ينما يشرع دونالد ترامب في ممارسة مهامه الرئاسية، ينخرط كل واحد منا في محاولة تخمين ما سيفعل. وخلال الشهر الماضي، سألني العديد من المراسلين الصحفيين: “ماذا تعتقد أن ترامب سيفعل، وما الذي يقلقك أكثر ما يكون”؟ وكان جوابي البسيط: “أعرف ما يقلقني أكثر ما يكون، لكنني لا أتوافر على أي فكرة عما سيفعله، لأنه لا يعرف ما سيفعل هو نفسه”.
خلال الحملة، كان ترامب قد وعد بالقيام بحمل سفينة من المبادرات والإجراءات الدرامية. وبعد فوزه، ربما يكون قد تغير الكثير أو اختفى وحسب. هيلاري كلينتون لن تذهب إلى السجن؛ والمكسيك لن تدفع تكاليف بناء الجدار؛ وكي لا ننسى، لم يعد وول ستريت أو جماعات الضغط يعتبرون مشاكل (إنهم في الحقيقة هم الحكومة الآن).
سوف نرى قريباً ما الذي سيفعله دونالد ترامب. وإذا كان عليّ أن أخمن، فإنني أفترض أنه سيبطل بعض الأوامر التنفيذية للرئيس أوباما، والتي حمت جودة الهواء ونقاوة المياه وحمت المستهلكين والعمال. وبلا شك، ستكون كل هذه الأمور تراجعات خطرة، لكنها لن تصب في بوتقة “الوعود الكبيرة” التي بذلها الرئيس الجديد لنقل بلدنا من الكابوس بعد الرؤيوي المظلم الذي وصفه في خطاباته إلى الرؤية التي تم تعريفها بشكل غامض: أن نكون أمة “عظيمة مرة أخرى”. فذلك يتطلب ما هو أكثر من: “أعدكم”.
أن تكون رئيساً هو أمر يختلف عن أن تكون نجماً في تلفزيون الواقع، أو أن تخوض حملة انتخابات أو أن تقوم بالتغريد على تويتر، أو أن تكون قطب عقارات ماهرا في الترويج للذات. وربما تكون الخطابات والوعود البراقة المغرورة قد حددت طريق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لكنني أخشى أنه قد لا يكون قادراً على التكيف مع التحديات هناك. وثمة عدة مسوغات تبعث على القلق.
يحب دونالد ترامب أن يكون مسيطراً، لكن وكما سيتعلم قريباً، فإن الرئيس ليس هو قائد الفريق بنفس القدر الكبير الذي يكون فيه أسير الفريق. إنه ليس الممثل الوحيد في هذه الملهاة ولا يمتلك السيطرة الكاملة على مجريات الأمور، أو حتى على أولئك الذين يفترض أنهم يعملون لصالحه. أن تكون رئيساً ليس بسهولة الظهور كنجم في برنامج تلفزيون خاص بك. فالرئيس -أي رئيس- يعتمد على جهاز موظفيه في المدخلات، وعلى قدرتهم على التنفيذ. وقد يبدو هذا أمراً بسيطاً، لكنك عندما تتأمل المدى الذي أوضح من خلاله أعضاء المجلس الوزاري الذين رشحهم ترامب أصلاً في جلسات الاستماع لشهاداتهم في الكونغرس عدم موافقتهم على وجهات نظره في قضايا حساسة، والمدى الذي تختلف فيه مواقف بعض الذين عينهم في المجلس الوزاري بشكل كبير عن مواقف مسؤولين رسميين في البيت الأبيض (فكر في الجنرال ماتيس في مقابل الجنرال فلين، وفي الجنرال كيلي في مقابل ستيف بيرنون وستيف ميلر)، فإنك ستجد أن الصراعات الداخلية تمهد الأرضية لفوضوية في صنع القرار.
كما يحتاج الرئيس الجديد أيضاً إلى الكونغرس ومؤسسة الحزب الجمهوري شديدة المكر لدعم أجندته. وهنا أيضاً ستكون سيطرته محدودة. فالقادة الجمهوريون في كلا المجلسين سيعطون ترامب شيئاً من شهر عسل فقط وهم يعلمون أنه بدأ رئاسته بتأييد منخفض. وحيث إن كل أعضاء مجلس النواب وثمانية شيوخ من الحزب الجمهوري سيواجهون إعادة الانتخاب في العام 2018، فلك أن تتوقع أن يشرع أعضاء الكونغرس قريباً في التفكير أكثر بانشغالاتهم المهنية الخاصة، وسيفكرون أقل بنجاح أجندة الرئيس. وسنرى عند حدوث تخبط كبير أو حادث محرج أو فضيحة مالية أو أخلاقية كيف سيكون الجمهوريون الموالون مع “رئيسهم”.
والأكثر أهمية من الصعوبات التي سيواجهها الرئيس في محاولته للسيطرة على جهاز الموظفين المتنافسين أو الكونغرس، سيكون عدم قدرته على السيطرة على التطورات غير المرئية التي ستتكشف في الوطن أو في الخارج. وغالباً ما ألاحظ أن الرؤساء لا يحكم عليهم من خلال نجاحهم في إنجاز الأجندة التي وضعوها لأنفسهم، وإنما من كيفية استجابتهم للأجندة التي يضعها لهم عالم غير قابل للتنبؤ به.
كان جورج دبليو بوش قد ووجه برعب هجوم 11/9 والخراب الذي أحدثه إعصار كاترينا وأسوأ انهيار اقتصادي منذ الركود العظيم. ولذلك، تخلص من النية الطيبة تجاه العالم بعد 11/9، وشن حربين كارثيتين وانخرط في التعذيب في الخارج وفي القمع في الوطن. وتعامل على نحو غير متقن مع إعصار كاترينا وكافح من أجل التعامل مع الركود.
وكان باراك أوباما قد بدأ سباقه للوصول إلى البيت الأبيض قبل أن يضرب الركود ضربته. فقدمت الرئاسة له كهدية غير مرغوبة. وورث صراعاً إسرائيلياً –فلسطينياً يعاني من حرب غزة الكارثية ومن انتخاب زعيم إسرائيلي عنيد لا يمكن إصلاحه. وترتب عليه أيضاً التعامل مع روسيا صاعدة، وصين تزداد عدوانية، والتداعيات غير المستقرة والخارجة عن السيطرة لما يدعى الربيع العربي. وأدار أوباما بنجاح دورة اقتصادية بينما كان يعمل من أجل تمرير مشروع قانون إصلاح الرعاية الطبية، وأجزاء أخرى كبيرة من التشريع المجتمعي. لكنه سجل نجاحاً أقل بكثير على صعيد الشؤون الخارجية. وكان نتنياهو يشكل مصدر صداع دائم شعر معه أوباما بأن ضغطاً يمارس عليه للتعامل معه بحذر شديد. وفشلت جهوده من أجل “التوافق” مع روسيا والعالم الإسلامي، وأعاقت السياسة المحلية وتفكك الشرق الأوسط رغبته في “إعادة التمحور نحو آسيا”.
عدم القدرة على السيطرة على الشعب والمؤسسات والتطورات سوف تكون اختباراً لرئاسة ترامب. لن يجد العملية سهلة لتسريح كل من لا يعزف على وتر قوانينه. وعلى النقيض من أعماله التجارية، فإنه لن يكون قادراً على إعلان إفلاسه والحصول على “إعادة”. وفي البيت الأبيض، إذا سرح بقيتنا وربما العالم بأسره، فسيعاني من التداعيات (تأمل مأزق حرب العراق التي شنها جورج دبليو بوش).
بالقدر الذي يكون فيه الرئيس الجديد متوجساً من الانشقاق في داخل إدارته ومن كونغرس غير متعاون ومن قادة أجانب مستقلي التفكير ومن حروب خارجية أو هجمات إرهابية أو غيرها من الكوارث التي قد تحدث، فإنني متوجس من الكيفية التي سيستجيب من خلالها دونالد ترامب والذي لا يمكن التنبؤ بما سيفعله للحالات التي لا يستطيع السيطرة عليها. فهو لم يظهر الصبر والتنظيم ورجاحة التفكير المطلوبة للتعامل مع قضايا معقدة ومشاكل غير متوقعة.
وهكذا، نعم، انا قلق من احتمال إبطال دونالد ترامب بعض العناصر الرئيسية لأجندة باراك أوباما التقدمية. ولكن، ولأكون أميناً، فإن الذي يقلقني أكثر من ذلك هو أنه في أي يوم، في ضوء ما شهدناه من شخصيته وما نعرفه عن متطلبات المنصب الذي احتله الآن، يمكننا أن نكون على بعد تغريدة واحدة من حادث دولي أو هجوم إرهابي أو حملة قمع جماعية.
جيمس الزغبي
صحيفة الحياة اللندنية