تمكنت القوات العراقية من استعادة أكثر من ثلث مساحة الجانب الغربي لمدينة الموصل، فيما تواصل وحداتها التوغل الأحد في عمق آخر أكبر معاقل الجهاديين في البلاد، ومع اقتراب الحرب ضد تنظيم الدولة من نهايتها تستعد الفصائل الشيعية المنضوية في مؤسسة الحشد الشعبي لبحث مستقبلها، وهذه المرة سيكون دورها في السياسة مع ترجيحات بتصدع التحالفات داخل الحشد الشعبي، وفق ما ذكره موقع نقاش.
وقال قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق القوة الشيعية المسلحة الأسبوع الماضي إن “الحشد الشعبي مثلما كان حاضرا في جبهات القتال سيكون حاضرا أيضا في السياسة، ومثلما انتصرنا على داعش في القتال سننتصر على الفساد والبطالة، لأن الحشد الشعبي باق وسيبقى، لأنه حشد الله”.
وقوات الحشد الشعبي التي اكتسبت شعبية كبيرة بين السكان الشيعة، وتمكنت من فرض نفوذها على مناطق جغرافية واسعة يسعى قادتها اليوم لاستثمار هذه العوامل من أجل المشاركة في الانتخابات المقبلة، وتطمح لاستثمار السخط الشعبي على الأحزاب الشيعية التقليدية من أجل الحصول على مناصب سياسية، ولكن تكتيكات السياسة تختلف كثيرا عن تكتيكات الحرب.
الفصائل الشيعية المسلحة التي توحدت ضد داعش ليست على انسجام في المواقف السياسية والمرجعية الدينية
تصدع التحالف الشيعي
قالت مصادر سياسية إن “قادة الفصائل الشيعية عقدوا خلال الأيام القليلة الماضية اجتماعات سرية لمناقشة مستقبل الحشد الشعبي للمشاركة بالانتخابات المقبلة في قائمة انتخابية واحدة للحصول على أكبر عدد من أصوات الناخبين، ولكن الأمور لم تكن بهذه البساطة”. وطبقا للمصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لحساسية الموضوع، فإن إيران التي تدعم قوات الحشد الشعبي نصحت قادة الفصائل بالتوحد في قائمة انتخابية واحدة، ولكن هذه النصيحة اصطدمت بعقبات سياسية وقانونية معقدة.
ورفضت قوات سرايا السلام التابعة إلى رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ذلك واختارت المشاركة في قائمة خاصة بها ضمن مشروع سياسي جديد يسعى للتقارب مع الحركات المدنية والعلمانية التي تقود التظاهرات المناهضة للحكومة العراقية منذ أشهر، وساهم التحالف بين المدنيين مع مئات الآلاف من أتباع التيار الصدري في زيادة الضغط على الحكومة وأصبحت التظاهرات أقوى من أي وقت مضى.
والشيء نفسه حصل للفصائل المسلحة التابعة إلى المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، وهي سرايا عاشوراء، سرايا أنصار العقيدة، لواء المنتظر، وسرايا الجهاد والبناء التي اختارت الدخول في قائمة خاصة بها لدعم فصيلها السياسي ائتلاف “المواطن”. وفي شأن الفصائل الشيعية المقربة لإيران والموالية عقائديا للمرشد الإيراني علي خامنئي، وهي عصائب أهل الحق، النجباء، كتائب حزب الله، رساليون وجند الإمام، تقول مصادر إنها قررت التحالف مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي القريب من إيران والساعي بقوة للعودة إلى الحكم مجددا في الانتخابات المقبلة.
ويحاول المالكي منذ أشهر ترتيب أوضاعه الانتخابية مستغلا القاعدة الجماهيرية والنفوذ السياسي والأمني الذي يتمتع به من أجل العودة إلى رئاسة الوزراء، وأول الخطوات نجاحه من استمالة الفصائل الشيعية الموالية لإيران إلى جانبه، كما أن الدعم السياسي الإيراني للمالكي يمثل أحد أبرز العوامل الأساسية لحملته الانتخابية المقبلة.
ولكن المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني صاحب فتوى الجهاد الشهيرة ضد داعش والتي أوجدت مئات الآلاف من المتطوعين للقتال فكان له رأي آخر، إذ رفض مشاركة الفصائل الشيعية في السياسة، وأغلق أبوابه أمام وفود شخصيات شيعية سعت للحصول على موافقته، وأكثر من ذلك فإن القوات الشيعية التي شكلها السيستاني وهي فرقة العباس القتالية أعلنت عدم مشاركتها في العمل السياسي.
ويقول جابر المحمداوي وهو رجل دين مستقل يعمل في تدريس المذهب الشيعي في النجف إن “السيستاني ضد مشاركة الحشد الشعبي في السياسة، كما أنه لم يتحمس كثيرا لإقرار الأحزاب الشيعية قانون الحشد في البرلمان ليصبح قوة رسمية، بل كان يسعى إلى إنهاء قوات الحشد وتحويل عناصرها إلى وظائف مدنية”.
مأزق قانوني
في 26 نوفمبر شرّع البرلمان العراقي قانون الحشد الشعبي من قبل النواب الشيعة في البرلمان الذين توحدوا معا لإقرار القانون رغم الخلافات الجانبية في ما بينهم، في حين انسحب النواب السنّة وبعض النواب الأكراد من البرلمان، وبهذا أصبح الحشد قوة رسمية إلى جانب قوات الجيش والشرطة في تجربة مشابهة تماما لتشكيل الحرس الثوري الإيراني بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
الفصائل الشيعية وضعت نفسها في مأزق قانوني لأن قانون الأحزاب يمنع على القوات العسكرية المشاركة في الانتخابات
ويلاحظ أن قادة الفصائل الشيعية الذين بذلوا جهودا كبيرة لتحويل الحشد إلى قوة رسمية، وضعوا أنفسهم في مأزق قانوني لأن قانون الأحزاب يمنع على القوات العسكرية المشاركة في الانتخابات.
وكانت مفوضية الانتخابات أعلنت في بيان رسمي حازم أن “هيئة الحشد الشعبي مؤسسة عسكرية لها ارتباط أمني بالأجهزة الأمنية، وقانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 الذي شرعه البرلمان وصادقت عليه رئاسة الجمهورية يمنع تسجيل أي كيان سياسي له تشكيلات عسكرية”.
ولكن لقادة الحشد رأي آخر فالمقاتلون الذين حاربوا داعش وحققوا انتصارات على الأرض من حقهم المشاركة في العملية السياسية، كما يقول النائب عن التحالف الوطني محمد ناجي أحد قادة الحشد.
ويقول ناجي إن “الشعبية الجماهيرية الواسعة لقوات الحشد تمنحهم الحق لخوض العملية السياسية ومواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والخدمية كما واجهوا الأزمة الأمنية في محاربة داعش”، ويضيف أن “العديد من قادة الحشد هم سياسيون ونواب ولكنهم تطوعوا للمشاركة في القتال بسبب خطر الإرهابيين، وبعد القضاء على داعش يعودون إلى العمل السياسي”.
ولكن الخطر يكمن في أن الفصائل الشيعية المسلحة التي توحدت مع الجبهات لمحاربة عدو واحد هو داعش ليست على انسجام في المواقف السياسية والمرجعية الدينية، وقد يؤدي التنافس للحصول على أصوات الناخبين إلى صدامات مسلحة في ما بينها، خصوصا وأن مقاتلي هذه الفصائل أصبح لديهم نفوذ داخل الأحياء والمدن المستقرة.
ومازالت المعارك مستمرة ضد داعش والتحالفات السياسية تحتاج الكثير من الوقت، ولكن المؤكد أن الانتخابات المقبلة في العراق ستكون الأصعب والأخطر في البلاد منذ 2003، إذ أن الصراع السياسي قد يتحول هذه المرة عبر البنادق لا صناديق الاقتراع.
صحيفة العرب اللندنية