بغض النظر عن الأفكار الجديدة التي طبخها نتنياهو وترامب، فإن هناك شيئاً واحداً يبقى مؤكدا: ليس هناك ببساطة أي حل منطقي آخر للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، سوى قيام دولتين مستقلتين، يهودية وفلسطينية.
* * *
ظل الرئيس دونالد ترامب وفياً تماماً لتخبطه المعتاد حول كل القضايا، عندما صرح خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بقوله “أنظر إلى الدولتين والدولة الواحدة، وأحب الحل الذي يحبه كلا الجانبين… أستطيع أن أعيش مع أي من الخيارين”. وبقوله ذلك، يكون ترامب قد أعطى نتنياهو كل ما كان يأمل في الحصول عليه -افتراق عن حل الدولتين. ولتحقيق ذلك، يقال إن ترامب يبحث عن خيارات أخرى يمكن أن تحشد الدول العربية -التي تتقاسم في الوقت الحالي مصالح استراتيجية متبادلة مع إسرائيل لتشكيل جبهة موحدة ضد عدوهم المشترك: إيران- للمساعدة على التوصل إلى حل للمشكلة الفلسطينية.
من المؤكد أن الزعيمين اللذين يعانيان من ورطة –حيث يواجه نتنياهو تحقيقات جنائية عدة بالفساد، ويتعرض ترامب للهجوم من كل زاوية بسبب تصريحاته المشينة، وتناقضاته، وانغماسه في الذات- من المؤكد أنهما وجدا السلوى وأحدهما في الآخر.
عاد نتنياهو إلى الوطن وهو يشعر بالانتصار؛ حيث نجح على ما يبدو في إبعاد ترامب عن فكرة الدولتين، بينما قدم ترامب نفسه كرجل دولة يفكر خارج الصندوق، عن طريق النظر إلى خيار تحقيق سلام إسرائيلي-عربي شامل، والذي يمكن من خلاله صياغة حل للأزمة الفلسطينية.
على الرغم من أن مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، مايك بومبيو، كان قد اجتمع مع الرئيس محمود عباس في اليوم الذي سبق المؤتمر الصحفي، قال لي مسؤول أردني رفيع في عمان إن عباس كان واضحاً تماماً خلال الاجتماع حول أنه ليس هناك الآن -ولن يكون هناك أبداً- بديل عن حل دولتين قائم على مبادرة السلام العربية. وبالإضافة إلى ذلك، أشار عباس إلى أن موقف حماس حول حل الدولتين لا لبس فيه، وعلى أي حال، يجب أن تشكل غزة والضفة الغربية دولة فلسطينية واحدة.
ادعى نتنياهو في العادة بأنه ما يزال يؤمن بحل الدولتين خلال العديد من اللقاءات التي خاضها مع وزير الخارجية السابق جون كيري، لكنه غير موقفه باستمرار.
وفي العادة، ادعى نتنياهو أن شركاءه في الائتلاف من اليمين المتطرف يعارضون قيام دولة فلسطينية تحت أي ظروف، وأن حكومته يمكن أن تنهار إذا سعى بنشاط إلى تحقيق هذه الفكرة، كما لو أنه لن يقوم بتشكيل حكومة جديدة مع أحزاب اليسار أو الوسط الملتزمة بحل الدولتين. ومع ذلك، واصل ترديد أغنية الدولتين لأجل الاستهلاك العام، ولكي يزيح إدارة الرئيس أوباما عن ظهره.
بغض النظر عن الأفكار الجديدة التي طبخها نتنياهو وترامب، فإن ثمة شيئاً واحداً يظل مؤكداً: ليس هناك ببساطة أي حل منطقي آخر للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني سوى قيام دولتين مستقلتين، يهودية وفلسطينية.
ولا تعتمد صلاحية هذا الحل فقط على الحفاظ على إسرائيل كدولة ديمقراطية بهوية قومية يهودية بينما يتم الوفاء بتطلعات الفلسطينيين إلى قيام دولة خاصة بهم. بل إن فحصاً واعياً للبدائل المحتملة التي تطفو الآن سيكشف أنها لا تقوم على أي أساس في الواقع.
ليس الأردن، ولن يكون أبداً، دولة فلسطينية (كما يدعو بعض الإسرائيليين) لأن المملكة الهاشمية سوف تقام ذلك بكل قوتها؛ ويشكل قيام دولة واحدة ثنائية القومية قبلة الموت للحلم الصهيوني؛ وإقامة دولة فلسطينية في غزة بينما يتم ضم الكثير من الضفة الغربية إلى إسرائيل، هي فكرة ليس لها أي فرصة؛ وإقامة فيدرالية بين إسرائيل والأردن وفلسطين هي مجرد أضغاث أحلام. وأخيراً، سوف يقابل خيار حصر الفلسطينيين في الضفة الغربية في كانتونات تقوم بإدارة شؤونها الداخلية على النحو الذي تراه مناسباً، بمقاومة عنيفة من الفلسطينيين حتى يصل الاحتلال إلى نهاية.
صحيح أن الدول العربية تنظر إلى إسرائيل اليوم كحليف محتمل في وجه التهديد الإيراني، وربما تكون هناك فرصة تاريخية لحل الصراع الإسرائيلي-الفسطيني في سياق سلام عربي-إسرائيلي شامل. لكن هذه الفرصة لا يمكن أن تتحقق إلا في سياق مبادرة السلام العربية.
المتطلب المركزي لتطبيق مبادرة السلام العربية هو إيجاد حل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، والذي يكون قائماً على حل دولتين، وهو ما سيفضي بالتالي إلى سلام إقليمي. وفي حقيقة الأمر، سوف تستطيع الدول العربية، فقط إذا اعتنقت إسرائيل أولاً مبادرة السلام العربية، أن تقدم دعمها لحل دولتين عن طريق الضغط على الفسلطينيين لتقديم التنازلات اللازمة للتوصل إلى اتفاق سلام.
على أولئك الذين يزعمون أن حل الدولتين قد ولى زمنه ويجب استكشاف أفكار خلاقة وجديدة، أن يعرفوا أنه تم التفكير بالكثير من الأفكار الجديدة. ومع ذلك، لم تستطع أي منها أن تقدم حلاً يفي بمتطلبات الإسرائيلييين والفلسطينيين بقيام دول مستقلة وديمقراطية تتمتع بهويات قومية، يهودية وفلسطينية، على التوالي.
لقد وجد نتنياهو في ترامب شريكاً في التآمر. وكان للرجلين تاريخ حافل من الحديث المزدوج، والكذب المضلل الذي كثيراً ما يكون صريحاً. ويعمي الاثنين عن الحقائق جوعهما للسلطة، وهما مستعدان لقول أي شيء يمكن أن يرضي ناخبيهما قصيري النظر. وليس لدى أي منهما الرؤية ولا الشجاعة للتسامي فوق الخلافات، ولا يمت أي شيء قالاه بشكل مشترك بأي صلة إلى الواقع الصلب الذي يختاران تجاهله.
كان ما أظهره نتنياهو وترامب خلال مؤتمرها الصحفي هو أنهما غارقان كلاهما في الأوهام؛ حيث يجدان منطقة للراحة الحقيقية، بينما يتركان الإسرائيليين والفسطينيين لمواجهة مستقبل يعوزه اليقين، ولا تُحمد عقباه.
آلون بن مئير
صحيفة الغد