يمكن القول ببعض الطرق إن حدة ترامب تنافس الحدة التي كان جورج دبليو بوش قد تبناها بعد الهجمات الإرهابية في 11 أيلول (سبتمبر) من العام 2001. لكن العالم لا يبدي اهتماماً بشن حرب صليبية عالمية أخرى على الإرهاب، سواء كان ذلك عن قصد أو غير ذلك، ومن الممكن أن يمنح ترامب انتصارات دعائية لـ”داعش” والمجموعات المتطرفة المشابهة.
خلال حملته الانتخابية، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد وعد بأنه لن يكون هناك تغيير مفاجئ في وجهة النظر ضد الدولة الإسلامية “داعش”، وتحدث عن خطة سرية لديه لتدمير المجموعة الإرهابية. وبعد أن تولى منصب الرئاسة في 20 كانون الثاني (يناير) الماضي، ما تزال خطة الرئيس لتدمير “داعش” سراً. ومع ذلك، فإن استراتيجيته قد بدأت في اتخاذ شكل ببطء.
في اليوم الأول للرئيس ترامب في البيت الأبيض، أصدر وزير دفاعه الجديد، جيمس ماتيس، أمراً بتنفيذ 31 ضربة جوية في سورية والعراق ضد أهداف لتنظيم “داعش”. ومنذ ذلك الحين، نفذت الولايات المتحدة هجمات عديدة في البلدين، وأيضاً ضد تنظيم القاعدة في اليمن.
وفي الأثناء، تقول تقارير إعلامية إن مباحثات ترامب مع زعماء روسيا وتركيا وبريطانيا وفرنسا ركزت في الغالب على العمل سوية في القتال ضد “داعش”، الذي لطالما اعتبرت هزيمته أولوية للسياسة الخارجية لترامب، وكذلك للأمن القومي الأميركي.
يبقى أن تكشف الأيام المقبلة ما إذا كان ترامب سيتعرض إلى القيود أو غير ذلك بسبب التعقيدات التي تكتنف الدفاع عن المصالح في الخارج، وخاصة العلاقات الأميركية مع روسيا وتركيا والشركاء العرب الخليجيين. وهذه العلاقات معقدة، لأن هناك أصحاب حصص مختلفين في الحرب السورية، والذين لا يستطيعون التوصل إلى إجماع حول ما إذا كان مقبولاً استمرار الرئيس السوري، بشار الأسد، في سدة السلطة، بالإضافة إلى استمرار مسؤولين في نظامه، والذين يزعم أنهم متورطون في ممارسات عنف غير قانونية ضد المدنيين.
ومن جانب آخر، أظهرت جهود مباحثات السلام المدعومة من روسيا إشارات واعدة، لكن التقدم الذي يتم إحرازه على هذا الصعيد ما يزال هشاً. كما أنه من غير الواضح ما إذا كان ترامب سيوقف، أو أنه يستطيع أن يوقف دعم الولايات المتحدة للثوار السنة الذين يقاتلون كلا من الأسد و”داعش”، والدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للثوار الأكراد الذين يقاتلون “داعش” أيضاً، وهي الجهود التي دفعت أنقرة عميقاً إلى داخل معسكر موسكو.
تقف المصداقية الأميركية على المحك عندما يتعلق الأمر بسورية، وسوف يعمل التراجع السياسي على تعقيد الطريقة التي تستطيع من خلالها التأثير على التطورات الإقليمية، في وقت يبدو فيه توازن القضايا الإقليمية الحساسة الأخرى حرجاً. ومع ذلك، يبدو عرض المصداقية من نوع ما ذا أهمية كبيرة بالنسبة لترامب، بينما يحاول أن يبين المدى الذي يكون فيه متأثراً فيه بالمعارضة والمقاومة، ولم يجر أي تغييرات جذرية في أسلوب حملته المتهور في القيادة.
سوف يؤثر حظر ترامب الشامل على دخول المسافرين من سبعة بلدان ذات أغلبية إسلامية -سورية والعراق واليمن وليبيا والسودان والصومال وإيران- إلى الولايات المتحدة، والتدقيق المشدد على القادمين من أفغامستان وباكستان، سوف يؤثر ذلك على نصف مليار شخص تقريباً. ومع التشكيك في قانونية الحظر، فسر منتقدون الحظر على أنه منع للمسافرين والمهاجرين المسلمين تحديداً من دخول الولايات المتحدة.
ومن جهتهم، شعر حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون الغربيون بأنهم مكرهون على انتقاد الإدارة الأميركية الجديدة. وقد تسبب التماس في بريطانيا لمنع ترامب من زيارة المملكة المتحدة بعد توجيه دعوة له للقيام بزيارة رسمية، في حرج خطير للحكومة البريطانية. وخلال زيارتها للولايات المتحدة؛ حيث كانت رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، أول زعيم أجنبي يجتمع مع ترامب في البيت الأبيض، توقفت في أماكن عدة في واشنطن، وتحدثت عن الحاجة إلى بناء شراكات والسير بعيداً عن الخوض في حروب لا يمكن كسبها.
من الممكن القول ببعض الطرق إن حدة ترامب يمكن أن تنافس حدة جورج دبليو بوش بعد الهجمات الإرهابية في 11 أيلول (سبتمبر) من العام 2001. لكن العالم ليس مهتماً بشن حرب عالمية صليبية أخرى على الإرهاب عن قصد أو غير ذلك، ومن الممكن أن يعطي نهج ترامب انتصارات دعائية لـ”داعش” والمجموعات المتطرفة مشابهة.
وفي الظروف الطبيعية، تعد عملية تشديد إجراءات الهجرة والسفر من المناطق عالية الخطورة فيما يتعلق بالإرهاب ممارسة معيارية وامتيازاً للحكومات السيادية. وفي الحقيقة، واجه العديد من المسافرين، وخاصة المسلمين، صعوبات في الحصول على التأشيرات وتصاريح الهجرة إلى الولايات المتحدة منذ العديد من السنوات. فعلى سبيل المثال، واجهت البلدان السبعة التي استهدفها حظر ترامب إجراءات مستهدفة خلال إدارة أوباما، عندما قام الرئيس بتعليق إصدار تأشيرات دخول للولايات المتحدة لحاملي الجنسية المزدوجة في إطار برامج التنازل.
في الوطن كما في الخارج، يظل ترامب شخصية سياسية مثيرة للجدل. وقد جلبته شجاعته ومباشرته إلى البيت الأبيض، لكنه سيكون التوازن السياسي هو الذي سوف يمكنه من إنجاز ما يريد إنجازه، وهو ما يبدو أنه تحت المراقبة والتمحيص.
قد لا يقصد ترامب كل ما يقوله، وقد لا يكون قادراً على قول كل ما يقصده على الرغم من مقته الشديد الذي يعترف به للنزاهة السياسية، لكن أسلوبه خلق معارضة تزداد قوة في الوطن وفي الخارج، إلى حد ربما يستوجب إجراء مراجعة أجزاء كبيرة من خطته السرية ضد “داعش”، حتى قبل أن يكون بالإمكان الكشف عنها بالكامل.
صباحات خان
صحيفة الغد