صعود جماعة الحوثي في اليمن وتصدرها للمشهد السياسي وتشكيلها لقوة عسكرية ومحاولتها السيطرة على البلاد عقب الثورة اليمنية، لم يكن بعيدا عن ولاء الحركة لطهران وتدعيم النظام الإيراني لها، بغية زرع الصراع الطائفي في منطقة الخليج ومحاولة تشييعه. يظهر دعم النظام الإيراني الواضح لتحرّكات الحوثيين في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، حيث قال علي شيرازي ممثل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في فيلق القدس التابع للحرس الثوري إن “جماعة الحوثي في اليمن هي نسخة مُشابهة من حزب الله في لبنان، وستدخل هذه المجموعة الساحة لمواجهة أعداء الإسلام”، كما وصفهم مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي بأن “هذه الحركة جزء من الحركات الناجحة للصحوة الإسلامية” مُعلنا بشكل واضح أن إيران تدعم الحوثيين في اليمن. ومن خلال هذا الدعم تمكن الحوثيين من السيّطرة على العاصمة اليمنية صنعاء في 21 أيلول/سبتمبر عام 2014م، واجتياح المحافظات اليمنية الواحدة تلو الأخرى، وتنفيذ انقلابهم على الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي بنجاح.
في 26 آذار/مارس عام 2015م، انطلقت عاصفة الحزم لإنقاذ اليمن من انقلاب الحوثيين على الشرعية اليمنية، فقد ظن الحوثيون أن يد النظام الإيراني سيمتد بسخاء لدعمهم ومناصرتهم، لسببين رئيسيين؛ الأول: أنهم ذراعه الأيمن الذي أصبح يحكم سيطرته على أغلب أجزاء اليمن وبيده السلطة والثروة والقوة باليمن، والآخر: أنهم القوة التي تحقق رغبته في الانتقام من منافسه التاريخي والفكري المملكة العربية السعودية .
ومع مرور الوقت وتلقي الحوثيين وحليفهم المخلوع علي عبدالله صالح الضربات الموجعة من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والجيش الوطني والمقاومة اليمنية، ووقوف النظام الإيراني مكتوف الأيدي، والاكتفاء باستخدامهم كأدوات في صراعه الإقليمي والدولي، وكورقة يناور بها إعلاميًّا سياسيًّا مع إرسال بعض السلاح والمدربين والخبراء، بدأ العديد من قيادات الحوثيين في التذمر وإعلان مواقفهم ضد النظام الإيراني.
وقد تمكنت وحدة الدراسات العربية بمركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية من خلال مراسليها في اليمن في رصد أوجه ذلك التذمر، على النحو الآتي:
أولًا: عدم رضا الحوثيين عن استمرار الحرب لأن باستمراها ستؤدي إلى المزيد من خسائرهم المادية والبشرية رغم الشعارات والتثقيف لعناصرهم بضرورة الصمود والمواجهة بحجة الدفاع عن المذهب الشيعي.
ثانيًا: مع استمرار عاصفة الحزم توصل الحوثيون إلى قناعة مفادها: أن النظام الإيراني يهدف إلى إطالة أمدها بغية السيطرة على اليمن تحقيقاً لمصالحه الخاصة والتي تتمثل باحكام نفوذه في المشرق العربي.
ثالثًا: أدى قصف المقاتلات الحربية لعاصفة الحزم واستهدافها لمواقع الحوثيون في اليمن إلى تأثير بمعنوياتهم بسبب الخسائر التي وقعت في صفوف مقاتليهم. كما أن جرحى الحوثيون يرسلون إلى داخل النظام الإيراني لمعالجتهم نظرًا إلى قلة المستشفيات والأدوية والكادر الطبي لدى الحوثيين في اليمن.
رابعًا: لم يقتصر تذمر الحوثيون على النظام الايراني عند ذلك المستوى، بل امتد ليشمل ما يقدم لهم من وجبات طعام لمقاتليهم، إذ يقدم لهم أسوأ الوجبات صباحًا ومساءً.
يتضح من هذا التذمر أن الحوثيون بدءوا يدركون أن دعم النظام الإيراني لهم يأتي في إطار وضع قواعد جديدة للسياسة في الشرق الأوسط، ومساومة القوى الإقليمية والعظمى بشأن ملفات عِدة، بأن يضع يده على باب المندب، ويدق الأبواب الخلفية لدول الخليج، فالنظام الإيراني استغل حالة الانفلات الأمني وضعف الدولة اليمنية عقب الإطاحة بنظام علي عبدالله صالح لتنفيذ مخططه، من خلال صعود جماعة الحوثي إلى سدة الحكم في اليمن. ولا يندرج دعمه للحوثيين في إطار الدفاع عن المذهب الشيعي في المنطقة العربية بل أن النظام الإيراني يستخدم ذلك المذهب في سياق تحقيق مصالحه القومية. وما أدل على ذلك محاولة النظام الإيراني تقويض استقلال أذربيجان بطرق مختلفة، على سبيل المثال، ممارسة ضغوطات على الأقلية الأذرية التي تقطن شمالي إيران، وعرقلة مشروعات أنابيب الطاقة، وانتهاك المجال الجوي الأذري، وتقديم الدعم لأرمينيا ” المسيحية على أذربيجان “الشيعية”في نزاع ناغورنو كارباخ. لأنها رفضت النموذج الخميني واتبعت النموذج العلماني.
هذا المثال يُبين البرغماتية في السياسة الإيرانية لذا على الحوثيين أن يعملوا على مراجعة مواقفهم وتحالفهم مع النظام الإيراني، فهم ليس إلا ورقة يستخدمها ضد خصومه الإقليميين، فالأجدر بهم العودة إلى حاضنتهم العربية وأن يتم تسوية الخلافات بين شركائهم في الوطن اليمني على أسس وطنية عروبية ولا يسمحوا أي الحوثيون للنظام الإيراني بواسطتهم خلق بؤر توتر وفوضى في اليمن، أملًا أن تطال لاحقا دول الخليج العربي المجاورة وتشعل اضطرابات فيها، وتصدير الحركات الشيعية في المنطقة ما يساهم في توسيع نفوذه بالمنطقة.
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية