هل تبدأ الحرب الأهلية اليمنية بعد فرار “هادي” من قبضة الحوثيين؟ السيناريو الأرجح: هروب الرئيس ضمن الوفد الخليجي الذي زاره
هرب الرئيس هادي من محتجزيه الانقلابيين (الحوثيين).. الرئيس يسحب استقالته ويعود لمنصبه رئيسا للجمهورية فور مغادرته صنعاء وصوله العاصمة الجنوبية (عدن).. الرئيس يصدر أول قرار جمهوري بعد عودته لمنصبه يعلن فيه أن ما جري “انقلاب” وكل القرارات التي أصدرها الحوثيون “غير شرعية وباطله“.. فهل كانت كل هذه التطورات إعتباطية غير مدروسة أم أن هناك ترتيبات سبقتها، وأن الأهم من الخروج من صنعاء “المحتلة” – كما تطالبه قوي سياسية بإعلانها – هو ما سيلي هذه الخطوة على الأرض، أي التداعيات السياسية، وأهمها إسقاط الانقلاب.
طريقة خروج الرئيس من صنعاء “متخفيا“، كانت أيضا محورا لتوقع خطواته اللاحقة، وهل هي فردية أم بالتعاون مع قوي إقليمية (الخليج) أم دولية (أمريكا ومجلس الأمن الذي طالب الحوثيون بإنهاء احتلالهم وحدد مهلة حتى 3 مارس المقبل، لأن أحد أهم الروايات التي قيلت تفسيرا لهروبه هي أنه خرج مع وفد خليجي كان هو آخر وفد زار الرئيس هادي في منزله، بحسب صحيفة الشارع اليمنية.
ولو صح هذا السيناريو الذي يشير لعملية مرتبة ومعقدة لإخراج الرئيس ضمن وفد مكون من 10 سياسيين يمنيين وخليجيين زاروا هادي في منزله في صنعاء، فهو يشير ضمنا، ربما لصفقة من نوع ما مكنت هادي من الخروج من منزله والذهاب إلى عدن، أو بمعني أصح تخطيط استخباراتي دولي محترف، ما يعني توحد إرادة الداخل مع الخارج ضد إرادة الانقلابيين المحسوبين علي إيران، التي يخشى الخليج تمدد نفوذها الإقليمي علي حساب استقراره.
بعبارة أخري ربما تكون هناك صيغة أتفاق أو تسهيلات قدمت من الرئيس هادي أو حتي “علي صالح” – بعدما تجاهله الحوثيون – لمن دعموا هروب هادي من دول الخليج في إطار صفقة جانبية مع المجموعة الخليجية قد تكفل مصالح سياسية متبادلة، وقد تعطي لصالح دورا سياسيا لو كان هو من ساعد هادي.
ولا ننسى هنا أن الرئيس هادي أعلن عن استمرار المبادرة الخليجية التي سعي الحوثيون بدفنها، وهو ما يشير لدور خليجي وربما سعودي قوي، والأهم أن بيان هادي يعطي دول الخليج بتبنيه مع باقي القوي السياسية للمبادرة الخليجية، الفرصة للتدخل رسميا في اليمن.
وهو ما أكده أيضا أحد مسئولي جماعة الحوثي في تصريحات صحيفة، حيث قال إن الرئيس هادي استغل رفع تفتيش مسلحي الجماعة لكل من دخل وخرج إلى منزله، بعد زيارة بنعمر، وتمكن من مغادرة منزله على متن سيارة واحدة، يعتقد أنه خرج فيها مع هذا الوفد اليمني الخليجي، واتجه إلى مكان ما في العاصمة، ثم تحرك خارج صنعاء، ثم رافقه موكب كبير يقوده قائد حراسته، العميد صالح الجعيملاني، إلي عدن.
سيناريوهات المستقبل
ربما لهذا يري كثير من المحللين اليمنيين أن سيناريوهات المستقبل لا تخرج عن أمرين: (الأول) أن يبدأ هادي بالتعاون مع باقي القوي السياسية والقبائل اليمنية خصوصا تلك التي تدعمها السعودية مثل “مأرب“، في استعادة سلطاته ونفوذه وسيطرته علي كل اليمن، وأن يصطدم هذا مع سلطة الحوثيين، حيث تتنازع السلطة جهتين، ولا يحسم الأمر إلا بالسلاح الذي قد يؤدي لحرب أهلية.
أما السيناريو الثاني، فهو أن يفشل “هادي” وحلفاؤه في استعادة صنعاء، ما قد يؤدي ربما لمنحى سلبياً، كأن يسرع الأمر من استقلال الجنوب الذي انتقل له الرئيس وبات رئيسا له فقط مقابل سيطرة الحوثيين علي الشمال، وربما بدأت إرهاصات ذلك.
وهنا يشير الخبير الاستراتيجي المصري عادل سليمان إلي أن هذا قد يكون مدبرا ومقصودا من الحوثيين (أي غض الطرف عن هروب هادي) حيث يقول: “لماذا غض الحوثيين الطرف عن خروج هادى من صنعاء وتركوه يذهب إلى عدن عاصمة الجنوب وهى أيضا موطنه ويبدأ نشاط سياسي مع محافظي الجنوب ولجنة أمنية؟“.
وقد ذكرت مصادر في أسرته، أن هادي خرج بالفعل بعملية تكتيكية واستخباراتية، موضحة أن رئيس جهاز الاستخبارات اللواء علي الأحمدي هو من خطط للعملية بالتنسيق المسبق مع الرئيس المستقيل وقيادات رفيعة في الحرس الرئاسي التي تمكنت من الدخول عبر قوات التدخل السريع.
وأشارت إلى أن هناك قوات من أبناء محافظات تعز وعدن استغلت هدوء الأوضاع في صنعاء وعملت على اختراق الطوق الحوثي ما مكنها من الوصول إلى هادي في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ونقلته بسيارات مدنية متنكرا في ملابس قبلية.
مؤشرات الحرب الأهلية
فقد وقعت اشتباكات بين القوات الخاصة ومسلحين حوثيين حاولوا اقتحام معسكر القوات الخاصة في منطقة الصباحة غرب العاصمة صنعاء الجمعة، وقال مصدر بالقوات الخاصة أن مسلحين حوثيين حاولوا اقتحام مقر القوات الخاصة لكن جنودها تصدوا لهم ومنعوهم من الدخول.
وسبق أن حاول الحوثيون اقتحام المعسكر ما أدى إلى اندلاع اشتباكات أسفرت عن مقتل الرائد فضل الشرافي وإصابة خمسة جنود آخرين.
والقوات الخاصة مجموعة ألوية بينها خمسة متخصصة في مكافحة الإرهاب مقرها الصباحة غرب صنعاء ولها معسكرات أخرى بمحافظات حضرموت والحديدة وذمار.
كما استمرت حالة الغضب الشعبي وخروج المظاهرات في كل المدن اليمنية ضد الانقلاب الحوثي وبدأ الحوثيين التعامل معها بالرصاص، وقتل شخص وأصيب نحو خمسة آخرين في إطلاق مسلحي الحوثي الرصاص الحي على مسيرة مناهضة للانقلاب في محافظة “إب” وسط اليمن، كما اطلقوا الرصاص علي مظاهرات أخري في صنعاء وغيرها.
أيضا كشف مركز استراتيجي جنوبي (مسارات) في دراسة ميدانية عن احتمال اجتياح جماعة الحوثي للمحافظات الجنوبية خلال الأيام القادمة وفرض سيطرتهم عليها، مشيرا لوجودهم حالياً في مدينة البيضاء الشمالية الحدودية لمدينتي أبين ولحج الجنوبيتين، وتسلل المئات من الحوثين إلى محافظات جنوبية أبرزها حضرموت وعدن خلال الأيام الماضية متخفيين في الزي التقليدي الجنوبي وسرعان ما ينخرطون ضمن صفوف الأمن المركزي والحرس الجمهوري، استعدادا لغزو مدن الجنوب.
وجاء في الدراسة الميدانية التي أعدها مركز مسارات للإستراتيجية والإعلام تأكيده استخدام الحوثيين نفس الطرق التي سلكتها قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح في دخول الجنوب في حرب صيف 1994م من القرن الماضي.
ويقول محللون يمنيون أن هناك أوراق قوة عديدة لدى الرئيس هادي، فهناك معسكرات لم تصلها يد الحوثي، وهناك الملايين يؤيدونه والإقليم الجغرافي المحيط والأمم المتحدة، حيث لم تعترف أي دولة بالانقلاب.
ورطة الحوثيين
ويقول باحثون ومحللون يمنيون أن خروج هادي من صنعاء وضع الحوثيين في ورطة وكشف الغطاء للمرة الثانية عن انقلابهم، وأنه إذا كان هادي تعامل مع بدايات انقلابهم بهدوء وتقدم باستقالته للضغط عليهم، فهو هذه المرة – وبعدما كشف الغطاء السياسي عنهم في كل اليمن – وضعهم في موقف ضعيف، فإما الانسحاب من صنعاء وخسارة كل أوراق القوة والتمكين التي اكتسبوها، وإنما التصدي للهادي ومؤيديه وفتح الباب أمام حرب أهلية.
حيث يري الباحث اليمني محمد جميح أن هادي اتخذ خطوتين جريئتين: الأولى عندما استقال ورفع الغطاء السياسي عن الحوثي، والثانية حين خرج من حصاره واستعيدت “المبادرة الشرعية“، مطالبا إياه بإعلان صنعاء “عاصمة محتلة“.
ووصف خروج هادي من إقامته الجبرية بأنها “ضربة للمشروع الإيراني في اليمن“، داعيا إلى بدء الحوار تحت غطاء المبادرة الخليجية، فيما اعتبر عضو مؤتمر الحوار الوطني ماجد السقاف خروج هادي “كسرا للحصار المضروب على كل اليمن” وللقوى السياسية التي كانت خاضعة لمفاوضات مع الحوثي.
وأصدر هادي بيانه الرئاسي الأول عقب هروبه، حيث اعتبر فيه الإجراءات الانقلابية محاولة “لتمزيق لحمة الوطن” وأن كل ما ترتب عقب 21 سبتمبر “باطل وغير شرعي“.
ولأنه لا يملك تلفزيونا خاصا، كما أن تلفزيون “عدن ” الرسمي تم إيقاف بثه من قبل جماعة الحوثي في يناير الماضي، سّرب هادي بيانه الأول الرافض لـ”انقلاب” الحوثي لقناة “الجزيرة” القطرية صاحبة الجمهور العريض في الشارع اليمني، وأكد تمسكه باستكمال العملية السياسية المستمدة من المبادرة الخليجية.
وقال هادي، في البيان الذي وصفه مراقبون بـ”الرصاصة التي استقرت في جمجمة الانقلاب“، أن كافة القرارات والإجراءات منذ 21 سبتمبر (يوم اجتياح الحوثيين المسلح لصنعاء) خارج إطار الشرعية “باطلة“، كما طالب برفع الإقامة الجبرية عن رئيس الحكومة المستقيلة “خالد بحاح” وكافة رجالات الدولة.
اعتراف حوثي بالانقلاب
والملفت أنه ما أن أعلن الرئيس اليمني المستقيل، عبد ربه منصور هادي، سحب استقالته من منصبه وتمسكه بشرعيته رئيسا للبلاد بعد تمكنه من الفرار من اعتقال الحوثيين له في منزله إلى مدينة عدن، واعتبر ما جري انقلاب، وأن كل القرارات الصادرة منذ 21 سبتمبر، تاريخ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، “باطلة ولا شرعية لها“، حتي خرج المتحدث باسم الحوثيين ليعترف ضمنا بان ما جري انقلاب مشبها ما فعلوه في اليمن بما حدث في مصر عقب انقلاب السيسي.
ولكن المتحدث باسم الحوثيين (ضيف الله الشامي)، حاول وصف الانقلاب بأنه “ثورة شعبية علي الطريقة المصرية“، حيث قال لفضائية مصرية أن: “الشعب اليمني تحرك لانتزاع حقوقه وسيادته واستقراره، كما فعل الشعب المصري“، واصفا خروج الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي من صنعاء بأنها خطوة سلبية ضمن خطط التآمر على الوطن.
وأضاف في مداخلة هاتفية على قناة “دريم” الفضائية المصرية: “إن للشعب اليمني عبرة بالشعب المصري الذي تحرك واستعاد حقوقه من بين أسنان كل الذئاب التي حاولت سرقة ثورته“، زاعما أن اليمنيين يخطون بالخطى نفسها التي يخطو بها الشعب المصري، على حد قوله.
معركة سياسية
ويبدو أن الرئيس هادي عازم علي خوض معركة سياسية أولا مع الحوثيين، لإدراكه أن الحرب العسكرية يمكن أن تقسم اليمن وتزيد تشرذمه، خصوصا في ظل أنباء استيلاء الحوثيين علي الكثير من عتاد الجيش ووصول شحنات دعم ايرانية عسكرية لهم.
ولذلك طالب هادي الحوثيين الذين استولوا على العاصمة صنعاء في سبتمبر الماضي إلى الخروج منها، لافتا إلى أنه ملتزم بالخطة الانتقالية التي وضعت في 2012 التي تهدف إلى التحرك نحو الديمقراطية، وتابع “كل الخطوات والتعيينات التي اتخذت من 21 سبتمبر باطلة ولا شرعية لها“، داعيا إلى انعقاد اجتماع الهيئة الوطنية للحوار في عدن أو تعز حتى خروج الميليشيات من صنعاء.
واعتبر هادي في بيان، أصدره مساء السبت من عدن، وذيله بتوقيعه “رئيس الجمهورية” أن “كل القرارات الصادرة منذ 21 سبتمبر، تاريخ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، “باطلة ولا شرعية لها“.
ودعا هادي، في بيانه، الهيئة الوطنية للحوار للانعقاد في عدن أو تعز، معلنا تمسكه بالعملية السياسية والمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومسودة الدستور لليمن الاتحادي الجديد، كما دعا إلى “رفع الإقامة الجبرية عن رئيس الحكومة ورجالات الدولة، وإطلاق المختطفين“، في إشارة إلى حكومة خالد بحاح المستقيلة.
وفي ختام بيانه، حيا هادي “أبناء شعبنا الذين عبروا عن رفضهم للانقلاب“، في إشارة إلى الإعلان الذي أصدرته “اللجنة الثورية” التابعة للحوثيين في السادس من الشهر الجاري.
وما يساعد الرئيس هادي علي هذه المعركة السياسية، هو دعم القوي السياسية والقبائل له، فقد أعربت أحزاب اللقاء المشترك في محافظة تعز جنوب اليمن، عن سعادتها بوصوله إلى مدينة عدن جنوب البلاد، عقب مغادرته بشكل سري لمنزله المحاصر من قبل مسلحين تابعين لجماعة الحوثي.
وأثنى “المشترك” في بيان له، على موقف الرئيس هادي بشأن “استمرار الشرعية الدستورية والعملية السياسية القائمة على المبادرة الخليجية، واعتبار كل ما تم بعد 21 من سبتمبر من العام الماضي غير شرعي وانقلابا يجب إسقاطه“.
ودعا البيان القوى السياسية إلى “اتخاذ موقف وطني في دعم الشرعية، واستعادة الدولة، بعيدا عن الحسابات الخاصة، فاليمن تستحق الكثير من التضحيات، والكثير من الحزم، والتنازل عن أي أجندة خاصة لصالح الوطن“. كما طالبته بمصارحة الشعب بكل التفاصيل، واتخاذ مواقف حازمة وسريعة لإنهاء الانقلاب ومحاصرته.
وفي السياق ذاته، قال النائب في البرلماني اليمني منصور الزنداني :إن الرئيس هادي، مازال شرعياً، طالما أن مجلس النواب لم يبت في الاستقالة التي رفعها إليه الشهر الماضي، وهذا ما أظهره البيان الصادر عن هادي، الذي تمسك بشرعيته رئيسا للبلاد.
أيضا أكد مدير العلاقات الخارجية بحزب الرشاد السلفي بسام الشجاع أن هادي ربما تدارك الوضع الرخو الذي تعيشه البلاد، من خلال موقفين عظيمين؛ الأول بإعلانه الاستقالة في يناير الماضي، والآخر بمغادرته صنعاء إلى مدينة عدن جنوبي البلاد.
واعتبر أن “مغادرته للعاصمة صنعاء التي يجمع اليمنيون على أنها محتلة من قبل مسلحي الحوثي، مثّل انتكاسة حقيقية لهم، وذهبت مساعيهم الانقلابية أدراج الرياح” على حسب وصفه، معتبرا أن “تراجع الرئيس اليمني عن الاستقالة وتمسكه بشرعيته رئيسا للبلاد، لاشك أنها خطوة غيرت قواعد اللعبة السياسية“.
وتبني مجلس الأمن الدولي 16 فبراير الجاري قرارا بالإجماع بشأن اليمن أدان فيه استيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن وطالبهم بالانسحاب من مؤسسات الدولة ومنحهم مهلة 15 يوما للامتثال له، أي حتى 3 مارس المقبل، كما طالبهم بإطلاق سراح المسئولين المختطفين، أولهم الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، ورئيس الحكومة المستقيل خالد بحاح، كما أدان استخدام مليشيات الحوثي للقوة ضد المتظاهرين السلميين.
ولا شك أن القرار يمثل دفعة أيضا للرئيس هادي وخصوم الحوثيين ويشكل عاملا ضاغطا أخرا عليهم يدفعهم إلي خارج دائرة الشرعية الدولية لو أصروا علي تحدي الجميع، وحينما ربما يبرر هذا دعم أو مساندة دول خليجية أو أجنبية للرئيس هادي ضد الانقلاب الحوثي وتشهد البلاد حربا بالوكالة بين مؤيدي الرئيس ومؤيدي الحوثيين.
عادل القاضي – التقرير