قالت سوزان بركات، شقيقة أحد ضحايا حادث إطلاق النار في تشابل هيل، في مقابلة مع محطة سي إن إن، إن فيلم “القناص الأمريكي” لم يساعد فقط على “تجريد المسلمين من الإنسانية“؛ ولكنه أيضًا قد خلق جوًا هو أقرب إلى “موسم مفتوح” ضد المسلمين الأمريكيين. واعتبرت بركات أن هذا المناخ من التعصب ضد المسلمين هو الذي أدى إلى إعدام شقيقها على أيدي الهمجي كريغ ستيفن هيكس.
هل كان وصف بركات الوضع بأنه “موسم مفتوح” ضد الأمريكيين المسلمين رد فعل للحزن الذي تعانيه؟ أم أنها كلمات كئيبة تصف حقيقة ما يحدث في أمريكا اليوم؟
للأسف، يمكننا فقط دراسة حالات العنف والترهيب ضد المسلمين التي حدثت في الأسبوع الماضي وحده؛ لنلاحظ اتجاهًا متزايدًا في التعصب ضد المسلمين. ففي يوم الجمعة الماضية، دمر حريق متعمد المركز الإسلامي في هيوستن، بتكساس. وكتب رجل إطفاء على الفيس بوك: “دعوه يحترق.. أغلقوا صنبور الماء“. وفي يوم الثلاثاء الماضي، ألقت الشرطة القبض على رجل للاشتباه في محاولته استخدام “قنبلة” ضد المركز الإسلامي في أوستن، في تكساس. كما استهدف معبدًا هندوسيًا في بوثيل، بواشنطن، عن طريق الخطأ بعبارات معادية للمسلمين على جدرانه. لقد حدثت كل هذه الأحداث في أسبوع واحد، ولم تنشرها وسائل الإعلام الرئيسة.
ولم تقتصر هجمات هذا الأسبوع ضد الأمريكيين المسلمين على الكتابة على الجدران والحرق والتخريب والتهديدات. ففي يوم الاثنين الماضي، تم القبض على مشتبه فيه يبلغ من العمر 39 عامًا لطعنه اثنين من الضحايا في موقف للحافلات في ساوثفيلد، ميشيغان. وكان المتهم قد سأل عما إذا كانت الضحيتان مسلمتين قبل أن يقوم بطعن أحدهما خمس مرات في الوجه والعنق والظهر؛ وطعن الآخر في يده.
ويعتبر الأسبوع الماضي نموذجًا للاتجاه الأوسع لتصاعد العنف ضد المسلمين. فقبل أحداث 11 سبتمبر، لم يكن هناك سوى 40 إلى 50 جريمة كراهية ضد المسلمين في السنة. وفي عام 2001، كان هناك ما يقرب من 500 جريمة كراهية ضد المسلمين، ومنذ ذلك الحين لم يخل أي مكان من 100: 150 جريمة كراهية ضد المسلمين في السنة.
وقد لخص صلاح الدين أحمد، كاتب الخيال العلمي العربي الأمريكي، تزايد المحنة الحالية للمسلمين في أمريكا اليوم، عندما قام بالتغريد؛ قائلًا: “إنه شيء مقرف عندما تدرك أنك تشعر بالامتنان لأنك لا تبدو عربيًا وليس لديك لكنة“.
ووفقًا للجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز (ADC)، أدى عرض فيلم “القناص الأمريكي” إلى زيادة حوادث العنف والترهيب التي نفذت ضد الأمريكيين المسلمين. وقالت في بيان لها إن: “الغالبية العظمى من التهديدات العنيفة التي شهدناها خلال الأيام القليلة الماضية جاءت نتيجة للكيفية التي وصف بها العرب والمسلمون في فيلم القناص الأمريكي، لقد جمعنا مئات من الرسائل العنيفة التي تستهدف العرب الأمريكيين والمسلمين من رواد السينما“.
لكن إذا كان الفيلم العنصري قد لعب بشكل علني ومهين دورًا في تصعيد المضايقات ضد المسلمين في أمريكا؛ إلا أنه يعتبر جزءًا قليلًا فقط. فالفاعل الرئيس هو أكثر تواطؤًا وشرًا من ذلك. فالفاعل الرئيس لا ينفق المال فقط؛ ولكنه يقوم أيضًا بتنفيذ حملة دعائية منسقة ومستدامة لتجريد المسلمين الأمريكيين من الإنسانية، كجزء من استراتيجية أوسع لدعم أهداف موالية للصهيونية.
فمنذ عام 2001، أنفق عدد من المجموعات الغامضة والأفراد، الملايين؛ لنشر المعلومات الخاطئة عن المسلمين في وسائل الإعلام الرئيسة والجهاز السياسي والوعي العام. وكان الهدف هو توفير الغطاء السياسي لكل من حرب الولايات المتحدة على الإرهاب، وحرب إسرائيل على الفلسطينيين.
قالت ياسمين طائب، المؤلف المشارك في التقرير الجديد: “الخوف: جهود شبكة نشر الإسلاموفوبيا في صناعة الكراهية في أمريكا“، في مقابلة أجريت معها مؤخرًا، إنه: “منذ عام 2001، تم رصد أكثر من 57 مليون دولار لخلق جماعات صناعة الخوف، ومكافحة المسلمين ومعاداة الإسلام من قبل ثمانية من المتبرعين الأثرياء جدًا“.
ووفقًا لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، حققت 37 منظمة من الجماعات المناهضة للإسلام في أمريكا عائدات تصل إلى 119 مليون دولار في الفترة ما بين عامي 2008 إلى 2011. وكانت واحدة من النتائج التي وصل إليها المجلس أن هذه الجماعات: “غالبًا ما تكون مرتبطة بإحكام“، وأن: “اللاعبين الرئيسين في الشبكة قد استفادوا من الرواتب الكبيرة لقاء تشجيعهم الرأي العام الأمريكي على الخوف من الإسلام“.
وتقوم هذه المجموعات الممولة والمنظمة تنظيمًا جيدًا بالدفع بالروايات الخاطئة والحاقدة:
في أوروبا، هناك نظرية المؤامرة “اليوروعربية“، التي تقول بأن هناك مؤامرة سرية بين الزعماء العرب والأوروبيين لتسهيل هجرة المسلمين الجماعية، وإخضاع أوروبا، وتحويل القارة إلى مستعمرة عربية تسمى “اليوروعربية“. ومثلها مثل نظريات المؤامرة اليهودية في ألمانيا خلال الثلاثينيات، لم يتم تقديم أي دليل يدعم أي مؤامرة أو احتمال فعلي بأن المسلمين يسعون إلى السيطرة على أوروبا، ديموغرافيًا. إنها المؤامرة التي تم دفعها من قبل جميع الجهات القومية؛ ابتداءًا من رابطة الدفاع الإنجليزية، إلى السياسي الهولندي جيرت وايلدر، والتي وردت بقدر كبير من التفصيل في كتاب بات ياور “اليوروعربية“: محور اليورو العربي.
وفي أمريكا، هناك نظرية مؤامرة “تطبيق الشريعة“، التي تقول إنه: “بالإضافة إلى استخدام العنف، فإن هناك ما يسمى بـ “استراتيجية الجهاد الخفي”، والتي تهدف إلى التسلل إلى المؤسسات الوطنية والتأكيد على مطالب المسلمين من خلال النظام القانوني“. وهي المؤامرة التي يروج لها من قبل الجميع؛ ابتداءًا من الحزب الجمهوري، وحتى شبكة فوكس نيوز، وقد ذكرت بالتفصيل في كتاب مارك ستاين “الأمريكيون وحدهم“.
ومن الممكن بسهولة رفض نظرية مؤامرة “تطبيق الشريعة الإسلامية“، لأنها شديدة السخافة، ولكن تلك النظرية انتشرت بشكل كبير رغم ذلك. فقد وجدت دراسة أجريت عام 2011 أن 30 % من الأمريكيين يعتقدون بأن الأمريكيين المسلمين يسعون لأن تحل الشريعة الإسلامية محل دستور الولايات المتحدة.
إذن، من هي هذه الجماعات والأفراد الذين يضغطون بالأفكار المضللة الواضحة والتعميمات الجسيمة بغرض تصنيع مناخ من الخوف والشك والغضب تجاه المسلمين الأمريكيين؟
قام النشطاء الأمريكيون الذين ينتمون إلى المحافظين الجدد، ديفيد هورويتز، ودانيال بايبس، بإنشاء “كامبس وتش” في عام 2002؛ لتحديد ومراقبة أساتذة الجامعات الذين أيدوا علنًا حقوق الفلسطينيين وشجعوا الطلاب على الاحتجاج على سياسة إسرائيل القمعية تجاه العرب. وبعد عام واحد، هورويتز DiscoverTheNetworks.org، والتي قامت برصد الجماعات والأفراد “المتهمين بتمكين التيار الإسلامي وتقويض القيم الأمريكية“. وفي عام 2007، نظم هورويتز أسبوعًا للتوعية ضد الفاشية الإسلامية.
وقال الأستاذ المساعد بجامعة نيويورك آرون كوندناني، إنه بحلول عام 2008 “تجمع مجموعة من النشطاء في الترويج لكراهية الإسلام الممولين جيدًا“؛ حيث ظهرت مدونة “باميلا جيلر أطلس شروجز” ضمن حملة أكاديمية خليل جبران الدولية. كما عملت عن كثب مع روبرت سبنسر، الذي يدير موقع “جهاد ووتش” الموقع كشركة تابعة لمركز ديفيد هورويتز للحرية. كما أشار كوندناني أيضًا إلى أن: “الزوجين المليونيرين، أوبري وجويس شيرنك، في لوس أنجلوس؛ قد قاما بتمويل روبرت سبنسر بحوالي مليون دولار بين عامي 2004 و 2009“.
كما تم خلال تلك الفترة إنشاء منظمة “آكت فور أمريكا“، والتي أنشأتها بريجيت غابرييل في عام 2007. ثم أنشأت هذه الشبكة، التي تعمل على نشر كراهية الإسلام بين المواطنين، أكثر من 570 فصلًا، وانضم إليها 170 ألف عضو قبل نهاية العام الثاني.
ولا تعد هذه الشبكة من المنظمات والأفراد المعادين للمسلمين مسؤولة فقط عن التحيزات التي تحدث في وسائل الإعلام، بل إنها مسؤولة عن معظم خطاب وسائل الإعلام المحافظة، واليمين الديني، والإلحاد الجديد، والحزب الجمهوري بأكمله. كتب بيتر بينارت: “إن مستوى التعصب ضد المسلمين في أمريكا اليوم يرتفع بشكل مثير للصدمة؛ فالساسة والمفكرون، خاصة من اليمين، يقولون أشياء عن المسلمين، من شأنها أن تؤدي إلى طردهم فورًا إذا ما قالوها عن المسيحيين أو اليهود“.
وخلال حملة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية عام 2012، أعلن هيرمان كين أن: “هذه محاولة متسللة لإدراج الشريعة والعقيدة الإسلامية تدريجيًا في حكومتنا“. بينما قال الرئيس السابق لمجلس النواب، نيوت غينغريتش: “أعتقد أن الشريعة تمثل تهديدًا قاتلًا لقيم الحرية في الولايات المتحدة والعالم كما نعرفه“. في حين ادعى بيتر كينغ، رئيس لجنة الأمن الداخلي، أن: “هناك تسللًا لممارسات الشريعة في جميع أنظمة الدولة لدينا، وكذلك عبر الحضارة الغربية“.
ولا يوجد أي دليل في أي مكان أو من أي شخص يدعم فكرة أن الأمريكيين المسلمين يرغبون في تطبيق الشريعة في أمريكا. فقد وجد استطلاع، أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2011، أن ربما ما يصل إلى 80 % من المسلمين الذين يعيشون في أمريكا؛ لا يذهبون إلى المساجد ولديهم نظرة علمانية.
فمن أين إذن يستمد هؤلاء السياسيون المحافظون ووسائل الإعلام اليمينية نقاط حديثهم تلك عن الشريعة الإسلامية؟
خلال انتخابات عام 2008، ومع وجود مرشح ديمقراطي اسمه الأوسط حسين، تم توزيع 28 مليون نسخة من فيلم معاد للمسلمين في جميع المناطق التي كانت تشهد تنافسًا انتخابيًا شديدًا. وقد تم تمويل الفيلم بتبرع قدره 17 مليون دولار قدمتها إحدى منظمات المحافظين التي تسمح لها قوانين التمويل السياسي بعدم الإعلان عن أسماء الجهات المانحة.
وفي حين أن الفيلم لم يمنع المرشح باراك أوباما من الفوز بالرئاسة؛ إلا أنه كان ناجحًا بقدر ما في حقن الهستيريا المعادية للمسلمين في دماء السياسيين الأمريكيين. فوفقًا لاستطلاع أجرته مجلة تايم عام 2010، أكثر من 25 % من الأمريكيين يعتقدون أن رئيس الدولة مسلم.
وكان الخوف والشك السببين الجذريين لجرائم العنف التي نفذت ضد الأمريكيين المسلمين؛ فقد أظهر استطلاع أجري عام 2011، أن 6 % من المسلمين كانوا ضحايا لجرائم الكراهية. كما قالت لويز كاينكار، مؤلفة كتاب “أثر هجمات 11 سبتمبر على المجتمعات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة”، إن جميع الذين تمت مقابلتهم من النساء الأمريكيات المسلمات الجامعيات في شيكاغو كن “ضحايا لاعتداء جسدي أو لفظي، أو يعرفن شخصًا قد تعرض لذلك“.
كما يخشى الأمريكيون المسلمون أيضًا من الإبلاغ عن الجرائم التي نفذت ضدهم، ليس فقط لاعتقاد المسلمين بأن السلطات لا تساعد؛ ولكن لأن المسلمين يدركون تمامًا أنهم أهداف لعمليات الترحيل والمراقبة والمضايقة من قبل المكلفين بتنفيذ القانون. وتقول “فرحانة خيرا”: “إن هذا التدقيق المفرط قد أدى إلى تآكل الثقة الضرورية لدى الضحايا للإبلاغ عن جرائم الكراهية“.
وتقول “طائب” إنه ينبغي أن يكون الهدف الرئيس لنشطاء الحقوق المدنية المسلمين هو فضح الممولين لنشر التعصب ضد المسلمين، وتتبع التمويل، وإيقاف هذه الملايين من الدولارات التي يتم التبرع بها لهذه المنظمات؛ التي تعمل فقط لتعزيز السياسات التمييزية ضد ثلاثة ملايين أمريكي.
بينما تقترح “خيرا” بأنه ينبغي على وزارة العدل إطلاق موقع على شبكة الإنترنت على غرار موقع Stopbulling.gov (أو توقفوا عن السخرية) لوزارة التربية والتعليم، يكون مخصصًا لتوعية الجمهور حول كيفية تحديد وتقرير جرائم الكراهية.
هذه هي بعض الأشياء التي يمكننا القيام بها لتخفيف الاضطهاد ضد المسلمين على أساس دينهم. يجب أن ينظر إلى حادث تشابل هيل على أنه نقطة تحول، وفرصة لدراسة ومواجهة القوى التي تقود الأمريكيين للاعتقاد بأن العقيدة الإسلامية تسعى لتدمير القيم الأمريكية. لقد كانت هذه النظرة التي تقول إن “الإسلام في حالة حرب مع الغرب“؛ هي التي دفعت أندرس بريفيك لقتل 77 طالبًا في النرويج. ومن المحتمل أنها قد دفعت هيكس لقتل ثلاثة مسلمين في ولاية كارولينا الشمالية، وهي بالتأكيد وراء ارتفاع جرائم الكراهية ضد المسلمين.
ميدل إيست آي – التقرير