الموصل (العراق) – شهدت معركة استعادة مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بشمال العراق، الأحد، انتكاسة وصفها ضبّاط مشاركون في قيادة الحملة بالظرفية، وتمثّلت في شنّ تنظيم داعش هجوما معاكسا كبيرا على القوات العراقية موقعا خسائر في صفوفها ومجبرا إياها على الانسحاب من مناطق كانت استعادتها من قبضته.
ويعتبر خبراء أمنيون مثل تلك الهجمات أمرا متوقّعا من التنظيم الذي يحاول أن يلقي بكلّ أوراقه في المعاقل المتبقية له في القسم الغربي من المدينة وأن يقاتل هناك بشكل انتحاري بعد أن انعدمت لديه أي خيارات أخرى.
وأعلن الموفد الأميركي الخاص لدى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش بريت ماكغورك، الأحد، أن القوات العراقية قطعت آخر المنافذ المؤدية إلى مدينة الموصل ما أفضى إلى محاصرة الجهاديين داخلها.
وقال ماكغورك للصحافيين في بغداد إن “تنظيم الدولة الإسلامية أصبح محاصرا بعد أن قامت الفرقة التاسعة في الجيش العراقي قرب بادوش، شمال غرب الموصل، بقطع آخر المنافذ المؤدية إلى المدينة”. وأضاف أن “جميع المقاتلين الموجودين في الموصل سيموتون فيها”.
وفي ظلّ التقدّم الكبير الذي حقّقته القوات العراقية المدعومة بطيران ومدفعية التحالف الدولي في استعادة أحياء الجانب الغربي من الموصل، والذي قدّره مصدر عسكري الأحد بأكثر من ثلثي مجمل مناطق المدينة، ومع الحصار الذي أطبق على مقاتلي التنظيم من مختلف الجهات، أصبحت هزيمة داعش أمرا حتميا ومسألة وقت. غير أنّ ما يشغل بال السكان والمتابعين للوضع في الموصل، هو حجم الخسائر البشرية والمادية الذي سيتم تسجيله في المعركة، مع وجود أعداد كبيرة من المدنيين المحاصرين داخل الأحياء السكنية، والاعتماد الكبير من قبل القوات العراقية والتحالف الدولي على كثافة نارية عالية، وهو الأمر الذي بدأت نتائجه تظهر في الدمار الكبير بالمباني السكنية ومختلف البنى التحتية للمدينة.
كما أنّ من دواعي الانشغال، مصير المدينة بعد داعش وكيفية تأمينها والجهة الأقدر على ذلك. وبدأ سكّان القسم الأيسر من الموصل والواقع شرق نهر دجلة يشتكون من ممارسات طائفية ضدّهم من قبل عناصر من ميليشيات الحشد الشعبي المشاركة في مسك أحياء ذلك القسم الذي استعيد بالكامل من سيطرة داعش.
بريت ماكغورك: جميع عناصر داعش الموجودين في الموصل سيموتون فيها
ومن شأن أي أخطاء في إدارة المدينة المستعادة أن تؤدّي إلى توترات أمنية تفشل عملية بسط الاستقرار الدائم فيها، وأن تهيّئ الأرضية لتنظيمات متشدّدة أخرى قد تنشأ مثلما نشأ داعش على أرضية الطائفية والفساد، والفشل الإداري والأمني.
وأفاد مصدر أمني، الأحد، بمقتل أربعة من القوات العراقية في معارك مع داعش خسرت خلالها أجزاء مستعادة في مركز مدينة الموصل.
وقال النقيب عبدالنبي الصفار في الشرطة الاتحادية لوكالة الأناضول إن “داعش شن هجوما على القوات التي تمركزت في الشوارع الأولى من منطقة باب الطوب بمركز الموصل، مستخدما سيارات ودراجات نارية مفخخة ومجموعة من المقاتلين الميدانيين والقناصة”.
وأضاف أن “الهجوم أجبر القوات على الانسحاب والتراجع نحو مواقعها القريبة من جسر الحرية، وشارع حلب، والنبي شيت، والعكيدات”.
وأشار إلى أن “التنظيم بات يفرض سيطرته بالكامل على المنطقة، وأن مواجهات مسلحة متقطعة تندلع بين الفينة والأخرى، بين الطرفين”.
ولفت الصفار إلى أن “المباني العالية التي يتموضع فيها القناصون تشكل عائقا صعبا أمام القوات وتمنعها بنسبة كبيرة من التقدم نحو الأهداف المرسومة لها”.
وكانت القوات العراقية قد اقتحمت السبت منطقة باب الطوب من ثلاثة محاور، هي الدواسة والنبي شيت والعكيدات، وسيطرت على عدد من الشوارع فيها.
وعن حجم الخسائر المادية والبشرية في هجوم داعش ذكر الصفار أن “حصيلة خسائر القوات العراقية بلغت أربعة قتلى بينهم ضابط برتبة رائد وإصابة 5 آخرين، جروح اثنين منهم خطرة للغاية، فضلا عن تدمير عربة عسكرية ومعدات قتالية مختلفة”.
وفي مواجهات بالمحور الجنوبي للمدينة، قتل الأحد تسعة مسلحين من تنظيم داعش وثلاثة جنود من القوات العراقية، فيما لقي مدنيون مصرعهم بقصف جوي.
وأوضح النقيب يحيى عباس الطالبي، من قوات جهاز الشرطة الاتحادية أن “قوات الشرطة والرد السريع التابعة لوزارة الداخلية خاضت منذ صباح الأحد معارك شرسة للغاية ضد تنظيم داعش في دورة عبو ضمن منطقة الموصل الجديدة جنوب غربي المدينة”.
وتابع أنّ “القوات مصرّة على تحرير منطقة الموصل الجديدة لإتمام التقدم نحو مركز المدينة وفتح محور قتال آخر ضد التنظيم في هذه المنطقة”. ومن جهته، قال مصدر أمني إن 11 مدنيا بينهم نساء وأطفال قتلوا بقصف جوي على مركز الجانب الغربي لمدينة الموصل.
وأوضح ذات المصدر أن “حيي الفاروق ودكة بركة وسط المدينة أصبحا مكتظين بالسكان بعد إجبار التنظيم للعائلات من أحياء نابلس والموصل الجديدة والرسالة والعامل على النزوح والتوجه نحو هاتين المنطقتين”.
ولفت إلى أن “طائرة حربية تابعة للتحالف الدولي وجهت بعد منتصف نهار الأحد ضربة جوية لهدف مسلح متحرك الأمر الذي تسبب في تدمير الهدف ومقتل من فيه، ومقتل 11 مدنيا وإصابة 4 بينهم طفل لا يتجاوز عمره السبعة أعوام”.
وتابع أن “مناطق الموصل القديمة باتت لا تحتمل استخدام قوة نارية كقوة الطائرات أو المدافع الصاروخية بسبب أن المنزل الواحد هناك أصبح يضم أكثر من عائلة، إضافة إلى قدم بناء المنازل وتهالكها”.
وشرح ذات المصدر أنّ العشرات من المسلحين بدأوا بالتجمع في المناطق القريبة من مركز المدينة في محاولة منهم لشن هجمات مضادة على القوات المتمركزة في شارع حلب المؤدي إلى المجمع الحكومي المستعاد من قبل تلك القوات.
ورغم الصعوبات والمحاذير تسجّل معركة الموصل تقدّما كبيرا قدّرته قيادة العمليات المشتركة التابعة لوزارة الدفاع العراقية، الأحد، بـ65 بالمئة من مجمل مناطق المدينة.
وقال العميد يحيى رسول المتحدث الرسمي باسم قيادة العمليات إن “قواتنا سيطرت حتى الآن على 65 بالمئة من الموصل، هناك تقدم لقواتنا الأمنية وانكسار لعناصر داعش”.
العرب اللندنية