التغييرات المناخية تهدد الأمن الغذائي العالمي

التغييرات المناخية تهدد الأمن الغذائي العالمي

ta8

كان تكيّف الأنظمة الزراعية مع التغييرات المناخية موضوع نسخة 2015 من صالون الزراعة الّذي فتح أبوابه يوم السبت 21 يناير في باريس، ويعدّ هذا الموضوع تحديًّا أكثر إلحاحًا باعتبار أنّ تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري تعرقل الجهود المبذولة لمكافحة الجوع.

خرج الأمن الغذائي الّذي كان منسيًا إلى الآن من المفاوضات حول المناخ من منطقة الظلّ، خلال الجلسة التحضيرية الأولى للمؤتمر العالمي حول المناخ الّذي سيعقد في ديسمبر القادم في باريس؛ إذ إنّ النصّ المتكوّن من 86 صفحة الصادر في أعقاب أسبوع المحادثات الّذي عقد في جنيف السويسرية يوم 23 فبراير، والّذي سيكون أساس المفاوضات المناخية الرامية إلى احتواء الاحتباس الحراري بدرجتين مئويتين، اعترف بضرورة “ضمان صمود المجتمعات الأكثر ضعفًا، وسبل العيش والأمن الغذائي في الدول النامية“. وقد أدرج الموضوع في ديباجة النصّ كذلك.

إطعام 9 مليار إنسان في عام 2050

رحّبت المنظمات غير الحكومية بهذا التقدّم، وتعلم أنّ عليها “الكفاح” من الآن إلى حلول شهر ديسمبر لتدرج هذه المسألة في الاتّفاق النهائي الّذي سيتمّ التوقيع عليه في باريس، وفي الواقع سيكون الإغراء كبيرًا لسحب هذا القرار من قبل دول الشمال، باعتبار أنّ الأمن الغذائي في صلب التنمية ومكافحة الفقر. وأيضًا، من دول الجنوب باعتبارها غير منفصلة عن مشكلة تغير المناخ.

ووفقًا لمنظمة الأمم المتّحدة للتغذية والزراعة (الـ فاو)، يجب زيادة الإنتاج الغذائي بنسبة 70 % في السنوات الـ 35 المقبلة من أجل إطعام 9 مليار إنسان ستعدّهم الأرض بحلول 2050 مقابل 7 مليارات اليوم. ولكنّ الاحتباس الحراري قد يؤثّر بقدر كبير على الزراعة، وبالتالي على سبل عيش المجتمعات الأكثر ضعفًا؛ فـ”في إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا، تعتبر الزراعة مصدر رزق 80% من السكان” حسب علي عبده بونغايري، المنسق الوطني لشبكة المناخ والتنمية في النيجر.

واليوم، لا يزال 805 ملايين من الناس حول العالم يعانون من الجوع، ووفقًا لبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي قد يعاني 600 مليون شخص بالإضافة إلى هذا الرقم من عدم الأمن الغذائي بحلول عام 2080؛ بسبب التغييرات المناخية.

خفض الإنتاجية

أكّد التقرير الخامس للفريق الحكومي الدولي لخبراء تغيير المناخ، الّذي نشر في نوفمبر 2014، على أنّ التغييرات المناخية ستكون لها تأثيرات على مختلف جوانب الأمن الغذائي بداية من كمية الأغذية المنتجة، دون أي جهد حقيقي للتكيّف، يمكن أن ينخفض مردود الزراعات الرئيسة (القمح والأرز والذرّة) بنسبة 2% في العقد الواحد. وهذه الانخفاضات في الإنتاجية الّتي لوحظت في المناطق المعتدلة، ستكون أكثر شدّة في المناطق الاستوائية الأكثر عرضة للتغيير المناخي والمتأثرة بالفعل من انعدام الأمن الغذائي.

أضاف علي عبده بونغايري: “الأثر حقيقي وموجود بالفعل، ففي سنة 2014، تساقطت أول أمطار في النيجر يوم 24 أبريل وكانت كثيفة جدًّا. فزرع المنتجون محاصيلهم، ولكننا انتظرنا ستّة أشهر للحصول على أمطار أخرى وكانت قويّة جدًّا أيضًا. فهذه الاضطرابات المناخية لا تشكّل خطرًا على المحصول الحالي فقط؛ بل تعرّض المحاصيل القادمة للخطر أيضًا. والأمطار الأقلّ تواترًا والأكثر كثافة، تتسبّب في الواقع في فيضانات الحقول ليتفاقم بذلك الانجراف وتدهور التربة الخصبة“.

ويشكّل الانخفاض المتوقّع في المردود في بعض المواد الغذائية الأساسية، بالإضافة إلى خسائر المحاصيل الناجمة عن الظواهر الجوية المتطرّفة الأكثر تواترًا والأكثر كثافة، خطرًا على ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتقلّباتها المتزايدة. وتؤكّد دراسة أجرتها المنظمة غير الحكومية أوكسفام نشرت في أواخر 2012 على أنّ معدّل سعر السلع الأساسية (الذرة والقمح والأرز) قد يتجاوز الضعف خلال السنوات العشرين القادمة، مقارنة بالأرقام المسجّلة في عام 2010 وبين ثلث هذه الزيادة ونصفها ناتج عن التغييرات المناخية. وتشير بيغي باسكال المكلّفة بقسم الشكاوى في منظمة Action contre la faim [العمل على مكافحة الجوع، الفرنسية] إلى أنّ “الأمن الغذائي ليس مجرّد مسألة على مستوى الإنتاج الزراع، فهو في المقام الأوّل مسألة لتوزيع الغذاء والحصول عليه“.

وأخيرًا، تجعل الأسعار المرتفعة والمتقلّبة حصول الشعوب الأكثر فقرًا على الطعام أكثر صعوبة، وقد تخلق توترّات في نهاية المطاف؛ فارتفاع أسعار الحبوب كان السبب الأوّل لأعمال الشغب الّتي انتشرت كالنار في الهشيم عام 2008 من دكار إلى مكسيكو مرورًا بالقاهرة.

لوموند – التقرير