مخيم الازرق (الأردن)- يجلس أحمد الخابوري أمام باب محل متواضع في مخيم الازرق في الاردن يحلم بالعودة الى سوريا “اليوم قبل الغد”، لكنه لا يبدو متفائلا بتحقيق ذلك قريبا على الرغم من المفاوضات المرتقبة في جنيف واستانا بهدف ايجاد حل للنزاع الدامي في بلاده.
ويقول أحمد، الشاب الطويل الملتحي (32 عاما) الذي غادر درعا في جنوب سوريا في 2014 ولجأ إلى الأردن مع وزوجته وأطفاله الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية أشهر وثلاث سنوات، “لا أعول كثيرا على المفاوضات”.
ويعيل الخابوري عائلته من بيع وتصليح الدراجات الهوائية. وتعتبر الدراجة وسيلة النقل الوحيدة داخل المخيم الواقع على بعد نحو 90 كلم شمال شرق عمان ويأوي نحو 54 الف لاجئ. ويقول عمه (65 عاما) “كل يوم أتخيّل نفسي جالسا امام بيتي في درعا. صورته والارض حوله مزروعة لا تفارق قلبي وعقلي”.
ويضيف الرجل الذي ارتدى الثوب العربي الابيض وكوفية حمراء والذي يزور ابنته في المخيم بينما هو مقيم في مخيم الزعتري القريب من الحدود، “سوريا هي الوطن، سوريا هي الارض والماء والهواء، لكن الى اين نعود؟ ما زالت الحرب قائمة”.
وردا على سؤال حول المفاوضات التي ستعقد في استانا الخميس والجمعة وفي جنيف الإثنين، يقول بغضب “كل تلك المفاوضات والدعوات كاذبة، جميعهم أسوأ من بعضهم، من المعارضة الى النظام، هم يضحكون على الشعب السوري ويتاجرون به”. ويستضيف الاردن، بحسب الامم المتحدة، اكثر من 650 الف لاجئ سوري مسجلين رسميا، فيما تقول عمان ان عدد السوريين في المملكة يقارب 1,3 مليونا.
وفي مدرسة داخل المخيم، ترسم غزل (خمسة أعوام) أشكالا على ورقة بيضاء وتلونها وهي تضحك مع رفيقاتها، وتقول “أشتاق الى صديقاتي وروضتي والجيران” في ريف حمص في وسط سوريا، مضيفة “بابا يفكر بالعودة، لكن ماما ترفض بسبب الخوف”.
ويطبق في سوريا منذ 30 ديسمبر وقف هش لاطلاق النار برعاية تركية وروسية، لكن المعارك مستمرة في مناطق عدة، إذ يستثني وقف إطلاق النار المجموعات الجهادية، ويشهد خروقات عديدة. وتسبب النزاع الدامي المستمر منذ حوالي ست سنوات بمقتل أكثر من 310 آلاف شخص، وبتشريد نصف السكان وبدمار هائل.
ويقول علي الغوثاني (42 عاما) من درعا في جنوب سوريا، والذي يعمل في مجال بيع الاجهزة الكهربائية في سوق في مخيم الازرق لإعالة أسرة من عشرة افراد، “اذا تحقق الامان في سوريا، سأعود فورا حتى ان كان بيتي مهدما، سأبنيه من جديد. لا غنى لنا عن بلدنا”.
لكنه لا يعرف متى تتحقق هذه العودة. ويقول صديقه عبد المنعم المذيب (45 عاما) الذي يعمل في صيانة الأجهزة الخليوية، “إن شاء الله تهدأ الأمور، لكن من سيعود ليبدأ حياته من الصفر؟”.
وفي مخيم المرج في شرق لبنان الحدودي مع سوريا، يعبر لاجئون آخرون عن التشكيك ذاته. ويقول طارق سلوم (24 عاما) النازح من مدينة الزبداني قرب دمشق بينما يقف امام غرفة سقفها عبارة عن لوح من الزنك، وقد ارتدى معطفا اسود، “لا نتأمل شيئا، عقدوا حوارا أربع او خمس مرات دون نتيجة. يعقدون مؤتمرا ويتقاتلون داخل المؤتمر، لن نصل الى حل”.
ويضيف “الخاسر هو الشعب المسكين الذي خرج من بلده. كيف يمكن ان يشعر من يعيش في فندق خمسة نجوم بالوجع؟. لا يشعر بالوجع سوى من يعيش اللجوء هنا وهناك”. وتقول قاسية العز النازحة من حمص منذ عام 2013 ولها عشرة اولاد، وهي تجلس داخل خيمتها، “نريد امانا وبيتا صغيرا لي ولاولادي، لا نريد اي شيء آخر”.
وتضيف “يسقط النظام او لا يسقط، لا فرق بنظرنا. المهم الامان لاولادي، المهم الا يبقوا تحت الدمار والحرب. اتمنى ان نرجع الى بلادنا واراضينا. كنا نعيش بامان واطمئنان، بلادنا حلوة”. ولجأ اكثر من اربعة ملايين شخص الى خارج سوريا لا سيما دول الجوار، خلال سنوات النزاع، وهم يعيشون في ظروف صعبة.
ونتيجة هذه الظروف، تتمسك شاديا خالد العمر (19 عاما) وهي أم لولدين، بشيء من الامل، “حالتنا تعيسة جدا. نضع أملنا في الحوار الذي سيعقد لنعود الى بلادنا. لا نريد اي شيء، مستعدون ان نعيش في البرية من دون إعمار، المهم ان أعود مع ولدي واشعر بالانتماء الى المكان الذي أنا فيه”.
العرب اللندنية