لماذا قد لا يريد بوتين هزيمة “داعش” في سورية؟

لماذا قد لا يريد بوتين هزيمة “داعش” في سورية؟

ارتفعت وتيرة الحوادث المسلحة وعدد ضحايا العنف وإجمالي القتلى بسبب التطرف في جمهورية الشيشان التابعة لروسيا في العام 2016 مقارنة بالعام 2015. وبدأ العام 2017 بعملية ضخمة مضادة للإرهاب شنتها وزارة الشؤون الداخلية والحرس الوطني الفدرالي الروسي ضد مجموعة سرية متهمة بالتآمر لشن هجمات إرهابية.
تشي هذه الحوادث بتجمع متنامٍ للشباب ذوي الفكر المتطرف الناشئين في الوطن، بالإضافة إلى المتطرفين في الشيشان. ويعزى هذا الاتجاه إلى إضعاف مجموعة “داعش” المتشددة، كدويلة تحتفظ بأراضٍ ولديها مجموعة عسكرية استوعبت حتى وقت قريب العديد من المقاتلين من الشيشان.
وكان الكرملين أعلن أن القتال ضد “داعش” هو من الدوافع التي دفعته إلى سورية. وثمة احتمال لأن يخلق قتال فعال ضد “داعش” في المحصلة مشاكل أمنية خطيرة في الوطن في الشيشان الهشة. ومن شأن هذه الاحتمالية أن تثير السؤال عما إذا كان الكرملين سيقاتل “داعش” فعلاً في سورية وخارجها.
ازداد عدد الضحايا والقتلى في سياق الصراع المسلح في الشيشان بواقع 43 في المائة و93 في المائة على التوالي في العام 2016، مقارنة بالعام 2015. كما تضاعفت الحوادث المسلحة ذات الصلة في تلك الفترة.
لذلك، ليس من قبيل المصادفة قيام السلطات الروسية بعملية ضخمة لمكافحة الإرهاب، وفق مقياس غير مسبوق في الأعوام الأخيرة، في الشيشان في الفترة ما بين 9 كانون الثاني (يناير) و16 منه الماضي. وقد اعتقل أكثر من 60 عضواً من مجموعة مرتبطة بـ”داعش”، بينما قتل أربعة في العملية. كما قتل رجلا أمن من الحرس الوطني الروسي خلال العملية.
وقال حاكم الشيشان، رمضان قاديروف، إن المجموعة كلها تأتمر بأمر شخص ما في سورية ينحدر أصلاً من بلدة شالي الشيشانية. وأضاف أن المجموعة السرية كانت تجند أعضاء لصالح “داعش”.
لكن تدفق مقاتلين محتملين من الشيشان تباطأ بشكل كبير في العام 2016. كما انخفض عدد الذين غادروا الشيشان للانضمام إلى مجموعات متشددة في سورية إلى 19 مقاتل فقط في العام 2016، وفقاً لمصدر في وزارة الداخلية الشيشانية. ويعد هذا الرقم أقل بمرات عدة من أرقام الأعوام 2013 و2014 و2015 التي وصلت إلى المئات.
على الرغم من أن السلطات تعزو الهبوط في التجنيد إلى تنفيذ إجراءات وقائية وعملياتية ناجحة، فإن أرقام التجنيد المتراجعة تعكس تضاؤل الأراضي التي يسيطر عليها “داعش”، وتعكس انكماش قوات التنظيم في سورية والعراق.
وكان الرئيس بوتين قد صرح يوم 23 شباط (فبراير) الماضي بأن عدد المواطنين الروس الذين يقاتلون في سورية يبلغ تقريباً 4.000 مقاتل. وتعد روسيا ثالث أكبر مسهم في العالم يرفد “داعش” وغيره من المجموعات المتطرفة في سورية والعراق بالمقاتلين. وتعتبر الشيشان من بين أكثر المناطق الروسية مساهمة في ملء صفوف “داعش” بالكوادر البشرية.
يجب النظر إلى تدفق المقاتلين الشيشان إلى الخارج في ضوء بعض التصريحات المثيرة للجدل، مثل “الإرهاب هُزم في الشيشان”. وتأتي الهزيمة الخيالية للإرهاب في الشيشان في جزء منها نتيجة مغادرة المقاتلين الشيشان إلى المواقع الساخنة للتطرف، وبشكل رئيسي في سورية.
انقسم نشاط الحركة السرية القوقازية إلى نصفين خلال سني الحرب السورية؛ حيث تؤكد هذه الحقيقة جهات تنفيذ القانون وخبراء وناشطون حقوقيون وسكان المنطقة. وتبعاً لذلك، يمكن اعتبار حركة المقاتلين إلى خارج الشيشان حلاً خارجياً لمشكلة روسيا الأمنية المحلية.
وفي الأثناء، يعني التدهور المتواصل لـ”داعش” من حيث الأراضي والقوة أن هذا الحل لمشكلة روسيا الأمنية المحلية يصبح أقل فعالية على نحو متزايد. ولا يعني تراجع “داعش” بالضرورة نهاية التطرف والتجنيد في الشيشان. ومن المحتمل أن يستمر التطرف والتجنيد للشباب على يد الحركة السرية في الشيشان. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى التأثير على الوضع الأمني بطريقتين.
أولاً، قد تمثل عودة المقاتلين الشيشان الخبراء من سورية مع أولئك المستقرين أصلاً في الشيشان تهديداً أكبر. لكن هذا ليس محتملاً جداً مع ذلك، نظراً لأن موسكو قد اتخذت إجراءات تشريعية احترازية. وتجدر ملاحظة أن الرئيس بوتين كان قد قال في نيسان (أبريل) من العام 2015 إن “داعش” لا يشكل تهديداً مباشراً للبلد، لكن روسيا قلقة من حقيقة أن مواطنيها ينضمون إلى “داعش” ثم يعودون إلى الوطن لاحقاً.
بموجب تعديلات تشرين الأول (أكتوبر) 2013 على القانون الجنائي الروسي، تمت زيادة العقوبة لمن يشارك في نشاطات إرهابية في الخارج. وتعترض هذه التعديلات من الناحية الفعلية سبيل أولئك الذين يعودون العودة للوطن. وعلى الرغم من ذلك، من المحتمل أن يحاول البعض العودة من خلال ترتيبات من باب خلفي.
في العام 2016، تم تبني مشروعي قانونين فدراليين روسيين يعرفان بالتضامن بقانون ياروفايا، من أجل تعديل التشريع الموجود لمكافحة الإرهاب. وتم وضع قانون ياروفايا لقطع الطريق على الدخول من الباب الخلفي أيضاً.
ثانياً، قد يتسبب تراكم الشبان المتطرفين القادمين ومع الذين في الوطن في تدهور خطير للحالة الأمنية مع احتمال ارتفاع وتيرة التطرف.
يقف ارتفاع عدد الحوادث المسلحة واجمالي القتلى بسبب التطرف في الشيشان والهبوط الكبير في عدد المقاتلين المحتملين الذين يغادرون البلد للانضمام إلى المجموعات المتطرفة في سورية في العام 2016 ليشكل إشارة مبكرة على أن ذلك السيناريو قيد التحقق. وكانت عملية مكافحة الإرهاب في الفترة بين التاسع من كانون الثاني (يناير) والسادس عشر منه في الأساس مبادرة من السلطات لمنع المزيد من تحقق ذلك السيناريو.
وقال حاكم الشيشان: “على الرغم من العمل الذي قمنا به (السلطات)، فإنهم (المجندون) استطاعوا إقناع عدد كبير جداً ممن كانوا مستعدين للموت دفاعاً عن فكرة يؤمنون بها، وهو شيء عصي على الاستيعاب”. وكانت المجتمعات السرية الشيشانية تجند هؤلاء الشباب باستمرار. لكن “داعش” هو الذي استوعب هؤلاء إلى حد كبير في ميادين المعارك في سورية وما وراءها.
في الوقت الحالي، تشكل خسارة “داعش” الكبيرة للأراضي ومواقفه الضعيفة والهجوم عليه في الموصل عوامل تشير إلى التداعي الذي يلوح في الأفق للتنظيم كدويلة تسيطر تسيطر على أراض. ومن دون أرض، سوف تتعطل قدرة “داعش” على اجتذاب واستيعاب مقاتلين محتملين من الشيشان. ومن ناحيتهم، يتوقع أن يصبح هؤلاء المقاتلون المحتملون أقل حماساً للانضمام إلى “داعش” في الخارج.
من الممكن أن يفضي هذا السيناريو الثاني إلى تكون مجموعة من المقاتلين المحتملين والشباب المتطرفين في الوطن. ونتيجة لذلك، قد تواجه روسيا تدهوراً خطيراً في حالتها الأمنية المحلية -وحتى ارتفاعاً في وتيرة التطرف في الشيشان، وهو ما سيكون سيناريو كابوسياً بالنسبة لروسيا.
قد تخدم صراعات “داعش” المستمرة في سورية وغيرها تجفيف الشباب المتطرف من الأرض الروسية، وعلى نحو يحول دون تحقق هذا السيناريو. وهو ما يفسر صعوبة التنبؤ بما إذا كانت موسكو ستحارب “داعش” بإخلاص في سورية أو أي أماكن أخرى خارج حدود روسيا.

رحيم رحيموف

صحيفة الغد