بعد إجراء إيران لتجربة صاروخ باليستي، وتحذيرات من جانب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نتج عنها فرض عقوبات اقتصادية على إيران، يبدو الاتفاق النووي التاريخي مع إيران بعد عام من توقيعه مهددا عقب وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وعقب الاستفزازات الإيرانية.
ففي 16 يناير 2015، تم رفع القسم الكبير من العقوبات الدولية التي فرضت على إيران مقابل الحد من برنامجها النووي تنفيذا للاتفاق الذي كان قد وقع من جانب طهران والدول الست الكبرى، أي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وبتنصيب قطب الأعمال دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة 45 في 20 يناير الماضي والذي تزامن مع مرور عام على توقيع الاتفاق الذي وصفه المتابعون آنذاك بالتاريخي، لم يكف الرئيس الجديد عن انتقاده للاتفاق، الذي وعد خلال حملته الانتخابية بتمزيقه واصفا إياه بأنه فظيع، فقد عين في مناصب رئيسية في إدارته شخصيات معروفة بعدائها لإيران بدءا بوزير خارجيته ريكس تيلرسون الذي يريد مراجعة كاملة للاتفاق.
وعكست الأسابيع الأولى للإدارة الأميركية الجديدة رؤى ترامب المتشددة حيال السياسة الإيرانية حيث لم يكتف ترامب بالتحذير، ما ينبئ بأنه قد يعمد إلى إلغاء الاتفاق النووي الذي هاجمه في السابق أو البحث عن سبل للتعديل في بنوده مستقبلا خاصة بعد استفزاز طهران لواشنطن بتجربة الصاروخ الباليستي.
وتصاعدت التوترات بين طهران وواشنطن منذ أن دفع إجراء إيران لاختبار صاروخ باليستي مؤخرا إدارة الرئيس ترامب إلى فرض عقوبات على أفراد وكيانات مرتبطين بالحرس الثوري.
كما صعّد المسؤولون الإيرانيون من تصريحاتهم ضد سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه بلادهم، في خطوة اعتبر مراقبون أن الهدف منها اختبار المدى الذي قد تصل إليه ردة فعل ترامب، وهل هناك نوايا أميركية لضربات عسكرية تستهدف أنشطة إيرانية.
يأتي هذا فيما يذهب المراقبون إلى التأكيد على أن سياسة الرئيس الأميركي الجديد تقوم على تطويق إيران دبلوماسيا والضغط عليها بفرض عقوبات جديدة، وليس عبر ضربات عسكرية خاطفة.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أعلنت رسمياً فرض عقوبات اقتصادية على إيران، موضحة أنها تشمل 13 شخصاً و12 كياناً، وذلك على خلفية الأنشطة المرتبطة بالإرهاب.
وتتركز العقوبات على الشركات التي تورد معدات إلى البرنامج الصاروخي الإيراني والجماعات التي تساعد في تسليح ما تعتبره واشنطن منظمات إرهابية في المنطقة.
وتضع العقوبات إيران في مأزق جديد، خاصة أن اقتصادها مازال لم يتعاف بعدُ بالرغم من رفع الحظرعن تصديرها للنفط، وهو ما سيزيد من حدة الأزمة الاجتماعية في البلاد.
كما يعوقها عن أداء دورها الإقليمي خاصة في ما يتعلق بتمويل الميليشيات الحليفة في دول إقليمية خاصة حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن. ومن بين المتضررين من العقوبات ما قالت الإدارة الأميركية إنها شبكة مقرها لبنان يديرها الحرس الثوري.
وترى إدارة ترامب أن اختبار إيران الصاروخي يمثل انتهاكا للقرار الدولي 2231 الذي يطالب طهران بعدم القيام بأي نشاط له علاقة بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية.
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي مايك فلين قد اتهم الحكومة الإيرانية بالقيام بـ”سلوك ضار” بعد التجربة الصاروخية الباليستية التي أجرتها مؤخرا إلا أنه لم يتهم طهران بخرقها للاتفاق النووي.
وفي معرض احتجاجه على التجربة الإيرانية وصف ترامب إيران مؤخرًا بـ”أنها تلعب بالنار”، في خطوة تصعيدية زادت من حدة التوتر بين الجانبين حيث توعد ترامب، بالرد على طهران لتنفيذها التجربة الصاروخية بـ”طرح جميع الخيارات على طاولته ومنها الخيار العسكري”.
ودون أن يخفّض من درجة التصعيد، قال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس السبت إن بلاده ليست في حاجة لتعزيز وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، وهو تصريح اعتبره محللون أنه يلخص خطة إدارة الرئيس ترامب لمواجهة إيران ويكشف مساعي البيت الأبيض إلى أن يفرغ الاتفاق النووي من المزايا التي جعلت إيران تستمر في لعب الدور التخريبي في المنطقة.
مستقبل الاتفاق
يتوقع حسين موسويان، الخبير بشؤون الشرق الأوسط والسياسة النووية في جامعة برنستون الأمــيركية، والمفاوض النووي الإيراني السابق، التزام الولايات المتحدة، والأطراف المعنية ببنود الاتفاق.
ويعتقد موسويان، أن مجيء ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، لن يشكل تغييرًا في الموقف الإيراني حيال برنامجها النووي، وأن الأخيرة ستواصل الالتزام بتعهداتها في إطار الاتفاقية.
ويقول “لا أعتقد أن ترامب، سيلجأ إلى فسخ الاتفاق، وقرار كهذا من شأنه عزل الولايات المتحدة عن المجتمع الدولي”.
في المقابل رأت مجموعة أوراسيا المختصة في تقديم الاستشارات السياسية، وتتخذ من نيويورك مركزًا لها، “موسويان” أن نسبة صمود الاتفاق النووي 60 بالمئة.
وأكدت المجموعة في تصريحات إعلامية أن هذه النسبة مرشحة للانخفاض مع عقوبات محتملة قد يتخذها ترامب ضد إيران، في المستقبل.
وحتى وإن لم تلغ الاتفاق، فإن واشنطن ماضية بالتشدد في تطبيقه وفق مراقبين وإضافة تطبيقات أخرى عليه غفلت عن متابعتها إدارة أوباما بسبب تساهلها مع طهران.
وقال مصدران مطلعان لرويترز السبت إن الخيارات التي تبحثها الإدارة الأميركية تشمل الإصرار على تطبيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإجراءات رقابية أكثر صرامة مع إيران.
وأضاف المصدران أن الولايات المتحدة ستسعى أيضا إلى إلغاء بنود من الاتفاق تسمح بانتهاء بعض القيود على برنامج إيران النووي خلال عشر سنوات.
ويتوقع محللون أن أي خطوة لترامب ضد الاتفاق ستصطدم بمعارضة البلدان الأوروبية وروسيا والصين التي تبدي رضاها عن آلية تنفيذه.
وكان ممثل روسيا فلاديمير فورونكوف أكد على هامش اجتماع في فيينا للوكالة الدولية للطاقة الذرية في العاشر من يناير الماضي أن “كل شيء يتم كما هو مقرر”.
وقال ناصر هاديان أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طهران في تصريحات إعلامية سابقة “إذا كان الوضع سيتفاقم فلن يتم تمزيق الاتفاق لأن ذلك سيكون أمرا غبيا. حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والصقور الأميركيين يقولون إنه ينبغي عدم القيام بذلك”.
وتوقع الخبير تشديدا للعقوبات الأميركية التي لا تزال سارية والمرتبطة بوضع حقوق الإنسان في إيران ودعمها للإرهاب في الشرق الأوسط وبرنامجها الباليستي.
فرض عقوبات على إيران
من الواضح أن إدارة ترامب عادت إلى الأسلوب الأميركي القديم في تطويق إيران، أولا من خلال العقوبات ومنعها من استثمار الأموال المجمّدة التي بدأت إدارة سلفه باراك أوباما في تسليمها لها على دفعات.
وذكر ريتشارد نفيو، الخبير في شؤون العقوبات، والمفاوض الأميركي السابق مع إيران لوسائل إعلام أميركية إن عقوبات إدارة ترامب، ضد إيران، جاءت في إطار قانون العقوبات على إيران الممدد له حتى 2026.
وأوضح أن العقوبات، جرى تطبيقها في عهد الرئيسين السابقين جورج دبليو بوش وباراك أوباما. وكانت السلطات الأميركية بدأت تطبيق قانون العقوبات على إيران، في عام 1996 للمرة الأولى، وتم تمديده لعشرة أعوام في 2006، وعشرة أعوام إضافية في ديسمبرعام 2016.
وتوصلت إيران في 14 يوليو 2015، إلى اتفاق نووي شامل مع مجموعة القوى الدولية (الصين وروسيا وأميركا وفرنسا وبريطانيا إضافة إلى ألمانيا)، يحظر بموجبه على طهران تنفيذ تجارب صواريخ باليستية لمدة 8 سنوات.
ويقضي الاتفاق بتقليص قدرات برنامج طهران النووي، مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها، وقد دخل حيز التطبيق في يناير 2016.
واعتبرت الولايات المتحدة، أن إيران انتهكت قرار مجلس الأمن الدولي، من خلال تجربتها لصاروخ باليستي، الأسبوع الماضي، في حين تقول طهران إن الصواريخ غير قادرة على حمل رؤوس نووية.
وستسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطوات متشددة إلى أن تحد فيها من النفوذ الإيراني بمحاولة التفاوض حول بنود الاتفاق النووي مع إيران دون إلغائه، غير أن إقناع القوى الكبرى الأخرى وإيران ببحث فرص للتعديل قد يكون مستحيلا وفق متابعين.
ومن المرجح أن تكون مهمة إقناع الولايات المتحدة الأميركية لشركائها في الاتفاق النووي؛ بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا، بالاشتراك في مثل ذلك التفاوض شديدة الصعوبة ناهيك عن إقناع الإيرانيين أنفسهم.
وكان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد وعد الأميركيين بأن الاتفاق النووي من شأنه أن يحسن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، إلى جانب تحسين سلوك إيران.
صحيفة العرب اللندنية