يدفع أهالي الموصل ثمن الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية مرتين بلا ذنب اقترفوه؛ دفعوه حين كانوا تحت سيطرة تنظيم الدولة، وحين استعيدت مناطقهم من قبل القوات الحكومية.فمن بقي منهم بالمدينة تجافت جنوبهم عن المضاجع من هول القذائف والقنابل التي تنهال على رؤوسهم كما المطر، ومن نجح في الخروج منها يعاني الأمرين؛ فلا خيام تقيهم زمهرير البرد ولا مؤونة تسد رمقهم.كثيرون ممن فروا من غربي الموصل إلى جنوبها -وهم بالألوف- قطعوا مسافة عشرة كيلومترات سيرا على الأقدام تحت المطر، وبعضهم حفاة، حتى وصلوا مناطق تخضع لسيطرة القوات العراقية، وقد أخذ التعب منهم كل مأخذ.
عشرات الألوف من المدنيين لاذوا بالفرار من غرب الموصل منذ أن بدأت القوات العراقية حملتها العسكرية لاسترداد المدينة من قبضة تنظيم الدولة في 19 فبراير/شباط الماضي.
وانضم إلى هؤلاء ثلاثة آلاف آخرون في أحدث موجة نزوح من حيي المأمون وتل الرمان (غربي المدينة).
سهام النقد
وفي ظل هذه الحالة المزرية التي يعاني منها النازحون، لم يجد وزير الهجرة العراقية جاسم محمد الجاف بُدّا من توجيه سهام النقد إلى الأمم المتحدة؛ بسبب ما يراه تقصيرا من جانبها في مساعدة مواطني بلده.
ولم يشر الوزير العراقي إلى دور حكومته -وهي المعنية الأولى بالأزمة- في إغاثة رعاياها على الرغم من أن التحضير للمعركة بدأ قبل نحو عام.
من جهتها، أكدت المنظمة الدولية أن تقديم المساعدات في طليعة أولوياتها، وأنها تعمل بأسرع ما يمكن لمساعدة النازحين.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، فإن أكثر من 190 ألف مدني نزحوا من الموصل حتى الآن.
وكانت القوات العراقية استردت الجزء الشرقي من الموصل في يناير/كانون الثاني الماضي بعد مئة يوم من القتال الضاري، قبل أن تشن هجومها على الأحياء الواقعة على الضفة الغربية من نهر دجلة في 19 فبراير/شباط.
ويرى محللون أن من شأن إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة في الموصل أن تكتب شهادة وفاة الفرع العراقي من دولة الخلافة التي أعلنها زعيمها أبوبكر البغدادي في 2014 من على منبر جامع نوري العتيق بالموصل.
وما بين تقاعس حكومة بغداد وعجز المنظمات المحلية منها والدولية، تزداد أحوال النازحين في المخيمات سوء يوما بعد يوم.
وينتظر من دفعتهم ظروف الحرب إلى الفرار من ديارهم نقلهم إلى مخيمات اللاجئين في جنوبي الموصل المكتظة أصلا.
وحتى ذلك الحين، ليست ثمة بارقة أمل تلوح في الأفق، ويبدو أن على هؤلاء الانتظار أسابيع وربما شهورا قادمة.