قال الرئيس الأميركي يوم الأربعاء قبل الماضي: “سأقيم قطعاً مناطق آمنة في سورية” للاجئين الذين يهربون من العنف في بلدهم الذي مزقته أعوام من الحرب الأهلية.
وفي أول مقابلة تلفزيونية له كرئيس، قال ترامب إن ألمانيا وبلداناً أوروبية أخرى ارتكبت خطأً فادحاً عندما سمحت لملايين اللاجئين بالمرور عبر حدودها.
وقال لشبكة “إيه. بي. سي.” التلفزيونية الأميركية: “لا أريد أن يحدث ذلك هنا”. لكنه لم يعط أي تفصيلات عما ستنطوي عليه خطته لإقامة منطقة آمنة في سورية.
ماذا يعني ترامب بالمناطق الآمنة؟
القصد من هذه المناطق هو أن تكون مناطق يستطيع المدنيون العيش فيها دون خوف من أن يستهدفهم أي طرف في حرب سورية الأهلية الطويلة، وأن تتوفر لهم الحماية من المجتمع الدولي. وترى إدارة ترامب أن المناطق الآمنة هي الطريقة لوقف، وحتى عكس وجهة هجرة السوريين إلى أوروبا والأماكن الأخرى.
حتى الآن، لم يذهب ترامب للخوض فيما هو أبعد من إعلانه “سوف أقيم قطعاً مناطق آمنة” للشعب السوري. وهي فكرة كان قد طرحها في تشرين الثاني (نوفمبر) كمرشح، عندما اقترح إقامة “منطقة آمنة جميلة وكبيرة، ويكون لديك ما يلزم ليستطيع الناس العيش، وسيكونون أكثر سعادة”.
والآن، عُهد إلى وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين بمهمة وضع التفاصيل. لكن مسودة الأمر الصادر عن البيت الأبيض توجه المسؤولين إلى “وضع خطة لتوفير مناطق آمنة في سورية وفي الأماكن المجاورة من المنطقة”. وسوف تكون الأخيرة أقل إشكالية بكثير.
سوف تحتاج المناطق الآمنة لتوفير الحماية لها من جانب قوات برية، بالإضافة إلى فرض منطقة حظر للطيران. وهي تتطلب بذلك تخطيطاً مفصلاً وموارد كبيرة كي تعمل. وثمة سؤال كبير: هل ستسعى الإدارة إلى إقامة مناطق آمنة من خلال الأمم المتحدة، أم من خلال الاتفاق مع حكومات أخرى (بشكل رئيسي روسيا وسورية)، أم بشكل أحادي؟ سوف يكون الاختيار الأخير محفوفاً بالمخاطر -على ضوء التواجد الروسي وعدوانية نظام الرئيس السوري بشار الأسد- وسيتطلب الزج بعدد كبير من القوات العسكرية الأميركية.
وكان الكرملين قد حذر يوم الخميس قبل الماضي من أنه “يجب على واشنطن التفكير في التداعيات المحتملة من وراء تأسيس مناطق آمنة”. وتبدي شكاً متواتراً من الخطط الغربية لهندسة تغيير للنظام في سورية (فكر في ليبيا وصربيا) تحت ستار المساعدة الإنسانية.
كيف ستعمل المناطق لوجستياً؟
يكون حجم وموقع هذه المناطق حساساً: وكذلك حال “قبولها” (أو عدمه) من الحكومة السورية وروسيا وتركيا. ولو أنشئت هذه المنطقة في شمال سورية، على سبيل المثال، فمن الممكن أن تشارك القوات التركية في حمايتها وإمدادها. وقد نحتت هي والمجموعات السورية التي تدعمها أصلاً منطقة لا تواجد فيها لتنظيم “داعش” ولا لمليشيات قوات حماية الشعب الكردية. لكن الكثير من اللاجئين سيكونون متوجسين جداً من العودة إلى أي جزء من سورية طالما ظل الوضع غير قابل للتنبؤ به. وسيكون من الصعب بشكل استثنائي ومثار تساؤل أخلاقي إجبارهم على فعل ذلك.
في الأثناء، ثمة الكثير من خطوط الصدع في شمالي سورية: هناك تواجد لكل من الأكراد و”داعش” والنظام وفصائل الثوار، بما في ذلك التابعة سابقا لتنظيم القاعدة، جبهة فتح الشام. وبالنسبة لـ”داعش” -حتى بالرغم من أنه على جانب الدفاع في الكثير من شمال سورية- فإن تواجد قوات دولية لحفظ السلام في محاولة لحماية المنطقة الآمنة سيكون احتمالاً مغرياً يسيل اللعاب.
لا يغيب عن البال أن ميدان المعارك الفوضوي والمائع في سورية -والصعوبة التي تكتنف حماية محيط ضخم من الأراضي المفتوحة- يجعل من تأسيس مناطق آمنة أمراً خطيراً جداً. كيف ستتم حماية هذه المناطق من تسلل مجموعات الثوار إليها؟ ولكل هذه المسوغات، نأت إدارة أوباما بنفسها عن دعم المناطق الآمنة، على الرغم من الضغوط الكبيرة التي مارستها تركيا التي لديها نحو 2.8 مليون لاجئ سوري مسجل.
وهناك أيضاً موضوع التكلفة. في العام 2013، قال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، إن منطقة حظر الطيران تتطلب “مئات الطائرات المتمركزة في القواعد الجوية وعلى متن حاملات الطائرات في البحر، ودعماً استخبارياً وحربياً ألكترونياً”، وهو ما يكلف حوالي مليار دولار في الشهر. وسوف يترتب تحويل بعض هذه الموارد من المهمات ضد “داعش” –وهي هدف رئيسي آخر للإدارة. (منطقة حظر طيران ومنطقة آمنة ليستا بالضرورة مفهومين متشابهين. ولكن، على ضوء استخدام الأسد للهجمات الجوية، فإن من الصعب تصور منطقة آمنة من دون منطقة حظر طيران).
اقترح الرئيس ترامب مراراً أن تتولى الدول الخليجية دفع تكلفة المحافظة على مناطق آمنة في سورية. وكان قد قال لصحيفة بيلد الألمانية في وقت سابق هذا الشهر: “كان يجب على الدول الخليجية أن تدفع نظير هذه المناطق. فبعد كل شيء، لديها النقود التي توجد بالكاد لدى آخرين”. لكن الدول الخليجية التي دعمت العديد من فصائل الثوار لم تقدم أي دعم علني لهذه الفكرة. وقبل عام من الآن، تحدثت السعودية عن نشر قوات برية في سورية لحماية مناطق معينة يسيطر عليها الثوار من النظام، لكن الفكرة سرعان ما تبخرت عندما رجحت كفة الأسد في ميدان المعركة.
هل سبق أن جربت في السابق؟ وإذا حدث، ماذا كانت النتيجة؟
نعم، تمت تجربتها في البوسنة وكانت المحصلة سيئة. في العام 1993 حددت المجموعة الدولية ست “ملاذات آمنة” للمجتمعات المسلمة لحمايها من هجمات الصرب. وقال تقرير للأمم المتحدة في ذلك الحين إن الهدف تضمن الحد من “فقدان الأرواح والممتلكات وردع العدوان وإظهار الاهتمام والانخراط الدوليين، وتمهيد المسرح لمفاوضات سياسية، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية”. وسيكون الهدف في سورية مشابهاً جداً على الأرجح.
وكان يجب أن تتوفر الحماية لهذه الملاذات الآمنة بتواجد لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ومن خلال استخدام القوة الجوية إذا اقتضت الحاجة. لكن قوات الأمم المتحدة لم تكن مسلحة كما يجب، وكانت قليلة على الأرض، مما مكن ميليشات الصرب البوسنيين في العام 1995 من اجتياح أحد الملاذات الآمنة –سربرنيتسا- وذبح آلاف الرجال والأولاد.
ثمة مخاوف من أن تعزز المناطق الآمنة انقسام سورية. فهل المخاوف مشروعة؟
إنها مشروعة، اعتماداً على مكان هذه ومدى ديمومتها –ومدى جودة إدارتها. وقد يريد الثوار الاستفادة من المناطق الآمنة لإعادة التزود بالإمداد والملاذ. وفي الأساس، لن يكون للحكومة السورية أي دور في هذه المناطق، وهو السبب في معارضتها باستمرار للفكرة، واعتبارها اعتداءً على سيادتها. والسؤال هو: عند أي نقطة سيكون تفكيك هذه المناطق آمناً. وإذا أصبحت ملاذات للآلاف ممن يعارضون النظام، فهل سينتهي المطاف بأن تصبح كانتونات للمعارضة؟
من الذي سوف يستفيد من هذه الخطة ومن سيخسر؟
المشكلة مع المناطق الآمنة هي أنها وسيلة لغاية وليست حالة دائمة. وإذا -وإذا كبيرة- كان هناك اتفاق دولي على إقامة مناطق آمنة في سورية، وإذا استطاعت روسيا جلب نظام الأسد إلى الحظيرة، فإن هذه المناطق يمكن أن تصبح بيت منتصف الطريق لإعادة توطين بعض الملايين على الأقل من السوريين الذين يتجرعون الآلام في مخيمات اللجوء في البلدان المجاورة. ومن شأن ذلك تخفيف بعض الضغط عن الحكومات المضيفة، مثل الأردن ولبنان وتركيا. ومن الممكن أن تقلل المناطق الآمنة الناجحة تدفق السوريين إلى أوروبا.
في الوقت الحالي، لا يوجد أي حافز واضح للأسد أو لروسيا للمساعدة في إقامة -أو حتى التسامح مع إقامة مناطق آمنة لا يسيطران عليها.
ويظل السؤال: ما هو الهدف النهائي للسياسة الأميركية في سورية الآن؟ هل ما تزال تستشرف إزاحة الأسد في نهاية المطاف واستمرار الدعم العسكري للأكراد وفصائل الثوار المعتدلين (أو تلك التي تنجو منها)؟ هل تم اختزال الهدف ليقتصر ببساطة على استهداف “داعش”؟ وهل ستصبح الولايات المتحدة “أفضل لاعب داعم” لعملية تمتلكها الآن بشكل مشترك روسيا وتركيا وإيران؟ يجب أن يناسب طرح المناطق الآمنة مع مخطط أضخم بكثير.
تيم ليستر
صحيفة الغد