خطيب شيعي عراقي: العملية السياسية لا تصلح، الأجدر إسقاطها

خطيب شيعي عراقي: العملية السياسية لا تصلح، الأجدر إسقاطها


بغداد – حمل خطيب شيعي عراقي بعنف على العملية السياسية الجارية في العراق منذ سنة 2003 بقيادة أحزاب شيعية، معتبرا أنها سبب مآسي البلد ومحنه، وداعيا إلى إسقاطها كونها غير قابلة للإصلاح.

وقال خطيب العتبة الكاظمية مهدي الخالصي في خطبة الجمعة إن “العملية السياسية موضوعة لخراب البلد وأهله”.

والعتبة الكاظمية هي أحد المعالم المقدّسة لدى شيعة العراق وتقع بالعاصمة بغداد وتضمّ ضريح الإمام موسى الكاظم وحفيده الإمام محمد الجواد.

ورغم أن العملية السياسية التي أطلقها الاحتلال الأميركي للعراق سلمت زمام قيادة البلد لأحزاب شيعية موالية لإيران، ما يفسّر حرص الأخيرة على حماية تلك العملية ومواجهة أي دعوة لإسقاطها، إلاّ أن الساحة العراقية لا تخلو من مراجع ورجال دين شيعة معارضين للعملية السياسية ورموزها، ومتمرّدين على التبعية لإيران، معتبرين العراق مصدر التشيّع وأصله وأن المنطق السليم يقتضي أن يكون التأثير من العراق باتجاه إيران، ومن النجف باتجاه قم، وليس العكس.

ويرصد متابعون للشأن العراقي تنامي تيار مناهضة إيران في العراق بفعل تراكمات 14 سنة من وقوع البلد ضمن دائرة التأثير الإيراني، وهي فترة سلبية على مختلف المستويات، السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ما جعل ذلك التيار يجد له أتباعا ليس فقط داخل بعض الأوساط الدينية الشيعية الرافضة للتبعية لمراجع إيران، ولكن أيضا داخل أوساط سياسية شيعية، إمّا غير مرضي عليها من قبل طهران وحُرمت بفعل ذلك من المشاركة في السلطة، وإما لكون بعض رموزها من دعاة الدولة المدنية الذين ينظرون إلى التشيع باعتباره مسألة عقائدية لا يجب أن تقحم في السياسة.

وسجّل التيار الداعي للفكاك من الهيمنة الإيرانية أيضا حضوره داخل الأوساط الشعبية الشيعية، وهو ما تجسّد في مظاهرات لعشرات الآلاف من الشيعة كانت شهدتها في شهر مايو من العام الماضي العاصمة بغداد ودوّى خلالها شعار “إيران برة برة”.

وتنظر إيران بريبة شديدة لأي محاولة للتحرّر من هيمنتها على القرار السياسي العراقي وتتصدّى له عبر أذرع قوية لها من قادة أحزاب وميليشيات شيعية.

رجال دين عراقيون شيعة يعتبرون أن المنطق السليم يقتضي أن يكون التأثير من النجف باتجاه قم وليس العكس

وبهذه العين المرتابة تنظر للتواصل الكثيف الجاري حاليا بين رئيس الوزراء حيدر العبادي والإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس ترامب، وأيضا لمحاولة العبادي الانفتاح على المملكة العربية السعودية، بحثا عن متنفّس لأزمات العراق الخانقة.

وقال الخالصي في خطبة الجمعة التي أقيمت في العتبة الكاظمية إنّ “الوضع الذي عليه العراق الآن ليس مِنّا أو أرادته الأحزاب الحاكمة الآن”، مذكرا بأنّه من صنع الولايات المتحدة.

ويطلق اسم التيار الخالصي على المرجعية المنسوبة إلى الشيخ مهدي الخالصي (الجدّ)، أحد قادة ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني للعراق. وللتيار منهج فقهي متفرّد يميل إلى التسامح بين المذاهب وعدم الغلوّ، كما اشتهر هذا التيار بمعارضته السياسية لتجارب الحكم التي توالت على العراق.

وعلى هذه الخلفية عارض الاحتلال الأميركي للبلد ودعا إلى مقاومته، ورفض الدستور الذي يعتبره نتاجا أميركيا، ولا يزال يعارض العملية السياسية ويدعو إلى مصالحة جديّة بين شيعة العراق وسنّته وإلى إعادة البلد إلى حاضنته العربية الطبيعية.

وتعليقا على الضجّة القائمة حول القانون الانتخابي ومفوضية الانتخابات وما يدور حولهما من صراع بين أطراف شيعية مشاركة في العملية السياسية وتريد إعادة صياغتهما بما يلائم مصالحها، قال الخطيب الخالصي، إنّ “المشكلة ليست في مفوضية الانتخابات أو قانونها أو أي شيء آخر، بل المشكلة في أصل العملية السياسية، فأنتم تنتخبون من تريدون، لكن الأحزاب تأخذ صناديق الاقتراع وتخرج من تريد، وقد جرّبتم هذا مرارا، ونحمّل المسؤولية لكل من كان يستطيع أن يغير في العملية السياسية ولم يغير”.

ويتضمّن هذا الكلام اتهاما صريحا لكبار زعماء العملية السياسية في العراق بتزوير الانتخابات، وهو أمر شائع ومتداول بين الأوساط السياسية والشعبية، وبات أمرا مسلّما به و”عرفا” مستقرا في السياسة العراقية.

ودعا الخالصي العراقيين إلى “الاستيقاظ والتفريق بين من يريد الشر لهم فيخدعهم، ومن يريد الخير فينصحهم”، قائلا “كفى ذلاّ وخوفا”.

وتوجّه إلى السياسيين بالقول “نحن نريد ممن جرّبوا هذه العملية السياسية الفاشلة بأن يخلّصوا أنفسهم من المسؤولية وأن يقولوا إنها أضرت بالشعب العراقي، وهي من صنع الاحتلال، ويوضحوا للشعب أضرارها ويعملوا على إخراج البلد من هذه الدوامة”.

وبشأن دعوات الإصلاح الرائجة في العراق، قال الخالصي “كل دعوات الإصلاح المطروحة ترقيعية ولا أمل فيها، ومنها الدعوات إلى التسوية، فهي استغفال للشعب العراقي وتسكين آلام لا غير، لأن من يطلقونها مستفيدون من العملية السياسية الحالية على حساب الشعب العراقي المتضرر منها”.

ويرتبط مشروع التسوية الشاملة بين مكوّنات العراق بزعيم المجلس الأعلى الإسلامي، رجل الدين الشيعي عمّار الحكيم الرئيس الحالي للتحالف الوطني الذي طرح هذا المشروع خلال الفترة الحالية التي تعتبر مرحلة ترتيب لأوضاع العراق استعدادا لمرحلة ما بعد تنظيم داعش.

وتعرّض المشروع لانتقادات حادّة اعتبر أغلب أصحابها أنّ هدفه الحقيقي محاولة تجميل العملية السياسية المترهّلة لضمان استمرارها، وبالتالي استمرار السلطة بأيدي الأحزاب الشيعية الموالية لإيران.

العرب اللندنية