أي مستوطنات إسرائيلية، بينما يحتفظ الإسرائيليون بالسيطرة الكاملةعلى أكبرها فقط، وهي المنطقة (ج).
وتشكل اليوم المنطقة (ج) 60 في المائة من الضفة الغربية وتضم تقريباً كافة مواردها الطبيعية وأراضيها الزراعية. ويكمن السبيل لتحقيق التقدم الاقتصادي للفلسطنيين في تطور حياتهم السكنية، ونموها في مجالات التنمية التجارية والزراعية والصناعية، التي لا يسمح حالياً لأي منها دون الحصول على تصاريح إسرائيلية، وهي تراخيص تكاد لا تُمنح بتاتاً. إن إمكانية وصول الفلسطينيين إلى الأراضي والمياه والكهرباء والتعليم والخدمات الصحية وفروع البنوك وأجهزة الصراف الآلي محدودة للغاية، في حين يستفيد المستوطنون الإسرائيليون من جميع هذه الخدمات وحتى لديهم شوارع خاصة بهم أيضاً. وفي الوقت الذي يواصل فيه الاقتصاد الإسرائيلي نموه السليم، لا عجب في أن يكون الاقتصاد الفسلطيني في حالة يرثى لها، مع ارتفاع معدلات البطالة.
يجب أن يكون هناك دعم سياسي إسرائيلي واسع لاتخاذ الخطوات الملموسة نحو تحسين هذه الظروف القاسية من خلال زيادة عدد الفلسطينيين العاملين في وظائف يومية داخل إسرائيل، وبالتالي خفض عدد العمال الفلسطينيين غير الشرعيين البالغ عددهم 50,000 عامل وزيادة التحويلات المالية التي يمكن استثمارها في الضفة الغربية. كما يمكن توسيع نطاق تراخيص البناء في المنطقة (ج) بشكل كبير، إلى جانب زيادة فرص الحصول على المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية للفلسطينيين في مختلف أنحاء الضفة الغربية، الأمر الذي يكفل دفع عجلة التنمية إلى الأمام. فضلاً عن ذلك، يمكن ربط المصارف الإسرائيلية والفلسطينية عبر نظام “سويفت“ القائم بين المصارف.
ويقدر “البنك الدولي” أن بإمكان هذه الخطوات أن تضيف نسبة 35 في المائة إلى “الناتج المحلي الإجمالي” الفلسطيني وتزيد من فرص العمل الفلسطينية بنسبة مماثلة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن “المناطق الصناعية المؤهلة“ التي تدعمها الولايات المتحدة تسمح للمنتجات التي تحتوي على محتوى إسرائيلي بنسبة لا تقل عن 10 في المائة بالدخول إلى الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية: وهذه المناطق قائمة في الأردن ومصر ويمكن إنشاؤها في الضفة الغربية لتعزيز التعاون فى مجال الأعمال التجارية بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتهيئة فرص العمل.
ولا يمكن للخطة البديلة أن تحل محل الحصيلة السياسية، بل هي مصممة لتغيير الظروف القائمة لكي تصبح المفاوضات ذات المغزى، التي هي مستحيلة اليوم، ممكنةً مع مرور الوقت، مع الحد من التوترات في غضون ذلك. ومن خلال بدء الرئيس الأمريكي المقبل بالعمل بالخطة البديلة، بإمكانه أن يمهد الطريق لاحقاً إلى التوصل إلى اتفاق نهائي الذي لا يزال بعيد المنال.
معهد واشنطن