حمل اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رسائل أميركية بالجملة بشأن استراتيجية البيت الأبيض الجديدة في الشرق الأوسط والتي تقوم على تصويب العلاقة مع السعودية ومن ورائها دول الخليج على قاعدة تبادل المصالح فضلا عن وجود هدف مشترك وهو تطويق الدور التخريبي لإيران التي تهدد سياساتها في آن واحد أمن الخليج ومصالح واشنطن.
وذكر بيان للبيت الأبيض أن ترامب والأمير محمد بن سلمان ناقشا أهمية مواجهة الأنشطة الإيرانية المعطلة للاستقرار في المنطقة.
وقالت مراجع دبلوماسية إن إدارة ترامب تسعى جاهدة لمحو الصورة السيئة التي طبعت سياسة الرئيس السابق باراك أوباما بالسعودية وبقية دول الخليج والتي كادت تكلف واشنطن خسارة تحالف مثّل دائما أحد الضمانات المفصلية للمصالح الأمنية والاقتصادية الأميركية في المنطقة.
ووصفت صحيفة “نيويورك تايمز” استضافة ترامب للأمير محمد بن سلمان على مأدبة غداء في البيت الأبيض بأنها تهدف إلى إقامة علاقة أكثر دفئا مع المملكة وذلك بعد فترة من التوتر بين الولايات المتحدة والسعودية الحليفة منذ فترة طويلة.
وذكرت أن الزيارة التي كان من المتوقع لها في الأساس أن تشهد اجتماعا وتحية قصيرة تحولت في آخر لحظة إلى غداء رسمي.
ونأى ترامب بنفسه عن أسلوب أوباما القائم على الالتفاف والمناورة وإعطاء الدروس للتهرّب من استحقاقات التحالف مع دول الخليج. وجعل الرئيس الأميركي الجديد الملفّ الإيراني عنصرا رئيسيا في لقاء الثلاثاء، وهو الملف الذي تحدد السعودية وفقه تحالفاتها منذ بدء عاصفة الحزم في اليمن منذ سنتين.
واعتبرت المراجع أن ترامب قطع الخطوة الأهم لاستعادة أولوية بلاده في حسابات دول الخليج إلى مرحلة تنويع الحلفاء وعدم الاكتفاء بالتحالف مع الولايات المتحدة، وهو توجه تعكسه الجولة الحالية للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى دول شرق آسيا وخاصة زيارته لليابان والصين وهما منافسان اقتصاديان من الوزن الثقيل لواشنطن.
وقال مراقبون إن الزيارة بددت الصورة المعهودة عن دول الخليج والتي عكستها الحملة الانتخابية لترامب، مشيرين إلى أن النظر إلى دول مجلس التعاون كدول منفقة على الأزمات الدولية أمر تجاوزه الزمن وأن الخليجيين صاروا يبحثون عن إقامة علاقات متكافئة تقوم على تبادل المصالح والمنافع وليس على الحماية مقابل الصفقات، وأنهم يضعون مصالحهم القومية أولوية في أيّ تحالف مستقبلي.
وقال سايمون هندرسون، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن “الإدارة الجديدة تنظر إلى السعودية كجزءٍ جوهري من الشرق الأوسط ودولة مهمة لتحظى بعلاقةٍ إيجابيةٍ معها حتى وإن شهدت هذه العلاقة بعض التوترات”.
وفي مقابل وضوح الرؤية الأميركية بشأن مستقبل العلاقات الثنائية سعى الأمير محمد إلى تبديد الغموض عن مواقف المملكة من القضايا التي تشغل بال الأميركيين تجاه دور السعودية وخاصة الاتهامات التي توجه لها بخصوص ملف الإرهاب.
وقال الأمير فيصل بن فرحان آل سعود مستشار وليّ وليّ العهد السعودي إن الأمير محمد أوضح للرئيس الأميركي أن تركيز الجماعات الإرهابية على تجنيد السعوديين مرده محاولة هذه الجماعات “كسب الشرعية” لمكانة “السعودية الرائدة في العالم الإسلامي”.
وأضاف مستشار وليّ وليّ العهد السعودي في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” إن الأمير محمد أكد انخراط المملكة في الحرب على داعش و”ليس فقط مالياً بل إن السعودية عرضت في عهد أوباما أن ترسل فرقها إلى سوريا من أجل مجابهة داعش إلا أن إدارة أوباما لم تبد حماستها. وهذا العرض لا يزال قائماً”.
وأراد الأمير محمد من خلال إعلان الاستعداد الكامل لمواجهة داعش التأكيد على أن بلاده تقف بقوة ضد الإرهاب وأنها عازمة على مواجهته بالداخل والخارج، وأن المنتسبين إلى داعش من السعوديين هم تماما مثل المنتسبين إليه من دول إسلامية وغربية ما يعني أن الإرهاب صار ظاهرة معولمة.
وسيمكن الوضوح السعودي من ملف الإرهاب الأمير محمد من إثارة قانون جاستا لما قد يكون له من تأثير سيء على العلاقات الثنائية فضلا عن أن هذا القانون تم إقراره في ذروة الخلاف السعودي مع إدارة أوباما، وأن تجميد العمل بهذا القانون سيعد خطوة ضرورية في سلسلة القرارات الهادفة إلى تصويب العلاقة مع السعودية.
ونأى وليّ وليّ العهد السعودي ببلاده عن ملف الإخوان المسلمين في ظل توجه جدي داخل إدارة ترامب لحظر الجماعة باعتبار فكرها رافدا رئيسيا للأفكار المتشددة التي تخرّج منها الآلاف من الإرهابيين.
وأشار المستشار إلى أن الأمير محمد أوضح لترامب محاولات الإخوان لضرب العلاقات “الاستراتيجية السعودية مع الولايات المتحدة خصوصاً والعالم عموماً، من ذلك ما قام به قائد تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي قال عنه نائبه الظواهري في خطاب تأبينه إنه كان من جماعة الإخوان منذ أن كان طالباً في الجامعة وأن الظواهري نفسه كان عضواً في تنظيم الإخوان المسلمين”.