برمنغهام (بريطانيا) – غاصت عدسات مخرج الأفلام الوثائقية بادي ويفل في مجتمع غامض تظهر خارجه لحى طويلة وجلابيب قصيرة وأغطية تحجب رؤوس الفتيات، لكن تفاعلاته اليومية ظلت مختبئة خلف انطباعات حجبت رؤية المجتمع البريطاني لثلاثة ملايين من “المسلمين البريطانيين للغاية”.
وهذا هو عنوان لفيلم وثائقي استغرق إعداده عاما كاملا، في الإجابة عن ثلاثة أسئلة محددة: كيف يبحث المسلم/المسلمة في بريطانيا عن زوج/زوجة؟ وكيف يواجه الشاب المسلم أزمة الهوية؟ وكيف يواجه المسلمون البريطانيون التحديات، محاولين التوفيق بين دينهم وحياتهم في هذا المجتمع الحديث؟
وبين أروقة مسجد برمنغهام، وهو أكبر مركز إسلامي في أوروبا، بدأ البريطانيون اكتشاف واقع حياة مسلمي بريطانيا بعيدا عن الصور السائدة، بعدما أذاعت القناة الرابعة أولى حلقات الفيلم، ضمن ثلاث حلقات تعرض أسبوعيا.
ومشكلة الكثير من المسلمين في بريطانيا اعتمادهم على المعونات الاجتماعية دون الاندماج في المجتمع المحيط بهم. وشكل هذا صداعا مزمنا للحكومة، وأفسح الطريق أمام جماعات متشددة كي تجد ضالتها بين صفوف شباب أغلبهم عاطل عن العمل.
لكن الأمر ليس نفسه بالنسبة لوسيم إقبال ونافيد أحمد، اللذين أثبتا أنه لا مجال للاندماج في المجتمع قبل أن يسمح المسلمون للمجتمع وثقافته بالاندماج داخلهم.
وكان وسيم ونافيد من الذين قبلوا المشاركة في الفيلم من بين 6 آلاف مسلم رفض أغلبهم الحديث أمام الكاميرا.
ويقضي نافيد وقته في المقهى الذي يعمل فيه نادلا، وفي وقت فراغه يتردد على مسجد الحي. والتحق الأخ الأصغر لوسيم بالفريق المحلي للملاكمة.
ورغم أسئلة ويفل التي أجبرت وسيم ونافيد على التعبير عن كل ما يدور في نفسيهما، كانت الصورة معبرة أكثر، إذ أظهرت هؤلاء المسلمين “بريطانيين للغاية” وهم يمارسون الملاكمة وكرة القدم، لكنهم كانوا يقومون بكل هذا وأكثر مع شباب آسيويين آخرين، وأمام جمهور من الآسيويين أيضا.
ويظل البريطانيون من أصحاب البشرة البيضاء ينظرون للحيتي وسيم ونافيد بريبة كبيرة.
ويقول نافيد في الحلقة الثانية “في القطار مثلا نلاحظ أن الكثيرين يحدقون فينا.. هم يعتقدون أنك ربما ستفجر نفسك”.
ويسارع إقبال بالقول “في برمنغهام يتعاملون معي على أني أجنبي غريب.. وعندما أعود إلى بلدي، حيث أنتمي فعليا، يعاملونني أيضا على أنني أجنبي”.
وانعكس إحساس العزلة بالنسبة للكثير من المسلمين في الانسحاب إلى مؤسسات إسلامية تربطهم نفسيا ببلاد بعيدة مازالوا يشعرون بالانتماء إليها. ومن بين هذه المؤسسات المحاكم الشرعية التي تلجأ إليها سيدات مسلمات خصوصا للحصول على الطلاق. وتطبق هذه المحاكم، المنتشرة في أرجاء بريطانيا، الشريعة الإسلامية، ولا يشعر الكثير من المسلمين بين أروقتها بالغربة.
وكانت هذه دوافع الكثيرين للانضمام إلى مدارس هيمن عليها إسلاميون متشددون يتبنون أفكارا دينية متطرفة في برمنغهام، قبل أن تشن السلطات البريطانية حملة موسعة لإغلاقها عام 2015، في قضية عرفت بـ”حصان طروادة”. وحتى البحث عن زوج أو زوجة بات يتم عبر مؤسسات تحمل مرجعية إسلامية. وفي جزء يحمل عنوان “كل العزاب المسلمين” رصدت كاميرا ويفل مسلمين وهم يبحثون عن زوج أو زوجة مستقبلية عبر مكتب تيسير الزواج، وهي خدمة يوفرها مركز برمنغهام الإسلامي.
ومن بين هؤلاء بيلا (24 عاما)، وهي شابة سجلت بياناتها في المركز لكنها لا تزال عزباء.
ويحاول آش، وهو شاب من أصول باكستانية يبلغ من العمر 29 عاما، الخروج عن منظومة الزواج التي يشرف الأهل على ترتيبها.
العرب اللتدنية